قالوا أحبَّ سواها
تاريخ النشر : 2020-03-23 19:29

محمد دويدار:

وردْتُ للنَّبعِ أُطْفي نار إظمائي
لا ناريَ انطفأتْ
أو كانَ إروائي
قلبي بهِ ظمأٌ يبتزُّني أرقاً
معْ كُلِّ تنهيدةٍ موتي وإحيائي
عَطْشَى البطونِ سُتُرْوى عندَ مشَربِها
أمَّا القلوبُ
فلا تُروى من الماءِ
قالوا أحبَّ سِواها
غادرتْ مضضاً
قَسَتْ ليشمتَ بي أهلي وأعدائي
فقلتُ للناسِ عذرٌ وهْيَ إنَّ لها
ألفٌ ولستُ الذي يجفُو لأخطاءِ
لي كبرياءٌ يطال الغيم ناطِحُهُ
ولي يدٌ بطشها أبلى من الداءِ
ذا كبريائي ركامٌ حين أبصرَها
وذا الرُّكامُ جسورٌ للأحبَّاءِ
وكُلُّ آهٍ شهيٌّ في الهوى معها
وكُلُّ فرحٍ بلاها جَلَّ إيذائي
قلبي الزُّجاجيُّ مكسورٌ برُمَّتهِ
أسامرُ النجمَ في أحضانِ عليائي
الذكرياتُ فراشاتٌ تحاصرُني
والشوقُ يأكلُ منْ روحي وأعضائي
والليلُ سرُّ الكَرى إلاَّيَ يفتكُ بي
وا لوعتي أينما تشتدُّ ظلمائي
تمرُّ شمسُ انكساري والغروبُ دمي
لا غيرَ مبْسَمِها حصَّادُ إرضائي
غابتْ سنيناً وجرْحي لمْ يزلْ رَطِباً
وكُحليَ الدَّمْعُ في صُبحي وإمسائي
قالوا أحِبَّ سواها لا سبيلَ لها
والشوكُ كالرَّملِ يُدْمي أيَّ مَشَّاءِ
أينَ المَلَذَّةُ في دربٍ مُعبَّدةٍ
للصَّبِّ يسلكُها صوْبَ الأحبَّاءِ
السندبادُ فتى الأمواجِ مركِبُهُ
خارتْ قُواهُ وذابتْ دونَ إرساءِ
لا برَّ لي لا ضفاف حيثُ أقصِدُها
مهما تقدَّمتُ عنْها رُمْتُ إرْجائي
كانتَ وحينَ يتِيهُ الخطوُ بوصلتي
وحين أغرقُ كانتْ شطَّ مينائي
دهراً تناسيتُ لمْ أنْسَ ارتجافَ يدي
يومَ افترقْنا وابْتلينا بإقْصاءِ
إنِّي أرى وجهَها في كلِّ فاتنةٍ
فلا أرى غيرَها حتَّى بإغفائي
يحْتلُّني وجْهُها حتَّى غدا وطني
لهُ ولائي
لهُ نفْسي وأسمائي
غامرتُ بالمتبقِّي منْ فُتاتِ غدي
لمَّا تجدَّدَ للطفلينِ إطرائي
حيثُ الكُرُونا خبيثٌ ما اكْترثْتُ لهُ
وما خشيتُ سوى شوقي لشقرائي
والناسُ في الحَجْرِ
تِطْوافي لمنزلِها فرْضٌ
وما صدَّني العدوى فإعيائي
للعاشقينَ طُقوسٌ ليسَ يفْهَمُها
إلاَّ الذي ذَلَّ في شرْعِ الأعِزَّاءِ
لو أنَّهمْ جمعوا العشاقَ ما وجدوا
حباً كحبي وإسراءً كإسرائي
قيسٌ وليلى
وذي عبلٌ وعنترةٌ
لو أدركوا ولهي خرُّوا بإغماءِ
كالجِنِّ هيهاتِ لي ظِلٌّ يُمثلني
وظلٍّيَ الحُرُّ مصلوبٌ بأهوائي
ظِلُّ الخلائق مِسْوَدٌّ كظَلْمَتِهم
وظِلُّها هيَ محفوفٌ بأضواءِ
أنَّى ليَ البوحُ والإرهاق غّصَّ فمي
وكمْ يفيضُ بنْجوى الرُّوح إيمائي
تمرُّ طيفاً طهوراً في مُخيَّلتي
ما مسَّهُ دَنَسٌ أو زَيْفُ حرباءِ
إن الحياةَ تغنِّي وهيَ راقصةٌ
تُهدي مفاتنها للحاذقِ الرائي
وإنَّ لي قَدَرٌ ما انْفكَّ يخدَعُني
في راحتَيْهِ سَرَّائي كضَرَّائي
قالوا أحبَّ سواها
قلتُ : لستُ لها أهلاً
كأني أداوي الداءَ بالداءِ
جسمُ المحبِّ سليمٌ لا اعتلالَ بهِ
والروحُ علَّتُها محبوبُها النائي
نُسقى بأدويةٍ عزَّ العلاجُ بها
حتى لمستمْ بنا عجزَ الأطبَّاءِ
قد ضجَّ نبضي
وقلتُ البدرُ مكتملٌ
كالحبِّ يحظى كمالاً بين أحشائي
سبحانَ من خلقَ الدنيا
وخصَّ بها كوناً
تقدَّسَ بينَ الحاءِ والباءِ
عجبتُ كيفَ تموتُ الناسُ جاحدةً
والقلبُ دونَ غرامٍ
شبهُ صحراءِ
****

السبت 21/3/2020