فيما تَعدّى المُنتَهى
تاريخ النشر : 2021-01-03 23:36

سليمان دَغَش*:

لي حِكمَةُ التأويلِ في التنزيلِ أبحَثُ في المجازِ عَن الحقيقةِ

خَلفَ ما يُخفي الكلامُ مِنَ الدّلالةِ والإشاراتِ الخَفِيَّةِ

قد يكونُ الظاهِرُ المَرئيُّ وهماً ليسَ أكثَرَ فاكتَشِفْ ببَصيرَةِ الرائي

الخَفِيَّ مِنَ المَعاني خَلفَ بابِ الشَّكِّ والحدسِ الخَفيِّ لَدَيكَ

إنَّ الشَّكَّ أولُ خطوَةٍ نحوَ الحَقيقَةِ في مَحارَتها

وَمِحوَرها وجَوهَرِها اللطيفِ بأصلِه،

لا شيءَ يُدرَكُ منْ ظَواهِرِهِ الجَلِيَّةِ للعيانِ فإنَّ سَطحَ البَحرِ

يُخفي سرَّهُ في عُمقِهِ فيما تَعَدّى ما يُرى..

كُلُّ المَرايا خادِعاتٌ إنْ نَظَرتَ رأيتَ فيها ظِلَّكَ الوَهمِيَّ

لا أحَدٌ سِواكَ هُنا، تَجاوَزْ خِدعَةَ المِرآةِ واغمِضْ مُقلَتَيكَ

تراكَ فيكَ وليسَ فيها واعتَمِدْ نورَ المصابيحِ الخَفِيَّةِ

في سنا مشكاةِ ذاتِكَ، رُبّما يُغويكَ أو يعميكَ نورُ الشَّمسِ

في وَضَحِ النَّهارِ ووحدهُ قنديلكَ المَخفِيُّ فيكَ

إذا أضَأتَ فَتيلَهُ قَبَساً أضاءَكَ شَمعَةً أبَدِيَّةً لا الريحُ تُطفِئها

ولا عَتمُ الدُّجى

لي حِكمَةُ التأويلِ في معنى وجودي، هل أنا حَقاً هُنا

أحيا إلى أجَلٍ مُسَمّى ثمَّ أمضي نَحوَ مجهولٍ هُناكَ

وَهَلْ هُناكَ سوى هُنا؟

أمْ أنّني بَعضُ السّرابِ الدُّنيَوِيِّ على أديمِ الأرضِ يَلهَثُ

خَلفَ غايَتِهِ وآيَتِهِ الأخيرَةِ تائِهاً ما بَينَ فِردَوسِ السَّماءِ

على استِعارَتِهِ الخَفِيَّةِ في المَجازِ وجنَّةٍ في الأرضِ أفسَدَها الخِلافُ

على سّماءِ اللهِ، أيّهما حَقيقيٌّ وأيّهما سُدى؟

أوَلَيسَتِ الأرضُ التي نَحيا عليها في السَّما؟

والكُلُّ يَسبَحُ في سماءِ اللهِ بالحُسبانِ حتى المُنتَهى

ما المُنتَهى؟ إنَّ السؤالَ ضرورة قصوى لمَنْ شاء الهُدى

هُوَ نُقطَةُ البيكار وَحدَهُ حينَ تَكتَمِلُ الدّوائرُ حلولَهُ تغدو النهايَةُ والبداية واحدا

فيما تَعدى المُنتَهى

لي نِعمَةُ الإدراكِ، قالَ اللهُ كُنْ يا عَقلُ أوَّلَ عِلَّةٍ للخَلْقِ، كانَ

وكُلُّ شيءٍ كانَ معلولاً بِهِ، هُوَ عِلَّةُ العِلَلِ الصَّفيَّةُ لا حُدودَ ولا وجودَ

سوى بِعِلَّتِهِ لِعِلَّتِهِ فلا تَتبَعْ سواهُ، هُوَ الإمامُ وَهَمزَةُ الوَصلِ الوَحيدَةُ

بَينَ روحِكَ في تَداولِها قَميصَ الطينِ يُغويهِ ليغويها التُّرابُ الآدَمِيُّ

وَبَينَ روحِ اللهِ في عَلياءِ سَرمَدِها فلا تَبحَثْ عَنِ المَلَكوتِ

خارِجَ عِلَّةِ الإدراكِ سوفَ يَدُلّكَ العَقلُ الصَّفِيُّ إليهِ فيكَ، إليكَ فيهِ

على السّراطِ المُستقيمِ مَحَبَّةً أبَدِيَّةً وتَوَحُّداً حدَّ الحُلولِ

كَنَغمَةٍ تُضفي على نايِ الوجودِ أنينَها وَحَنينَها

نَغَماً على وَتَرِ النَّدى

لي رَيبَةُ الشَّكِ المراوِغِ إنَّ بَعضَ الظَّنِ إثمٌ رُبّما

وَلَعَلَّ بعض الظنِّ مفتاح الولوجِ إلى الحَقيقَةِ، ما الحَقيقَةُ

غير كَشفِ أو اكتِشافِ النورِ في ظُلُماتِ نَفسِكَ، إنها أمارَةٌ بالسوءِ

في استِعبادِ فِطرَتِها البَتولِ وَحَرفِها عنْ نَزعَةِ الإشراقِ

في رؤيا المَحَبَّةِ والسّلامِ الآدَمِيِّ فَعُدْ بِها لِصفائها الفِطرِيِّ

دَعْها حرَّةَ التَّحليقِ مِثلَ فراشَةٍ بيضاءَ تَحتَرِفُ احتِراقَ الذاتِ

حَدَّ الانعِتاقِ على سَنا القِنديلِ فيكَ فَتَكمُلُ الرؤيا برؤيَتِهِ على مرآةِ ذاتِكَ

حينَما يَتَوَحَّدُ المَرئِيُّ بالرائي فهلْ أحَدٌ رأى اللاهوتَ في الناسوتِ

إلّا في مرايا الذاتِ لا أحَدٌ على المِرآةِ غَيرُكَ إنْ رأيتَهُ كانَ فيكَ

وَكُنتَ أنتَ لهُ الصّدى

لي رؤيَتي وَرؤايَ في مغزى الوجودِ لَرُبّما صارَ الوجودُ

إلى الخُلودِ هُنا على الأرضِ التي لا حَيَّ خارجَ جاذِبِيَّتِها

هُنا الفِردَوسُ إمّا شاءَ آدَمُ والجَحيمُ هُنا إذا ما ضَلَّ آدَمُ في شَريعَتِهِ الغَبِيَّةِ

أو تَبَرَّأَ منْ دَليلِ وجودِهِ العَقليِّ واتَّبَعَ الخرافَةَ دونَ فَهمٍ للمَجازِ

على لسانِ الوَحيِ، اقرأْ أوَّل الكَلِماتِ أنزَلَها الإلهُ على النّبِيِّ

الخاتمِ العَرَبِيِّ فاقرأْ وادخُلْ في مجازِ اللهِ حتّى تفهم الآياتِ إنَّ الرّمزَ

بوصَلَةٌ إلى المَعنى هُوَ المَعنى ولا مَعنىً لشيءٍ دونَ عِلَّتِه ورؤيَتِهِ

مجازاً في الرؤى

لي حِكمَتي

لي نِعمَتي

لي نَغمَتي في الكَونِ موسيقى تُرتلها العَنادِلُ في دَمي

وعلى فَمي

لي رؤيَتي وَمَحبَّتي حُرّيتي

لي وِحدَتي وَتَوَحُّدي والعَقلُ عِلَّةُ عِلَّتي

لا شيءَ لي إلايَ حَسبي أنّني حُرٌّ كما شاءَ الإلهُ السّرمَدي

لا شَيءَ لي

لا شَيءَ لي

أكمَلتُ دائِرَتي على مَدِّ المَدى

*(ديوان "في المرآة أشبهني" الصادر عن الدار الاهلية في بيروت)