الحالة الثقافية بحاجة لإنعاش.. والسلطة غير مهتمة
تاريخ النشر : 2019-07-16 09:59

غزة - " ريال ميديا ":

"الحالة الثقافية اليوم تحتاج إلى إعادة إنعاش من جديد، وسط حالة من تراجع الاهتمام من قبل المؤسسة الرسمية والجهات الداعمة للثقافة"، هكذا يشخص رئيس الاتحاد العام للمراكز الثقافية في فلسطين يسري درويش، الواقع الفلسطيني الثقافي بعد أن كان يشكل حاميًا للمشروع الوطني الفلسطيني، وحافظ على تماسك الشعب الفلسطيني كشعب وأرض وقضية واحدة.

وقال درويش في حوار خاص مع صحيفة "فلسطين": إن ما يجسد حالة التراجع الثقافي الفلسطيني هو ما تخصصه السلطة الفلسطينية من ميزانيتها العامة لدعم الثقافة والبالغ نسبتها 2% فقط، ما يعني أن السلطة لا تولي أهمية كبيرة للثقافة، في المقابل يتم تنمية قطاع الأمن على حساب قطاعات مختلفة.

وأشار إلى أن وزير الثقافة في حكومة اشتيه، عاطف أبو سيف، لم يجرِ أي تواصل مع الاتحاد العام والمراكز الثقافية بغزة خلال الشهرين الماضيين منذ تسلمه مهامه.

وأكد درويش أن الاحتلال الإسرائيلي تعمد استهداف المؤسسات الثقافية في غزة، لكونها استطاعت مجابهته من خلال المقاومة الثقافية، مضيفاً: "لم يكن الهدف من استهداف المباني الثقافية سوى ما تمثله من رسالة حقيقية جسدت واقع الدمار خلال الحروب الإسرائيلية على غزة من خلال الأعمال المسرحية المختلفة".

وأضاف: "لدينا بالعمق الثقافي رواية حقيقية أننا لا نقاتل اليهود كيهود بل نقاتل الاحتلال، نقاتل من يحتل أرضنا بثقافتنا الفلسطينية التي تعزز الإنسانية القائمة على استرداد الحقوق".

ولفت درويش إلى أن اغتيال الشهيد الأديب غسان كنفاني لم يكن لنشاطه السياسي بل لما شكله من بارقة مقاومة بإنتاجه الأدبي، قائلاً: "استطعنا في تلك الفترة جعل الكلمة تساوي الرصاصة، اليوم مع عدم الاهتمام الرسمي بالثقافة طغى الجانب السياسي أكثر وأصبح هناك تراجع بالعمل الثقافي".

حاوره /يحيى اليعقوبي:

وفيما يأتي نص الحوار:

كيف تقيم واقع الحالة الثقافية الفلسطينية اليوم؟

شكلت الحالة الثقافية حامياً للمشروع الوطني الفلسطيني وحافظت على تماسك الشعب الفلسطيني ضمن شعب واحد وأرض وقضية واحدة، عززت الثقافة هذه المفاهيم من خلال أدب المقاومة والأعمال الفنية التي جسدت شكل المقاومة الفلسطينية من خلال أعمال الكفاح والنضال الفلسطيني على مر العصور.

الواقع الفلسطيني اليوم في ظل ضغوطات كبيرة تعيشها الحياة السياسية العامة، في مصادرة الأراضي بالضفة الغربية وتغول الاستيطان وزيادته بشكل كبير وحصار مفروض على غزة، خلق تراجعًا بالاهتمام من قبل السياسة الرسمية الفلسطينية والجهات الداعمة والممولة، فالحالة الثقافية اليوم تحتاج إلى إعادة إنعاش من جديد وتضافر كل الجهود.

كيف تقيم تأثير الحصار والانقسام في إضعاف الحالة الثقافية في فلسطين؟

الانقسام كان عاملًا إضافيًّا في ضعف الحالة الثقافية، والحصار عزل قطاع غزة عن محيطه، فلولا أن الثقافة ثقافة وطنية واحدة وأن الشعب الفلسطيني معرف بأنه شعب واحد، لكان الحصار المفروض على غزة أبعدها عن عمقها الفلسطيني والوطني.

أثر الحصار في عدم إنشاء بنية تحتية ثقافية في غزة، فضلاً عن الاستهداف المباشر للاحتلال لمراكز ثقافية كان من ضمنها مسرح الهلال الأحمر عام 2008، تبع ذلك العديد من المؤسسات التي جرى استهدافها وقصفها في غزة كان من ضمنها مجمع الكرامة للثقافة والفنون برفح، وجمعية التغريد للثقافة والإبداع شمال غزة، والعديد من المؤسسات الثقافية، كقرية الفنون والحرف بغزة، والمكتبة الوطنية، ومركز سعيد المسحال الذي كان يضم في جنباته العديد من المؤسسات الثقافية والفنية ولديه غزارة بالإنتاج الفني والغنائي في العروض المسرحية والغنائية والتراثية.

ما مدى التعاون والعلاقة بين وزارة الثقافة والمراكز الثقافية؟

 الملاحظ خلال الشهرين الماضيين أن هناك تراجعًا في التواصل من وزارة الثقافة برام الله مع الاتحاد العام للمراكز الثقافية باعتباره المظلة الأهلية للعمل الثقافي في الضفة وغزة ويضم في عضويته مختلف المؤسسات الثقافية، وما زالت العلاقة مع الوزارة بغزة متواصلة.

بدأنا نشك في مدى جدية وزير الثقافة برام الله عاطف أبو سيف للتواصل مع المؤسسات الثقافية بغزة، فلم يحدث أن جرى تواصل من الوزير مع الاتحاد خلال الشهرين الماضيين مع المؤسسات الثقافية بغزة منذ تسلمه مهامه، في خلاف الوزراء السابقين كإيهاب بسيسو الذي كان لديه تواصل مباشر واحتكاك يومي، وأخشى أن يكون هذا جزءًا من عقلية وزير الثقافة الذي لا يسعى لتعزيز الوحدة، ويشعر أن غزة خارج الوحدة.

 يثار الحديث عن إمكانية دمج الثقافة مع أي وزارة أخرى.. هل تؤيد ذلك؟

وزارة الثقافة من المكونات الرئيسة للحكومة وهيكلها، كانت امتدادًا لدائرة الثقافة بمنظمة التحرير، فالإبقاء على الوزارة كجسم مستقل ضمن الوزارات واجب رئيس، كل الأطراف مطالبة بالإبقاء والمحافظة عليه، وأي تغيير في هذا التعريف والمسمى إذا تم إلحاقها في أي وزارة هذا يعني أن من قام بذلك لا يرعى الثقافة بل يحاربها، ولا يهتم بها ولا بالمثقفين من الشباب.

نلمس ونلاحظ اهتمامًا كبيرًا من قبل قيادة السلطة بقطاع الأمن يعكسه حجم الموازنة المخصصة لهذا القطاع والمقدرة بنحو 28% فاقت -بحسب المعطيات- ميزانيات ثلاث وزارات مجتمعة (التعليم، والصحة، والزراعة)، فما حجم الاهتمام الرسمي بقطاع الثقافة؟

القطاع الأبرز للسلطة منذ تأسيسها "الأمن" والذي يأخذ النصيب الأكبر من الميزانية، الثقافة كانت أقل من 0.5%، اليوم وصلت الثقافة بالموازنة العامة إلى 2%، وهذا يعتبر منخفضا أيضاً ويعني أن السلطة العامة لا تولي أهمية كبيرة للقطاعات المختلفة، فيتم تنمية قطاع الأمن على حساب هذه القطاعات، وعلى السلطة أن تعيد ترتيباتها بالموازنة العامة والاهتمام بالقطاعات الثقافية.

في صراع الرواية مع الاحتلال ما أهمية الثقافة وما هو دورها الحالي؟

بالأساس القضية الفلسطينية قضية حقوقية رغم طغيان ما هو سياسي على ما هو ثقافي، اليوم نحن مطالبون بعودة الأمور لأصلها الطبيعي الذي يقول: إن الصراع مع الاحتلال يتعلق بالثقافة وجذورنا بأننا أصحاب الأرض، وأن الفلسطينيين لديهم الرواية الرئيسة بأن هذه الأرض فلسطينية خالصة، وأن الفلسطينيين هم الذين مارسوا حياتهم عليها وهم الذين عايشوا الحياة الطبيعية والعامة، ولكن أتى عليهم آخرون محتلون هم الاحتلال الإسرائيلي الذي شردهم وهجر الفلسطينيين من ديارهم الأصلية إلى بقاع الأرض.

لدينا بالعمق الثقافي رواية حقيقية أننا لا نقاتل اليهود كيهود بل نقاتل الاحتلال، نقاتل من يحتل أرضنا بثقافتنا الفلسطينية التي تعزز الإنسانية القائمة على الحقوق التي تقول إن من يذهب لاستهداف حقي يجب أن أقاومه بكل الأشكال.

في ذكرى اغتيال الشهيد غسان كنفاني السابعة والأربعين.. ما شكل العلاقة بين رجل السياسة والثقافة؟

الرحمة لروح الشهيد كنفاني الذي تعرض للاغتيال بعبوة متفجرة زرعت في سيارته، والاستهداف ليس استهدافا لنشاطه السياسي بل استهداف لأدب المقاومة بعد أن شكل كنفاني بارقة أمل من خلال إنتاجه لأدب المقاومة، فلم يكن كاتبا للرواية فقط، بل كان رساما ورئيس تحرير مجلة الهدف، إضافة لكل الشعراء كمحمود درويش والكتّاب الذين شكلوا تعبئة حقيقية وزرعوا الفكر النضالي الوطني والكفاحي لدى أبناء الشعب الفلسطيني.

استطعنا في تلك الفترة جعل الكلمة تساوي الرصاصة، ولكن اليوم مع عدم الاهتمام الرسمي بالثقافة طغى الجانب السياسي أكثر وأصبح هناك تراجع في العمل الثقافي، لذا نسعى لإعادة الاعتبار للكلمة لتكمل مشوار المقاومة.

لكونك عضوًا في الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار؛ ما تأثير المسيرات في بعدها الثقافي في إحياء الثقافة محليًّا ودوليًّا؟

منذ انطلاق الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار تشكلت لجنة الثقافة والفنون والتراث ولاحظ كل أبناء شعبنا أن هذا البرنامج كان حاضرا في كل فقرات وأنشطة المسيرات، فجلب جمهورا عريضا خلق حالة شعورية لدى المواطنين بأنهم يستطيعون إيجاد الغناء الفلسطيني المعبأ بالثورة الفلسطينية، كذلك الأعمال الثقافية التي تعكس تجذرنا بالأرض من خلال الرسومات والعروض المسرحية والكثير من الأنشطة.

أخيرًا ما الدور الذي لعبته الثقافة في مقاومة الاحتلال؟

الثقافة هي الجذر الحقيقي للمقاومة والسد المنيع لها، الثقافة عندما تتجذر لدينا كفلسطينيين ستكون الحصن الأخير للمقاومة.