أنسجُ رحيقي شالاً جديدا
تاريخ النشر : 2020-12-08 23:50

مرام عطية:

أصرَّ الشِّتاءُ هذا العامَ أن يعتِّقني كالنبيذِ فصارَ مثلَ أبي يقصُّ عليَّ حكاياتِهِ الشيقةِ وقصصَ سندبادهِ العاشقِ، فأرتقي جبلاً ثمَّ اهبطُ في وادٍ، أعانقُ صنوبرةً ، وأسبحُ في بحيرة بجعٍ ، أقفزُ كالأرنبِ خلفَ تلةٍ من الجزرِ فيغريني بحباتِ الجوز وحفناتِ الزبيبِ ، مغلقاً كلَّ الأبوابِ التي تفضي إلى الأحبَّةِ ،لكنَّ صديقي الربيعَ لم يتركْ روحي لحظةً ،ظلَّ يهاتفني كل يومٍ ، يزورني مع سربٍ من سنونواتِ الدفءِ فلا أشعرُ بالوحشةِ في الليالي الباردةِ

أمَّا الصيفُ الجميلُ فكانَ يزرعُني عنباً على خصرِ داليةٍ

لا تعجبْ أميري الجميلَ

إن جئتُك اليومَ كالفراشاتِ لاهيةً ، أو تغضبْ إن رسمتني غيثاً و رأتني الريحُ شوقَ غانيةٍ

ففي قرى الشعرِ لاريشةَ سوى نبضِ الفؤادِ ، ولا وترَ سوى قصبِ اللهفةِ، أما رأيتَ الألوانَ كيفَ ترسمني ؟!والنغماتِ كيفَ تقتاتُ شغفي ؟! وتستقي كؤوسَ القافيةِ

ها أنا أسبحُ كالنحل في الرُّبا تارةً أنسجُ رحيقي شالاً جديدا ، وتارةً أدورُ جذلى بين الجفونِ كما عصفور حول ساقيةٍ

فمنذ زمنٍ اعتزلتُ الأسى، واستقلتُ من أملٍ كاذبٍ علاهُ العفنُ و دنستهُ أيدي العهرِ ؛ لأنسى مدينةً ترعى اللئامَ وتتربُ الكريمَ ،و أرمي حضارةً تغرقُ في شهوةِ المادةِ و براثن الكبرياء ، أرمي خلفي صقيعَ حضارةٍ لاضفافَ للكرامةِ الإنسانيةِ فيها

جئتُكَ لأنسى مدينةً تحتضنُ الطغاةَ والمارقين

وأنثرُ حبِّي قمحاً للبؤساءِ و الجائعينَ