نظريات حول "التهدئة" في غزة
تاريخ النشر : 2020-01-02 23:37

دبي – عوني صادق:  

بعد اغتيال الشهيد بهاء أبو العطا، تجمد الحديث عن مباحثات ما يوصف حيناً ب«التسوية»، وحيناً بـ«الهدنة طويلة الأمد»، في غزة. قبل أيام عاد الحديث مجدداً، وذكرت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» أن الحكومة ستناقش «بنود التسوية الشاملة» التي توصلت إليها «الجهات المنخرطة في المباحثات»، وتحدثت عن «مؤشرات وأسباب» التقدم الذي أحرز في الموضوع. وجرت العادة أن يثور في أعقاب كل حرب واسعة تشن ضد القطاع، أو معركة محدودة، مثل هذا الحديث ودائماً لا يتمخض عن نتيجة نوعية أو ملموسة. وليس من حاجة للقول إن حاجة «إسرائيل» الماسة لهكذا «تسوية» أو «هدنة طويلة»، تقف وراء هذه العودة. فهل من جديد هذه المرة؟

دائماً كانت هناك نظريتان «إسرائيليتان» تتعلقان بالموقف من غزة. الأولى تعود للعسكريين الصهاينة، وتفيد بأنه «لا يوجد حل عسكري» لمشكلة غزة، والثانية تعود للسياسيين، وتقول إنه «لا توجد تسوية نهائية» للمشكلة! من هنا جاءت فكرة «الهدنة طويلة الأمد».

وقبل عدة أشهر، نشرت صحيفة (معاريف- 13/ 5 /2019) مقالاً بقلم حاييم مسغاف، خرج فيه، كمحصلة للنظريتين، بنظرية ثالثة، قال فيها: إن قطاع غزة كان دائماً «يشغل «إسرائيل»، مثل جرح ملتهب لا يوجد سبيل للشفاء منه. فمنذ الخمسينات خرجت منه، بين الحين والآخر، خلايا إرهابية كل هدفها ذبح اليهود»! وبعد أن يستعرض ما يعتبره أدلة على أقواله، ينتهي إلى القول، بما يشبه الرد على المطالبين بإعادة احتلال غزة: «لا معنى لاحتلال آخر لقطاع غزة، فهو غير قابل للسيطرة عليه، ودوماً سيطرت عليه عصابات الإرهاب، وهذا لن يتغير»! والحل كما يراه هو «يجب أن نتعلم كيف نعيش مع هذا الوضع. كما ينبغي أن نعرف أنه ليس لهذا المكان الشرير حل سياسي- استراتيجي»!

على هذه الخلفيات يعود الحديث عن «التهدئة»، مع معطيات ظرفية جديدة كل مرة، فما الجديد هذه المرة؟ لقد اعتبرت صحيفة (يديعوت أحرونوت- 27 / 12 /2019) إعلان تعليق مسيرات العودة لنهاية شهر مارس/آذار المقبل مؤشراً على أن (حماس) صارت مستعدة للتوصل إلى «تهدئة»، على أساس أن «جل اهتمامها هو تحسين ظروف حياة سكان القطاع»، وهو «ما ينسجم مع أقوال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي»، وتجاوباً مع «رغبة الطرفين بعدم التصعيد ودفع عملية التهدئة»، وحتى لا تفقد (حماس) ثقة السكان. أيضاً، تعاظم الخطر على «الجبهة الشمالية»، وظروف الانتخابات الثالثة، تلعب دوراً. لذلك، اعتبر المعلق العسكري في صحيفة «إسرائيل اليوم» أن إعلان تعليق المسيرات يمثل «خطوة دراماتيكية، وقراراً استراتيجياً» من جانب (حماس) و«فرصة لا يجب أن تضيع»!

لكن تقارير صحفية «إسرائيلية» أفادت بأنه لا تزال هناك عقبات في الطريق. فمن جهة، هناك خلاف بين الجيش و«الشاباك» فيما يخص مسألة منح تصاريح عمل للعمال الغزيين في الأراضي المحتلة، لما تنطوي عليه من مخاطر أمنية. كذلك، قالت الإذاعة «الإسرائيلية» إن (حماس) رفضت وقف العمليات في الضفة الغربية، ما أفاد بأنه ضمن المطروح أن تكون «التسوية» شاملة القطاع والضفة. وفي هذا الوقت، نفت (حماس) وجود أي مباحثات تتعلق ب«هدنة». وبينما اعتبرت الجهات الأمنية «الإسرائيلية» اغتيال الشهيد بهاء أبو العطا أزاح عقبة من طريق المباحثات، ووجه ضربة لحركة (الجهاد الإسلامي) تجعلها تهدأ بعض الوقت، صدر بيان عن اجتماع للمكتب السياسي للحركة في دورته الثانية شدد على رفض «التهدئة»، كما شدد على التمسك بالمقاومة المسلحة و«تحرير فلسطين كاملة غير منقوصة»، و«التصدي لمحاولات ترسيم وتشريع وجود المحتل على أرض فلسطين».

وهكذا يظل الحديث عن «التهدئة» و«الهدنة» و«التسوية» يظهر ويختفي، مراوحاً بين محاولات (حماس) تعزيز سيطرتها وكسر الحصار وإيجاد حلول لأزمات الحياة اليومية للقطاع، وبين توظيف الحكومات «الإسرائيلية» الوضع للإبقاء على الانقسام الفلسطيني ودفعه إلى أقصاه، أي إلى الانفصال، بينما يجري تنفيذ مخططات التهويد والاستيطان ووضع اليد على أراضي الضفة الغربية المحتلة!

عن الخليج الإماراتية:

 

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"