ديفيد هيرست: لهذا السبب كان التفاعل الفلسطيني خافتا مع فوز بايدن ووفاة عريقات
تاريخ النشر : 2020-11-11 21:34

وكالات - " ريال ميديا ":

بينما يحتفل الليبراليون في جميع أنحاء العالم بسقوط الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لم ينضم الفلسطينيون إلى هذه الحفلة، كما لم يكن هناك رد فعل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص وفاة كبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات". ويبدو أن هناك ارتباط في خفوت رد الفعل على الحدثين.

ربما تعتقد أنه يجب على الفلسطينيين الاحتفال مع خروج كل من "جاريد كوشنر" و"ديفيد فريدمان"، وهما اثنان من أكثر المبعوثين المكروهين، والذين ادعيا لأول مرة في تاريخ هذا الصراع أنهما أكثر تطرفاً من رئيس وزراء (إسرائيل) نفسه. كما أن الإدارة الوريثة لإدارة "أوباما" ستعيد الأموال للسلطة الفلسطينية، وستعيد فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن، وستعيد تمويل "الأونروا" كما ستكون أكثر برودة تجاه موجة التطبيع، بالرغم من الترحيب الذي أظهره "بايدن" مع إعلان اتفاقيات التطبيع الأخيرة.

وبالرغم من كل ذلك، فمع إعلان فوز "بايدن"، لم يكن هناك فرح كبير في شوارع الضفة الغربية المحتلة مثلما أراد الليبراليون الغربيون الذين ما زالوا يدافعون عن حل الدولتين. ويعود السبب في ذلك إلى أن تغيير رئيس الولايات المتحدة لا يغير من واقع الاحتلال الإسرائيلي. فهو لا يمنع حرق أشجار الزيتون، أو هدم المنازل، أو مصادرة الأراضي، أو تهجير العائلات، أو تجريف القرى، أو تزايد المستوطنات عامًا بعد عام بأعداد كبيرة. ولا يمنع وطن الفلسطينيين من الاختفاء أمام أعينهم.

يمكن القول إن الحكومات الليبرالية أوحكومات يسار الوسط في (إسرائيل) والولايات المتحدة، والتي دفعت من أجل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة ذات أغلبية يهودية، قد قدمت للمستوطنين خدمة أكبر من صقور اليمين. فقد بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إسحاق رابين" فترة ولايته عام 1992 بتجميد البناء في المستوطنات ثم انتقل بناء الوحدات من 7000 وحدة في العام في ظل الإدارة السابقة إلى حوالي 1300 وحدة في السنة. لكن بعد فترة وجيزة من توقيع "اتفاقيات أوسلو"، أنفق "رابين" مليارات الشواقل على البنية التحتية للاستيطان الشامل في الضفة الغربية المحتلة.

وقد أصبح معبر رام الله وطريق الأنفاق والجسر الالتفافي للخليل طرقًا لعبور المستوطنين، لتأمين الوصول الآمن والسريع لهم إلى (إسرائيل) والموانئ الساحلية. وضمنت شبكة الطرق هذه، الكثير من الأمور مثل وجود الجيش وقوانين الدمج الدائم للمستوطنات غير الشرعية. وهذا هو السبب في أن ضم الضفة كان حقيقة على الأرض ولم يبقى سوى الإعلان الرسمي فقط.

ولم تكن تصرفات "رابين" استثناء. ففي السنوات الـ 27 منذ "أوسلو الأولى"، ارتفع عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى حوالي 5 ملايين مسجلين حاليًا لدى الأمم المتحدة، بينما تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة 4 مرات. وأفاد مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن عدد المستوطنين ارتفع من أكثر من 110 آلاف بقليل في عام 1993 إلى أكثر من 413 ألف في نهاية عام 2017. ولم تفشل محادثات السلام في إعاقة هذا التوسع فقط بل على العكس كانت تشجعه بنشاط. لقد أثبتت المحادثات أنها كارثة بالنسبة للفلسطينيين، وهو الأمر الذي يمثل مسيرة "عريقات" بأكملها.

تهديدات فارغة

ومع ذلك ليس واضحا إلى أي مدى أدرك "عريقات" نفسه أن هذا هو الحال في سنواته الأخيرة، لقد كان إحباطه من الجميع وكل ما حوله واضحًا عندما التقيته آخر مرة في مؤتمر في روما. ونادرًا ما أجاب على الأسئلة بشكل مباشر. بدلاً من ذلك، كان يأخذ كل سؤال كنقطة انطلاق لمحاضرة متواصلة حول كيفية تشكيل المجتمع الدولي لسلطة فلسطينية "بدون أي سلطة"، وكيف هي صعوبة العيش تحت الاحتلال.

لقد هدد بالانسحاب من التعاون الأمني ​​وهدد بالتقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن هذه كانت تهديدات فارغة في العادة وأوراق موضوعة على طاولة يمكن سحبها.

هل أدرك "عريقات" أن العديد من فرق المفاوضين الإسرائيليين الذين جلسوا مقابل الطاولة في مناسبات عديدة، وفي العديد من المدن، قاموا ببساطة بجمع التنازلات التي قدمها هو ورفاقه من المفاوضين الفلسطينيين؟ ولعل أكثرها شهرة، بحسب المذكرات الداخلية المسربة والمعروفة باسم "أوراق فلسطين"، كان عرض "عريقات" لـ(إسرائيل) بـ"أكبر أروشاليم في التاريخ". وقد فسرت (إسرائيل) العرض على أنه موافقة غير رسمية من القيادة الفلسطينية على الجدار الذي بدأت بالفعل ببنائه حول المدينة. ولم يحصل "عريقات" على شيء في المقابل.

وكانت هذه العملية كابوسًا متكررًا بالنسبة لـ"عريقات". فقد أصبح مشاركًا دائمًا في المحادثات التي لم تخدم أبدًا أي جهة غير (إسرائيل). وفي كل مرة تُستأنف فيها هذه اللعبة، كان "عريقات" يستأنف اللعب بيد أضعف. فما هي نتيجة عقود من التفاوض؟ سلطة فلسطينية مجوفة ومفلسة تعمل بشكل رئيسي على توفير الأمن للجولات الليلية للجنود الإسرائيليين؛ ومنظمة التحرير الفلسطينية منحلة؛ وبرلمان فلسطيني لا يجتمع وانتخابات لم تجر أبدا.

لذا، فإن عودة جيل آخر من "الآذان المتعاطفة" إلى واشنطن ليست مدعاة للاحتفال الجامح في رام الله أو غزة.  فلم يغير فريق "ترامب" الواقع على الأرض، لكنه دحض الأسطورة القائلة بأن جولات لا نهاية لها من المفاوضات ستؤدي إلى دولة فلسطينية.

ومع عودة "جو بايدن" إلى السلطة كرئيس، ستتم استعادة هذه الأسطورة بينما يواصل المستوطنون الإسرائيليون قطع أشجار الزيتون الفلسطينية، وتستمر المحاكم الإسرائيلية في تجريد الفلسطينيين من حقوقهم القانونية في أراضيهم. وسوف تهتز الرؤوس بالرفض في واشنطن ولندن وباريس وبرلين، لكن لن يتم فعل شيء. ستُلفظ كلمات كثيرة عن عدالة القضية الفلسطينية، مع العلم المسبق من المتحدثين أنها لن ترى النور أبداً.

تعليق محادثات المصالحة

سيؤدي فوز "بايدن" إلى تراجع آفاق الوحدة الفلسطينية، التي تعد المحرك الرئيسي للتغيير. فقد كان التأثير الإيجابي الوحيد للازدراء الذي تعامل به فريق "ترامب" مع القيادة الفلسطينية هو إجبار الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، على استئناف المحادثات مع "حماس" حول المصالحة وإجراء الانتخابات. وقد شجعت "حماس" المبادرة بل كانت مستعدة لمناقشة قائمة مشتركة لتشجيع مرشحي فتح وتقليل خوفهم من الناخبين الغاضبين.

كانت الإشارات الآتية من جولتين من المفاوضات في بيروت وإسطنبول مشجعة. وبغض النظر عن الفصيل الذي كان سيحقق أداءً أفضل، كانت الانتخابات ستوفر فرصة لتجديد وتنشيط القيادة الفلسطينية دون تدخل خارجي من (إسرائيل) أو أبوظبي أو واشنطن.

وبحسب مصادر فلسطينية مطلعة، فقد أرادت "حماس" إجراء 3 انتخابات - الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وأخرى للمجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية - في وقت واحد. وأصر "أبو مازن" على وجوب إجراء الانتخابات البرلمانية أولا. وقدأرادت "حماس" أيضًا بعض إشارات حسن النية من "فتح" تثبت جدية سعيها للشراكة، مثل استئناف المدفوعات لموظفي السلطة الفلسطينية في غزة. ولكن "أبو مازن" رفض تقديم هذا التأكيد.

ولكن وصول "بايدن" سيخفف الضغط على "أبو مازن" لاستئناف هذه المحادثات حيث سيحصل الرئيس الفلسطيني على كل ما سلبه "ترامب": المال والاعتراف الدبلوماسي. وبينما يحتفل الديموقراطيون في الولايات المتحدة بحقيقة أن كل صوت في انتخاباتهم قد احتسب، لن يتمتع الفلسطينيون بحق التصويت، وسيكون ذلك بناءً على الرغبة الصريحة للفصيل الفلسطيني الذي يعترف بـ(إسرائيل) والذي سيدعمه "بايدن".

وللأسف، يكره "أبو مازن" الفصائل الفلسطينية المتنافسة أكثر من كره (إسرائيل) للفصائل، وهذا سبب آخر يجعل الوضع الراهن معقدا للغاية بالنسبة للشعب الفلسطيني. لذلك فإن هذا الوضع كله لا يدفع قضية السلام إلى الأمام، ولا يؤدي في يوم من الأيام إلى إنهاء الصراع.

حضن (إسرائيل)

يستحق خطاب نائبة الرئيس المُنتخبة "كامالا هاريس" أمام "الإيباك" في عام 2017 إعادة المشاهدة. حيث يحتوي على كل الاستعارات والأساطير عن (إسرائيل) "التي تجعل الصحراء تزدهر" والتي تديم هذا الصراع، حيث تحدثت عن زيارتها لـ(إسرائيل)، وكيف كانت "غارقة في مشاهد وأصوات ورائحة القدس". ومع احتضانها لـ(إسرائيل) لن تقتنع "هاريس" بتجميد أو تفكيك المستوطنات، أو إلغاء الفصل العنصري. 

يمكن أن يبدأ "بايدن" من حيث توقف الرئيس السابق "باراك أوباما" فقد امتنعت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الثاني 2016 عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يطالب بإنهاء المستوطنات الإسرائيلية. وكان هذا آخر تصرفات "أوباما" كرئيس. يمكن أن يوضح "بايدن" لـ(إسرائيل) أن الولايات المتحدة تعتبر المستوطنات غير شرعية، لكن من غير المرجح أن يكون هناك شيئ عملي.

نعم، 4 سنوات أخرى من حكم "ترامب" كانت ستشكل كارثة على فلسطين، فالمزيد من الدول العربية كانت ستضطر بسبب أوضاعها إلى أخذ جزرات الرئيس العديدة مقابل الاعتراف (بإسرائيل). لكن الحقيقة المحزنة هي أن عودة الليبراليين إلى الإدارة ستؤدي المهمة أيضا لـ(إسرائيل). وستستمر (إسرائيل) في المضي قدما وهي تعلم أنها تتمتع بحصانة دولية على أفعالها.

مرة أخرى، الأمر متروك للفلسطينيين لتقرير مستقبلهم، والوقت الحالي هو الوقت الأهم.

وكالات - ديفيد هيرست/ ميدل إيست آي: