اللحظة الفاصلة
تاريخ النشر : 2021-01-08 23:17

د. محمد لبيب سالم *:

نظرت إليه بعينيها الدامعتين ، ليس بدموع الحزن ، ولكن بدموع قطراتها من شوق وحنين واشتياق ولوعة ساخنة تتمني أن تسكبها بين شفتيه. أمسكت بيديها كفيه ، واحتضنته بصدرها الذي هده ضربات قلبها المشتاق. احتضنها بحنان واحتواها بين ذراعيه ، وظلا هكذا يذوبان في بحار الحب، هي علي صدره وهو يتحسس خصلات شعرها الذي يتمني أن يُقبل كل خصلة فيه.

تحولت لحظة اللقاء بعد غياب طال تسعة أشهر إلي ملحمة عشق ، كالساق المورقة التي نمت لتوها علي سطح الأرض من جذرها. هو الجِذر وهي الساق المورقة ، في كل ورقة فيها ينبض قلبها الأخضر. تمنا لو تستمر اللحظة طوال العمر ، ولكنها فوجئت به يرفع رأسها بين راحتيه ناظرا إلي عينيها بحنان وحب وشوق ، قبل جبينها ووجنتيها وشفتيها بنهم ورعشة ليودعها لتسعة أشهر أخري.

سالت الدموع من عينيها ، ولكن هذه المرة كانت الدموع مملوءة بقطرات الحزن والخوف من الرحيل اللانهائي. لم تنطق من رهبة الرحيل ، وتركت يديها تتسلل من يديه وكأن تنزع روحها من روحه وهو يودعها ملوحا بكفه ، وكأن الرحيل أصبح من طقوس كل لقاء. ظلت تراقب خطواته المسرعة حتي اختفي بين المارة ، ليعلن الزمن عن آخر رحيل بعد آخر لقاء.

سحبت أنفاسها وجسدها وروحها من المكان في هدوء ، وكأنها منومة بمغناطيس الحب والفراق ، وعادت إلي بيتها تنتظر ككل مرة ، لعله يعود لترتشف منه مشاعر اللقاء والعشق والحنين. وفجأة تجمدت الدموع في عينيها عندما سمعت أم ترد علي طفلها وهي تجري مهرولة في الطريق ، يا ابني كفي أسئلة عنه، من تعود علي الرحيل أبدا لن يعود. وفي تلك اللحظة ، كفكفت دموعها وتماسكت وكست ملامحها جدية وصرامة ، وكأنها تعاقب ملامحها علي تهاونها في التعبير عن مشاعرها كل مرة يعود ويرحل. مشت في نفس الشارع الذي تعودت أن تودعه فيه كل مرة وتعود منكسرة. ولكنها قد تغيرت ، فقد زال الانكسار عن الجذر وأصبح ساقها مستقيما قويا جامدا ، وكأنه لم يعرف يوما الانكسار. تعجبت من قدرتها علي التغيير عندما أرادت .

ابتسمت في نفسها بسعادة طغت علي ملامحها ، وعادت لبيتها لتلقي بنتيجة الحائط في سلة المهملات، فهي لم تعد في حاجة لتعد الأيام والاسابيع والشهور حتي يعود. ضحكت ضحكة عالية حركت الدماء في عروقها وكأنها ولدت اليوم من جديد في هذه اللحظة الفاصلة.