الإنتخابات ضرورة ولكن
تاريخ النشر : 2019-10-01 18:31

عمر حلمي الغول:

في مقالي السابق قبل يومين بعنوان "خطاب تتويج الجهد الديبلوماسي" لم اتعرض لما اشار له الرئيس عباس بشأن الإنتخابات البرلمانية، رغم انه موضوع هام وضروري للشعب العربي الفلسطيني، لإني أعتقد ان هذا الموضوع ليس منفصلا عن المصالحة بشكل عام، ومحددات أساسية فيها تتعلق بأكثر من عامل، منها اولا لا إمكانية لإجراء الإنتخابات دون القدس العالصمة ومحافظات الجنوب؛ ثانيا ضرورة تسليم الحكومة الشرعية مهامها للإعداد والإشراف على العملية الديمقراطية؛ ثالثا ضمان سير العملية الديمقراطية بيسر ودون تعقيدات أمنية، أو غيرها من العوامل السلبية، التي يمكن ان تؤثر على نزاهتها وشفافيتها. وما لم تتوفر الشروط الذاتية الملائمة للإنتخابات سيكون من الصعب إجراءها.

لكن بعض القوى السياسية تميل للتمسك بالقشور، وبالمسائل الشكلية، وتعمل من حيث تدري أو لا تدري على وضع العصي في دواليب العملية الإنتخابية، وتتحدث عن التفاصيل، مثلا هل الإنتخابات ستشمل كل المستويات الرئاسية والبرلمانية والمجلس الوطني، أم البرلمانية فقط؟ ولماذا يتم تجزئة الإنتخابات، ولا تكون رزمة واحدة؟ ولم تحاول تلك القوى الإمساك بجوهر المسألة، وتصر على إجراء الإنتخابات مقرونة بتكريس المصالحة الوطنية الشاملة.

لإنه لا قيمة للحديث عن الإنتخابات في ضوء إنسداد الأفق أمام ترتيب البيت الفلسطيني، وطي صفحة الإنقلاب الأسود على الشرعية الوطنية.

وإرتباطا بما تقدم، لم تثر تلك القوى أسئلة أكثر أساسية ومركزية، مثلا، هل حركة حماس مستعدة، ولديها الجاهزية الأكيدة من حيث المبدأ ان تجري الإنتخابات أم لا؟ وإذا كانت مستعدة للإنتخابات، لماذا ترفض تنفيذ الإتفاقات ( مايو / ايار 2011 وتشرين أول / إكتوبر 2017) المبرمة برعاية جمهورية مصر العربية؟ وإذا كان اسماعيل هنية، رئيس الحركة صادقا وموافق على الإنتخابات فليتفضل يفتح ابواب المصالحة، وينفذ الإتفاقات المبرمة؟ أم انه يريد ان يلقي بالكلام على عواهنه بالموافقة الشكلية، ليدفع ممثلي الفصائل الوطنية لتفتح النار على القيادة الشرعية وحركة فتح، ويبقى هو وحركة حماس يتفرجون، ويواصلون خيارهم الإنقلابي؟  ولماذا تساوقت معها بعض فصائل المنظمة من خلال عرض رؤية حركة الإنقلاب وكأنها رؤية للفصائل الثمانية؟ أليست المبادرة الفصائلية، هي ذاتها ورقة حركة حماس، التي قدمتها للأشقاء المصريين، ورفضت، لإنها شكل من اشكال المناورة، والهروب للإمام، ومحاولة خلط للأوراق؟ ولماذا لم تسأل فصائل العمل الوطني نفسها سؤالا هاما، أين هي من المصالحة الوطنية؟ وأين موقعها من الإعراب الوطني، هل باتت بوقا لحركة حماس، أم انها صاحبة رؤية برنامجية وطنية متميزة بعيدة كل البعد عن الخضوع والإبتزاز من قبل أي كان وخاصة حركة الإنقلاب الإخوانية المتناقضة مع المشروع الوطني، كما هو سجلها التاريخي؟ اين هي من مكانها الطبيعي والتاريخي؟ ولماذا تسقط في متاهة اللعبة الإخوانية، وتنسى مسؤولياتها الوطنية؟ وهل التساوق مع حركة حماس يخدم المشروع الوطني، أم العكس صحيح؟
من المؤكد أن الذهاب للإنتخابات بكل مستوياتها إن كانت متزامنة، أو متدرجة تخدم المصلحة الوطنية العامة. لكن لا يمكن، ولا يجوز لكائن من كان أن يتحدث عن الإنتخابات وكأنها مفصولة ، او معزولة عن المصالحة، أو بعيدا عن إجرائها في العاصمة الأبدية القدس الشرقية، وهذا ليس هروبا من إجراءها. لإن الطرف المتمسك بشكل راسخ ومؤكد، هو حركة فتح عموما وشخص الرئيس ابو مازن خصوصا. ومن يعود للخلف قليلا يستطيع أن يتذكر، ان الإنتخابات تمت في فلسطين ثلاث مرات 1996، و2005 و2006 وبقيادة حركة فتح وسلطتها الوطنية، والذي حال دون إجرائها حركة الإنقلاب الحمساوية، وليس احدا غيرها منذ عام 2007 بعد إنقلابها الأسود، لماذا لا تتذكروا تصريحات قادتها اصحاب مقولة "الحكومة الربانية"، والإنتخابات لمرة واحدة، الإنتخابات التي فازت بها عام 2006؟  لماذا تغطوا الشمس بالغربال؟

للأسف الشديد وقعت فصائل العمل الوطني في أخطاء، لم يكن عليها الوقوع بها. ومازالت اللحظة مناسبة لمراجعة نفسها. ولا تعني المراجعة التخلي عن المصالحة أو الإنتخابات، وإجراء إصلاحات شاملة في كل عناوين البيت الفلسطيني وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية.

ولكن إذا ارادت حركة حماس أن تكون شريكا في هذا البيت، عليها ان تتوطن فيه، وان تخلع ثوب الإخوان المسلمين، لإنه ثوب غريب وخطير ولا يتناسب مع الثوب الوطني، وهو لا يركب ولا ينسجم ولا يستقيم مع مصالح وحقوق وأهداف الشعب العربي الفلسطيني. هل تقبل حركة حماس بذلك؟.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"