أزمة العقل العربي وإشكالية التغير
تاريخ النشر : 2019-07-21 08:59

نضال خضرة:

لا تكمن المشكلة في تشخيص أزمة العقل العربي،ولا في نقد العقل العربي،إنما تكمن الأزمة الحقيقية  في فشل حركة التغير في نمطية تفكير العقل العربي  حيث أدت الي فشل جميع المكونات المجتمعية في حركة التغير، لاسيما المكونات السياسية التي نشأت بهدف التصيح،منها اليسارية والوطنية والإسلامية على حد سواء، كتب عدد من المفكرين في أزمة ونقد العقل العربي أبرزهم  محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي ومحمد شحرور، وهذه القضية التي تعتبر من أهم القضايا التي تشكل أعظم خطر إستراتجي علي مستقبل الأمن القومي العربي،تدفع كل مهتم وحريص أن يبحث عن أسباب فشل حركة التغير في آليات تفكير العقل العربي التي ساهمت في تأخير مشروع النهضة، وهذا يهدف إلي رفع الأصوات للتأثير والمساهمة في الدعوة لتصويب هذا الخلل الكبير.  

كما أنه ومن خلال البحث والمطالعة لأراء النخب المفكرة يتبين بما لا يدع مجالاً للشك
أن  تأخير مشروع النهضة يرجع لعدة أسباب أبرزها..
 
•الفشل في طرح سؤال المعرفة   
•الفشل في مواكبة التطور والارتداد الي الماضاوية
•ومحاربة أصحاب الفكر ودعاه طروحات النهضة
•الفشل في تعلم كيفية إنتاج المعرفة
•الفشل في معالجة الفشل في التغير  

عدم  توفر الإرادة لدي النظام السياسي العربي في تغير منظومة المفاهيم،بسبب تلاقي مصالح هذا النظام السياسي المتوارث وإنسجامه مع هذا الواقع الذي يضمن إستقرار
الحكم القبلي والسياسي بسبب الثقافة الاجتماعية والسياسية المتراكمة والمتوارثة منذ اكثر من 1000 عام، والتي بني عليها عادات وتراث وموروث ثقافي ساهم بتشكل العقل العربي إجتماعياً وسياسيا. لذلك لايمكن لهذا  النظام أن يصبح حراً وقوياً يستطيع
أن ينافس بشكل حقيقي في الصراع الأممي.

لطالما لم يناقش أسباب الفشل التي تتلخص في الموروث الثقافي الذي أنتج أزمة
الفشل في تعلم إنتاج المعرفة، رغم أن المجتمع العربي يمتلك كل المقومات التي تساعده على تعلم إنتاج المعرفة من حضارة وتاريخ ومال وثروات وموقع جيوسياسي مهم تعاقبت
عليه الحضارات الإنسانية والاديان السماوية منذ القدم.  

رغم هذه العوامل،  لم يستطيع العقل العربي الخروج  من أزماته بسبب السطوة السياسية والصراع علي السلطة والإستئثار بها، وحتي الأحزاب السياسية في الوطن العربي،اليسارية والوطنية وحركات الاسلام السياسي تعاني من نفس الأزمة ولكن بأشكال مختلفة.    
ولقد ظهر التطور المعرفي  في القرن السادس عشر عندما بدأت أوروبا في طرح سؤال المعرفة، علماً أن أول من طرح سؤال المعرفة فلاسفة الشرق وأبرزهم ابن خلدون وابن رشد،ولكنهم لم يستطيعوا إكمال طرح السؤال في الشرق العربي والإسلامي بسبب عدم قدرة  المجتمع العربي والإسلامي لتحمل تبعات سؤال المعرفة بسبب الموروث الثقافي الديني والإجتماعي المتجذر في العقل العربي.

استطاعت أوروبا النهوض معرفياً بفضل الإشارات التي تلقاها الفلاسفة الغربيين من فلاسفة الشرق حول تجديد سؤال المعرفة، إضافةً الي تحمل المجتمع الغربي لسؤال المعرفة وإمتلاك الإرادة في تصحيح مصادر المعرفة المتوارثة في الغرب، والتي كانت تعتمد على ارسطو وبطليموس والكنيسة.

واستمرت أوروبا في طرح  سؤال المعرفة من خلال الثورة المعرفية  التي قادها الفلاسفة الغربيين وأبرزهم ريني ريكارد وايمانويل كانط إلي أن وصلت القارة العجوز لإجابة على سؤال المعرفة في القرن التاسع عشر، وبدأت مباشرة في إنتاج المعرفة؛
مما ساهم ذلك في تأثر بعض الدول الناشئة وبعض الدول ذات الحضارة والتاريخ والأصول
في البحث عن تعلم كيفية إنتاج المعرفة وأبرز هذه الدول أمريكا والعرب واليابانيين والكوريين، وبدأت هذه الدول بإرسال البعثات العلمية لأوربا، لتتعلم كيفية إنتاج المعرفة، وإستطاع الأمريكان واليابانيين والكوريين تعلم إنتاج المعرفة،من الغرب،بإستثناء العرب الذين فشلوا
 فشلا ذريعا في تعلم إنتاج المعرفة علماً أنهم من الأوائل الذين  أرسلوا البعثات العلمية الي الغرب في عهد محمد على باشا.    

و سننتقل هنا رأي ناقد للعقل العربي ورأي تشخيصي لأزمة العقل العربي وأسباب فشله في تعلم إنتاج المعرفة الرأي الناقد ملخص للمفكر محمد عابد الجابري في تكوين
ونقد العقل العربي والرأي التشخيصي للمفكر محمد شحرور حول أسباب فشل العقل العربي في تعلم  أنتاج المعرفة.  

اما ملخص المفكر محمد عابد الجابري و الذي نقلا عن الكاتب ياسر مرزوق
في نقد وتكوين العقل العربي  حيث يقول الجابري ،، العقل هو القواعد الفكرية التي تحدد طريقة تفكير لكل شخص ينتمي إلى الثقافة العربية، إذن ليس هو التفكير نفسه ولكنه طرق التفكير وأسسه. ولتتبع تطور هذه الأسس والقواعد فإنه يحدد عصر التدوين كبداية للثقافة العربية المكتوبة وأيضاً كنهاية لأن الفكر العربي لم يتطور منذ تلك الفترة حتى الآن. وحتى يسهل تتبع أسس التفكير فإنه يقسم الثقافة العربية إلى ثلاثة أنواع: ثقافة بيانية وهي تهتم باللغة العربية والفقه وأصول الفقه وعلم الكلام، الثقافة الثانية هي ثقافة العرفان وتدعي هذه الثقافة أن المعرفة تأتي بالكشف والإلهام وهي تنتمي في أصلها إلى الموروث الهلنستي والغنوصي المنتشر قبل الإسلام والذي انتقل إلى الإسلام عن طريق الفلاسفة العرب أصحاب نظريات الفيض والعقول العشرة ومن ثم عن طريق المتصوفة، الثقافة الثالثة هي ثقافة البرهان وهذه الثقافة تعتمد على العقل بشكل أساسي لتحصيل المعرفة الصحيحة وهي نتيجة عن الموروث الإغريقي وخصوصا مؤلفات أفلاطون وأرسطو.

* الجزء الثاني: "بنية العقل العربي" أتى كدراسة تحليلية نقدية لنظام المعرفة في الثقافة العربية. يشرح مما تتكون كل ثقافة وماهي إشكاليتها ومآزقها، مستشهداً في كل ذلك بنصوص كثيرة من أمهات كل ثقافة، مما يفتح لك باباً واسعاً لمعرفة الثقافة العربية والاطلاع على أمهات الكتب فيها.

* الجزء الثالث: وهو" عن العقل السياسي العربي" وهو يتكلم عن نظم وأسس التفكير السياسي العربي عبر تاريخه، وقد أرجع كل الأسس إلى ثلاثة أسس في البداية: القبيلة والغنيمة والعقيدة، فالقبيلة هي أساس كل تفكير سياسي قبل الإسلام وعصر الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، تأتي بعد ذلك الغنيمة وهي الأموال التي يحصل عليها الفاتحون العرب من الجهاد
في سبيل الله وهذا الأساس لعب دوراً كبيراً في عصر الخلفاء الراشدين وبداية الدولة الأموية، لأن العرب لم يكن لهم مصدر مالي غير الغنيمة من الفتوحات. والمعنى المعاصر لهذا الأساس هو المال.

يأتي بعد ذلك الأساس الثالث هو العقيدة والمعني به هنا هو العقيدة الإسلامية والإسلام نفسه، وهو أساس متين في الفكر السياسي عبر العصور الإسلامية. كل هذه الأسس كانت واضحة وبدرجة كبيرة قبل سيطرة دولة بني أمية على دولة الإسلام أما بعدها فظهرت أسس جديدة في الفكر السياسي العربي وهي ميثولوجيا الإمامة والأخلاق السلطانية

* الجزء الأخير: "العقل الأخلاقي العربي" وهو دراسة فريدة من نوعها حول تاريخ الأخلاق وبنيتها وأسسها في الفكر العربي. يقسم الدكتور الجابري أسس وبنى الأخلاق في الثقافة العربية إلى خمسة أقسام: الموروث الفارسي المتمثل في أخلاق الطاعة والخنوع، الموروث اليوناني المتمثل في أخلاق السعادة، الموروث الصوفي المتمثل في أخلاق الفناء وفناء الأخلاق، الموروث العربي الخالص المتمثل في أخلاق المروءة، وأخيراً الموروث الإسلامي المتمثل في المصلحة.

يخطئ من يظن أن المعارف الواردة في الموسوعة قديمة تراثية مكررة، لأن الجابري لم يقدم التراث كأفكار للاجترار بل يقدمها في سبيل الوصول إلى المكونات الإيديولوجية والمعرفية للعقل العربي ويبرزها في تداخلاتها وتناقضاتها وصراعها، وحصر النظم المعرفية التي أسست الثقافة العربية الاسلامية، والتي كونت العقل العربي وشارك هو في تكوينها.

لقد حلل الجابري هذا العقل بنقد متطور فريد، فحص مكوناته وطرق عمله وعوائق تقدمه الداخلية التي لازالت تكبله وتصده عن التمرد على كيفية تكوينه.

اما المفكر محمد شحرور يقول،،
 إن سبب فشل العقل العربي في إنتاج المعرفة يعود لثلاث أسباب

الأزمة الأولي الترادف

بعد بعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم حكم المسلمون ما يقارب 1000 عام اوأكثر وكان أغلب من يمتلك المعارف في المجتمع العربي هم الفقهاء  ولأنهم افهومنا بأن اللغة العربية
لغة عظيمة لأنها أكثر لغة على الإطلاق غنية بالمترادفات فمثلاً الجمل له 50 إسم في اللغة العربية والسيف له عشرات الأسماء وظنوا أن هذا يكفي وظنوا أن اللغة لم تبلغ مرحلة التجريد،،وقالوا بأن الشعر لا يعيبه الترادف ولا يعيبه الكذب ولا يعيبه الخيال وقالوا لنا بأن الله نزل القرأن إعجاز في الغة لان اللغة العربية من أعظم اللغات وأن الله أنزل القرأن بهذا الإعجاز لأن العرب يمتلكوا أقوي لغة وأغني لغة في المترادافات، وبعد القرن التاسع عشر بدأت النهضة وبدأ العرب في محاولة في إنتاج المعرفة لكنهم صدموا في الموروث الذي أصبح يكون
العقل العربي وفشلوا في تعلم إنتاج المعرفة، لأن الثابت بأن العقل العلمي المعرفي لا يمكن أن يقبل الترادف ولأن العقل العربي عقل مترادف والعقل الترادفي عقل غير دقيق،،
وحقل المعرفة يتطلب العقل الدقيق لذا طوال هذه السنيين لم نفرق بين القرأن والذكر والحديث وأحسن الحديث ومن لا يفرق بين هذه الأشياء لا يمكن له أن ينتج معرفة ومن يقول بأن هناك بعض العلماء الذين انتجوا معرفة في عهد الدولة الاسلامية مثل إبن سينا والخرازمي هذا صحيح لكن هؤلاء العلماء لم يكن عندهم ترادف وهؤلاء العلماء لم يصيغوا العقل العربي لأن من صاغ العقل العربي هم رجال الدين من الفقهاء والشئ الوحيد الذي أنتجه الفقهاء وعلي رأسهم الأمام الشافعي إعتماد  القياس في نشاط العقل،،،والعقل القياسي يحتاج نسخة أصلية ليقيس  عليها  ومثال على ذلك نري المسلمين اخذو النسخة الأصلية في القياس عن الصحابة الذين لم يعيشوا زمنهم كما اليساريين والشوعيين أخذو النسخة الأصلية عن الإتحاد السوفيتي لذلك العقل القياسي عقل عاجز عن إنتاج المعرفة وحركة التطوير.

ثالثاً العقل الاتصالي الذي يهتم في المسموح والممنوع والحلال والحرام الموجود والغير موجود والحقيقي والوهمي العقل العربي عندما ظهر التلفزيون اول ما سأل هل هوا حرام أم حلال عندما ظهر التصوير سأل هل هو حرام ام حلال  عندما ظهر الهاتف سأل هل هو حرام ام حلال وعندما ظهرت ربطة العنق سأل هل هي حرام ام حلال،، ومن يريد أن يعلم من هوا الممنوع والمسموح والحلال والحرام قبل كل شئ  لا يمكن له ان ينتج معرفة ونلاحظ مثلاً في النظام العربي اول ما يكتب في أي معاملة، قائمة المسموح وليس ما هو ممنوع لأن العقل العربي مصقل في البحث عن المسموح علما أن الأصل أن كل شئ مسموح لطالما هذا العقل موجود بتلك النمطية،لا يمكن له أن ينتج معرفة.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"