ليس سلاما اقتصاديا.. وليسوا "بروليتاريا رثة"
تاريخ النشر : 2019-06-11 15:21

د.أحمد جميل عزم:

يتضح يوميا أنّ فريق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للملف الإسرائيلي- الفلسطيني، يختصر طروحاته بتسهيل الاعتراف بالأمر الواقع الإسرائيلي، والحصول على قبول أميركي عالمي وعربي سياسي وقانوني بالاحتلال، مقابل ما بات يعرف بشكل متزايد باسم “تحسين حياة” الفلسطينيين، ولكن الحقيقة أن لفظ (التحسين) مُجرد تعبير عن نوع من التبعية الاقتصادية وتحويل الفلسطينيين لما يعرفه الماركسيون باسم البروليتاريا الرثة (Lumpenproletariat)، وتحديدا، من زاوية تبرير العبودية، والاستكانة، بأنّها “مصالح”، و”حياة أفضل”، و”أفضل من لا شيء”. وليس المقصود السماح حتى لرجال أعمال ورأسماليين فلسطينيين، ومستثمرين عرب وغير عرب بالاستثمار في فلسطين، فهؤلاء يُحارَبون بقسوة. فقط من يستعد أن يكون جزءا من السوق الإسرائيلي، بل والجزء التابع والوظيفي المستكين هو من يُرحب به.

في آخر “اعترافات” فريق “السلام الاقتصادي” الأميركي، بشأن طبيعة الأفكار المطروحة، قال ديفيد فريدمان، السفير الصهيوني الأميركي لدى إسرائيل، قال في مقابلة مع “نيويورك تايمز”، وبحسب كلمات الصحيفة أنّ “خطة سلام ترامب التي طال انتظارها تهدف إلى تحسين ظروف حياة الفلسطينيين، ولكن من غير المحتمل أن تؤدي إلى “حل دائم للصراع”. وهذه الفكرة عبر عنها شركاء فريدمان في إدارة ترامب، جاريد كوشنير، وجيسون غرينبلات، أي “تحسين ظروف الحياة” مقابل تأجيل وتهميش السياسية والحقوق الوطنية.

لعل أحد الأمثلة العملية التي تكشف زيف فكرة “السلام الاقتصادي”، وحالة التدمير اليومي للمنشآت الصناعية والزراعية الفلسطينية، ومنع المستثمرين، وخصوصا المستثمرين الفلسطينيين، من الدخول من الخارج، حادثة ذات دلالة، هي قصة مصنع بيسان لمكيفات الهواء، الذي تأسس منتصف العام 2017، في محافظة طولكرم، شمال الضفة الغربية، من قبل شركة “ريتش” القابضة، الفلسطينية، التي يريد مستثمروها، وعلى رأسهم رجل الأعمال مالك ملحم الاستثمار في بناء اقتصاد وطني فلسطيني. وبينما كانت الأنباء والمؤشرات إيجابية، من حيث استقبال السوق مُكيّف بيسان، وانتشار شبكة توزيعه، بعد أشهر قليلة، (بعد نحو ستة شهور من بدء عمل المصنع) قرر الاحتلال، دون مسوغ أو تبرير اقتحام المصنع، وأخذ “معدات وخوادم” تعطّل عملية الانتاج، وفي خطوة بالغة الدلالة، حرص الجنود على إنزال العلم الفلسطيني، عن مبنى المصنع. ولا يحصل مالكو ومدراء ريتش، من فلسطينيي الشتات، بمن فيهم ملحم والذين افتتحوا مشاريع صناعية، وتجارية، وسياحية، وإعلامية عدة من الحصول على “هوية فلسطينية” وحق الإقامة، بل حتى من مجرد دخول فلسطين، وتتم إعادتهم باستمرار عن المعابر. وهناك مئات وآلاف المستثمرين الفلسطينيين المستعدين للعودة والاستثمار في فلسطين إذا سُمح لهم، ولكن لن يكونوا ذراعا للمستوطن الإسرائيلي. لو كان مصنع “بيسان” وكيلا للاحتلال وصناعته، أو يستخدم بضائعه لتم الترحيب به وتصويره على أنّه من “ثمرات السلام”.

دُمّرت زراعة الورد في غزة، بإغلاق الحدود، وتراجعت أعداد الغرف الفندقية في الجزء الشرقي من القدس، ومنعت السياحة العربية المسلمة والمسيحية. يُسمح للمستوطن كميات بلا حدود من المياه ليؤسس مستوطنات زراعية، ولا يسمح للفلسطيني بجانبه بزراعة أرضه أو أن يحصل على مياه لأجل ذلك، ويصبح الحل أمامه أن يعمل في مزرعة المستوطن.

لا يحتاج الفلسطينيون، لورش عمل في البحرين، أو مؤتمرات مانحين، بل يحتاجون فقط لحريتهم، فلديهم قدرات ومقومات استثمار كافية لتطوير اقتصادهم بشكل مستقل.

ما يطرحه الأميركيون هو تشغيل الفلسطينيين، وفي مقدمتهم خريجو الجامعات، فضلا عن العُمّال في قطاعات البناء والصناعة والحِرف لدى مشغلين إسرائيليين، حتى وإنْ صادر هؤلاء المشغلون ممتلكات هذا العامل وعائلته أو استولوا عليها.

سيكون الرأسمالي الفلسطيني مرحبا به طالما آمن أنّ السلام يأتي من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، أو بالتنسيق معه والعمل تحت ظله، ومع مهادنته، وسيحارب الفلسطيني، المزارع والرأسمالي، إذا فكّر أن يبني اقتصادا حقيقيا وتنمويا فلسطينيا.

المطلوب فلسطيني يستسلم لفكرة أنّ أقصى ما يستطيع أن يحصل عليه من وطنه وأرضه وممتلكات عائلته وشعبه أن يكون موظفا أو عاملا وفي أحسن الأحوال وكيلا ومقاولا من الباطن لدى الاحتلال ومستوطنيه وشركاته، ومطلوب من هذا الفلسطيني أن يدافع عن هذا الشكل من “السلام”، وبأنّ هذه “حياة أفضل” من استمرار المقاومة، وأن يُنظر لتأجيل الحل السياسي. وهذا لن يكون.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا