كنفانى: الرفض الفلسطينى عن بعد لـ"المبادرة الأمريكية" سيخلق مشكلات مع الدول العربية...
تاريخ النشر : 2019-06-16 12:11

القاهرة - " ريال ميديا ":

يزداد الحديث يوما بعد يوم عن المبادرة الأمريكية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أو ما يطلق عليها «صفقة القرن» حتى اقتربت مراحل الحسم منها، سواء بالفشل، أو بالمفاوضات حولها، وحتى اللحظة لا تزال التسريبات حولها تملأ الدنيا وتشغل الناس.

المحيّر فى الأمر أن هذه المبادرة، عكس كل ما سبق من مبادرات وأطروحات لحل القضية الفلسطينية، لم يُعرض لها نص، أو تُطرح لها بنود، حتي، بالقبول أو الرفض يدور النقاش والحوار حولها، إذن، فماذا يحمل المستقبل لهذه المبادرة؟

المفكر والسياسى الفلسطينى مروان كنفاني، حذر القيادات الفلسطينية من الرفض عن بُعد، وأن الأفضل لفلسطين أن تطلب نصوص المبادرة، ثم ترفض أو تناقش ما فيها، خاصة أن سياسة الابتعاد والرفض أصبحت سياسة قديمة ولا تصلح الآن.

وأكد فى حواره مع «الأهرام» أن على القيادات الفلسطينية أن تدرك أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية الأولى للعرب، وأن السياسات العالمية الآن تعيش تضاربا ملحوظا، وعلى الفلسطينيين ألا يخسروا دعم الدول العربية والعالمية للقضية، رغم أن ما سمعناه عن المبادرة لا تقبله الدول العربية أو أى فصيل فلسطيني، وعلى الرئيس الفلسطينى أبومازن أن يطلب من الولايات المتحدة نصوص المبادرة قبل أن يستبق بالرفض.. وإلى نص الحوار:

لماذا أطلقت جملة «الخيارات الفلسطينية الأخيرة» فى مقالتك عن المبادرة الأمريكية للسلام؟

السبب الأساسى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدمت بأفكار ومبادرة تسببت فى إشكال كبير فى المنطقة والعالم، لا يمكن أن يتم الحديث عنها دون أن نشرح تطرف الرئيس الأمريكى ضد الشرعية الدولية، وضد مواقف الولايات المتحدة نفسها منذ عام 1948 حتى الآن، فكل الرؤساء السابقين كانوا يقدمون أفكارا للحل، وكان الاتجاه السائد هو الحل على أساس دولتين، وكانت الرغبة أن يتم هذا الحل سلميا، لكن الرئيس ترامب جاء وقدم مبادرة بطريقة مسرحية، لم نعرف عنها الكثير، لكن ما تسرب منها أو سمعناه عنها، لا يمكن تحسينه، ولا يمكن قبوله فى المبدأ ولا فى الأهداف، ولا حتى الصياغة، ويجب أن نسقط هذا الموضوع خاصة وأن دول العالم تقريبا -عدا دول معدودة - تؤيد كلها الموقف الفلسطينى وضرورة تطبيق الشرعية الدولية.

ماذا تقصد بقولك لا يمكن قبوله ويجب إسقاطه؟

الموقف الأمريكى بعد أن يقدم رسميا لنا، ويجب أن تسقط هذه المبادرة إذا كان ما سمعناه حقيقة، فلا يمكن أن يقبلها أى إنسان، وهذا من حيث المبدأ، أما من حيث السياسة، فإن الوضع الفلسطينى والأزمة الفلسطينية موجودة قبل أن يطرح ترامب وإدارته هذه المبادرة، بسبب الانفصال بين الضفة الغربية وغزة، وهو ما سيؤثر أيضا على ما تدعيه المبادرة الأمريكية، فلمن ستقدم المبادرة للجانب الفلسطيني؟ هل ستكون للرئيس عباس أم ستقدم أيضا لحماس؟ ففى فلسطين الآن دولتان، الضفة وغزة، والإخوان فى حماس يبنون دولة جديدة مختلفة ومنفصلة عن الضفة الغربية، وبالتالى هناك طريقتان لإسقاط هذه المبادرة إذا كانت بالسوء الذى سمعناه: الأولى وهى الأسهل ما تفعله القيادة الفلسطينية الآن، برفضها الحديث تماما مع أمريكا حول هذا الموضوع، أما الطريقة الثانية فهى أن تتم مشاركة فلسطينية فى الورشة الاقتصادية المزمع عقدها فى الخامس والعشرين والسادس والعشرين من هذا الشهر فى المنامة، وأن يتم رفض ما لا نراه لمصلحة شعبنا، وهو الرفض من الداخل، الرئيس عباس أبو مازن لديه من الشجاعة أن يقول فى رام الله أنه يرفض، وأن يقول أيضا هذا الكلام فى المنامة.

وما هى الطريقة التى تؤيدها مما سبق؟

سياسة الابتعاد والرفض أصبحت سياسة قديمة ولا تصلح الآن أن تكون سياستنا، لأن هذا الرفض بهذه الطريقة سيوجد أمرين: الأول: أن دول العالم التى تؤيدنا لا تستطيع أن تقوم مقامنا فى مثل هذه الأمور، ولكن تستطيع أن تدعم الوجود الفلسطينى فى أى اتفاق، رفضا أو قبولا، والأمر الثاني: أن عدم المشاركة المستقلة العاقلة قد يُحدث مشكلات بيننا وبين هذه الدول الأكثر تحالفا معنا وهى الدول العربية، خاصة فى ظل مناداة الإعلام الفلسطينى الدول العربية بعدم الذهاب إلى ورشة البحرين، فالإعلام والسياسيون فى فلسطين يطالبون الدول العربية المشاركة بالانسحاب، على حين أن هذه الدول لديها سياسات وعلاقات وضرورات، فماذا لو لم تنسحب، هل نعيد الأزمات معها مرة أخرى كما حدث فى السابق، ولذلك كله، أنا لست مع فكرة الرفض عن بعد، أنا أخشى وأحذر من أن يذهب العرب إلى البحرين ولا تذهب فلسطين.

إذن، أنت تطالب الرئيس عباس بالمشاركة؟

أنا أطالب أولا بأن ننتظر حتى نعرف تفاصيل المضمون الرسمى لما يُقال إنها صفقة القرن، أو المبادرة الأمريكية، ثانيا: أن نتفق مع الدول التى تدعمنا العربية والأجنبية على الطريقة التى يتم التعامل معها مع هذه المبادرة، ثالثا: أن نطلب من الدول العربية وخاصة البحرين تأجيل هذه الورشة، حتى تأتى المبادرة الأمريكية واضحة ورسمية، وحينها يتبين لنا ما نستطيع قبوله، أو يكون كما قيل فى التسريبات فيكون لا فائدة من الذهاب إلى المؤتمر الاقتصادى بينما نحن خسرنا المؤتمر السياسي، لذلك كله فأنا أقول إنه يجب أن نخرج من هذه القوقعة التى وضعنا أنفسنا فيها، نحن ندافع عن الشعب الفلسطينى فى أى مكان، لذا أنا أحذر من الرفض عن بعد، لأن ذلك سيضعنا فى مواقع لا نريد أن نكون فيها.

هناك الكثير من الكتابات تحكم على هذه المبادرة بالفشل، فهل تعتقد أنه قد يحدث ذلك؟

دعنا نتعلم من التاريخ، ولعلك تذكر نهاية القرن الماضي، حين كانت الولايات المتحدة تتحدث عن تغيير بالمنطقة، وكنا نهاجم كل ما يقال فى هذا الشأن، فماذا تم؟ حدث التغيير كما أرادت الولايات المتحدة، والآن، هناك تضارب فى السياسات العالمية، فالكل لديه مصالح، ودعنى أقل مصالح، وليست أطماعا، الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وتركيا، وروسيا، أما فلسطين فأضعف اللاعبين، وبرغم ذلك نحن منقسمون، وهذه المصالح يجب أن نتعامل معها، فيجب أن نعرف أن أسطورة أن فلسطين هى قضية الأمة العربية والإسلامية، قد سقطت، وأصبحت مقولة غير عملية، فما يحدث فى سوريا وليبيا والعراق، جعل القضية الفلسطينية ليست القضية الأولى للعرب، فلا نستطيع أن ندعى أنها القضية الأولى فى الدول العربية، ويجب أن يضع الفلسطينيون ذلك فى الاعتبار، مع ذلك فالفلسطينيون لا تزال لديهم مراكز قوي، أولها صمودهم خلال سنوات الاحتلال، ومنها الدول العربية التى وقفت معنا منذ عام 1948، وهناك الدول الأوروبية التى تقول إن الحل على أساس الدولتين هو الحل الصحيح، هذه مراكز القوي، فإذا نحن تخلينا عن هذه القوي، سواء بحسن نية أو غيرها، واصطدمنا مع هذه القوي، من خلال تعبيرات يتم إطلاقها تحمل ألفاظ الخيانة وغيرها، فسنخسر هذه القوى الداعمة لنا.

لم تجرؤ إدارة أمريكية سابقة على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان لإسرائيل، فهل ما سبق هو مقدمة لأن يتم فرض المبادرة على الفلسطينيين؟

لا أعتقد أن أى دولة عربية، أو فصيل فلسطينى يقبل بما سمعناه عن هذه المبادرة، فمن وجهة نظرى أن أحد أسباب طرح المبادرة من الجانب الأمريكى هو التخوف من التمدد الإيرانى والتركى والروسي، فروسيا تتخذ الكثير من المواقع لها فى البحر المتوسط من أجل تثبيت قوتها، وكذلك إيران وتركيا، فالاقتصاد هو اللاعب الأساسى فى هذا التمدد.

على ذكر الاقتصاد، ورشة البحرين هى بالأساس اقتصادية، ألا ترى أنها تمثل حلا، خاصة فى ظل أزمة الاقتصاد الفلسطينى المتأزم بشدة؟

هذا تبرير مرفوض، فلا يصح أن يكون نقبل بـ «خلينا ناكل ونشرب ويعلوا استثمارات وياخدوا بلادنا»، هذا غير مقبول، فلا يقبله أى مسئول أو مواطن فلسطينى فى غزة أو الضفة، المطلوب فقط هو إعطاء الفلسطينيين حقهم فى بلادهم، الفلسطينيون فى اتفاق أوسلو، برغم أنه كان اتفاقا غير عادل، لكنه كان خطوة لتثبيت وجود الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن يكون هناك أى حل اقتصادى لموضوع سياسي، فالموضوع ليس انتخابات، بل موضوع وجود.

إذن، متى يكون الحل الاقتصادى مقبولا؟

حين تتفق حماس وفتح، لا علاقة لإسرائيل بذلك، فالدول العربية ليست رافضة أو عاجزة عن مساعدة الفلسطينيين، لكنه الانقسام الفلسطينى الفلسطينى هو السبب، فنحن منذ عام 1948 نعتمد على الدول العربية فى كل شيء، العمل والتعليم، ولم تتخل الدول العربية عن ذلك.

ولكن الخلاف بين فتح وحماس، برغم مرور اثنى عشر عاما، والكثير من الاتفاقات، لم ينته حتى الآن، فهل من أمل فى إنهائه؟

لم تنجح أى اتفاقات للمصالحة، ولن تنجح فى المستقبل، ولن ينتهى الخلاف بينهما أبدا، فالانقسام الفلسطينى هو من عمل الفلسطينيين، وفتح وحماس لا يريد أى منهما المصالحة.

هل تتوقع حدوث توترات أو انتفاضة جديدة حال إقرار هذه المبادرة؟

لقد خرج الفلسطينيون معترضين على ذلك بالفعل، لكن ليس من مصلحتنا أن نصطدم مع أى دولة أو كيان سوى إسرائيل، لأنها تحتل أرضنا، فالدول العربية ودول العالم تدعمنا وتقف معنا، والكثير منهم عبروا عن ذلك بأنهم لن يقبلوا شيئا لا يريده الفلسطينيون، أنا أعتقد أن الإسرائيليين يرفضون الحديث عنها انتظارا لرفضنا نحن ذلك، ففى رأيى أنهم أكثر حكمة منا، لأنهم طالبوا بتفاصيل المبادرة.

لم يتفق الفلسطينيون، خاصة فتح وحماس، على أمر خلال السنوات الماضية قدر اتفاقهم على رفض المفاوضات حول ما طرحته الإدارة الأمريكية؟ ما السبب برأيك؟

موضوع الرفض بالنسبة لحماس وارد، فحماس ظلت رافضة لاتفاق أوسلو، وفى عام 2017، تغير موقفهم، وبدأوا الحديث عن حدود 1967، على عكس فتح فمنذ الرئيس عرفات وحتى أبومازن تنظر إلى الأمور نظرة مختلفة وتبحث عن الأمور المفيدة فيقتنع بها ويرفض ما غير ذلك، وسؤالى هنا: ما المانع فى أن نتحدث مع الولايات المتحدة أننا سنذهب إلى اجتماع معها والاطلاع على المبادرة، وهناك يتم الرفض، ويجب ألا نخاف فى ساحة المعركة التى يخوضها شعبنا، فنقبل ما يفيدنا ونرفض ما لا يفيدنا، فالحكمة هنا ليست فى غرض قبول أو رفض المبادرة، الحكمة هنا فى الالتئام والاتحاد العربي.

ولكن ألا ترى أن الكثير يبادر بالرفض خوفا من التخوين؟

هذه سمة تلازمنا منذ عام 1948، بل هى موجودة فى إسرائيل أيضا.

هل من الممكن أن يشكل الجزء الاقتصادى ضغطا شعبيا على القيادات الفلسطينية؟

لا القيادات ولا الشعب الفلسطينى يريدون الاستبدال بالمشروعات الاقتصادية والاستثمارية بالوطن والسيادة الفلسطينية ، فحين دخلنا مفاوضات أوسلو كنا نعلم أن هناك سلبيات، ولكننا كنا نعلم أن الوقت قد حان لإبراز القضية الفلسطينية.

ما الذى تتوقعه خلال الستة أشهر القادمة؟

المزيد من المشكلات داخليا وخارجيا، وستكون شهورا صعبة.

أخيرا، ما الذى تتوقعه للمبادرة الأمريكية ؟

إن أخطر ما يمكن أن يحدث فى حال فشل المبادرة، هو العودة للوضع الراهن الذى يغلف ويضر القضية الفلسطينية منذ أعوام طويلة، والأخطر هو إتاحة الفرصة لإسرائيل بتنفيذ جميع ما ورد فى المبادرة من غير أن تكون هناك مبادرة.