وعيُنا الوطني والمناكفة المسلحة؟
تاريخ النشر : 2019-03-28 15:34

بكر أبو بكر:

تنقسم الساحة الفلسطينية على اتساع تنظيماتها بين عدة معسكرات لا معسكرين كما يظن البعض، فلقد ذهب الزمن الذي كانت فيه التنظيمات السياسية فقط هي المعبّر عن نبض الشارع، ليشاركها فيه القوى الشعبية والجماهيرية تلك التي لم تستطِع التنظيمات السياسية أن تستوعبها لقصور ذاتي في هذه التنظيمات جميعا.
هذا الانقسام في الشارع السياسي الفلسطيني كان من الممكن النظر له بشكل إيجابي عندما يتم استثماره كتعددية رحبة في إطار الهدف الجامع والإطار الجامع والقائد الجامع.
ومن الممكن استغلاله سلبًا باعتباره شقوقا في جدار القضية الفلسطينية والهدف الموحد.
لم تعد الساحة الفلسطينية لتمثل شرعيّة مكتملة الأركان معترف بها من الجميع، ولا وحدة وطنية ناجزة، ولا تمتلك اليوم خطة أو برنامج عمل وطني متفق عليه من الجميع.
ما تقوله حركة "فتح" والمنظمة أنه الثوابت، وهو ما سارت عليه "حماس" بعد عشرات الأعوام من صراعها الداخلي خاصة من خلال تبنيها هذه الثوابت بوثيقتها عام 2017 عادت ومزقتها "حماس" بالممارسات الوحشية على الأرض ضد المواطنين، وبلقاء موسكو عام 2019 أي بعد أقل من سنتين.
مقاومة غير مؤطرة
إن دُعاة المقاومة الشعبية السلمية المتواصلة أي حركة "فتح" منذ العام 2005 ومعها غالب الفصائل حتى انضمام "حماس" و"الجهاد" عام 2018 هذه المقاومة السلمية لم تؤطّر مطلقا حتى اليوم! 
لم يتم التأطيربمنطق تحويل المقاومة السلمية الجماهيرية لفعل نضالي يومي حقيقي متسع يشكّل منهج حياة للجميع-كما كان بالانتفاضة الأولى كمثال- أكان المناضلين فيها موظفين أوأصحاب أعمال حرة، أكانوا شيوخا أم نساء ام طلابا... الخ.
لم تتعدى هذه المقاومة الشعبية السلمية في الضفة -وما لحقها في غزة بعد قناعات بها لاحقة هو دأب التنظيمات الأيديولوجية-لم تتعدى الا فعاليات موسمية، وفي كثير من الأحيان يتم استخدامها لأسباب مصلحية سلطوية، أو لتأمين أموال الداعمين أو تلبية لحاجة تخفيف الضغط عن هذا النظام أو ذاك.
التنسيق الأمني "الخياني"
تتضارب المفاهيم، وتخوض بها الفصائل معركة في عقل المواطن العربي الفلسطيني، وليس فقط مفهوم النضال والكفاح والسلام..الخ، وإنما أيضا المفهوم المشيطن حمساويا، أي التنسيق الامني ما تداعبه كثيرا فتشير للعمالة والخيانة فيه بوضوح حين تقول "التعاون الامني"، حتى هذا التنسيق الأمني الذي تصرخ "حماس" بإدانته ليلا نهارا في الضفة، ولا تفهم معناه من ال400 صفحة ما تمثل "اتفاق أوسلو"، أقول حتى هذا التنسيق الأمني اضطرت "حماس" لممارسته في غزة تماما كما يُمارَس من السلطة الشرعية في الضفة، فلم يعد من المسميات المستخدمة في التراشق الاعلامي أي معنى، إلا المناكفة، فإن كان التنسيق في الضفة خياني فما بال ذاك في غزة تنسيق أو تعاون أمني طاهر ومقدس!
مُدخلات التطرف، والدبيب
المُدخلات في العقل المتطرف في تيار "حماس" الانقلابي-القطبي الذي يضرب بالعصا بيد فيكسر الضلوع والأيدي والرؤوس والأرجل، ويقذف من فمه بقنابل الاتهام الصاخب والفاحش والبذيء والمتكرر بحِدّة بالخيانة أو الكفر وما دونهما تدلّل على أن المفاهيم الحضارية الاخوية المدنية تاهت، أوأسقطت عمدا، وتدلل أن الرواية الوطنية الجامعة ذابت في مقابل تعملق المصالح الحزبية الضيقة بين دهاليز السلطة والحكم والنفوذ والحرام والحلال، واللاوطني والمناكفات.
لم يكن لحركة التحرير الوطني الفلسطيني-"فتح" أن تقود الشارع الا حين كانت تضع أُذنها تحت أرجل الناس فتستمع لدبيب أقدامهم، قبل أن تستمع لما يقولونه من أفواههم فتُحول الدبيب لاستجابة، وماكانت لتقود الشارع دون أن تكون نبض الشارع الحقيقي.
إن وجود نباتات متسلقة وعفنة في أطر السلطة الوطنية الفلسطينية هي مما نراه يوميا يحاول التغطية على بهاء حركة "فتح" الفكرة الرحبة المتسعة، والكوادر المناضلين والمسيرة والمستقبل المنفتح.
كما نرى مثيلها من النباتات المتعفنة التي تقفل فم الحكماء في "حماس" وتجعل من صورتها مرتبطة بالمناكفات المسلحة، ومرتبطة بالتباغض الديني وكأننا كفار مكة مقابل امة الله حاشا لله، وبالعصا الغليظة والتمسك السخيف بكرسي الحكم، فلا دين ولا مقاومة ولا يحزنون!
فرسان العقل
إن فرسان الوعي الوطني والعقلاني لا يقبلون ركلة جزاء من حركة "فتح" ولا من "حماس"، ولا "الشعبية" ولا من أي تنظيم، ولا تستطيع حركة "فتح" أن تقود منظمة التحرير الفلسطينية منفردة مهما اجتهدت في ذلك، والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية خارج المنظمة سواء في أطرها أو في تعبيراتها الخارجية عبر الجاليات في أوربا.
نحن في الحركة الوطنية قاطبة (وحماس والجهاد ضمنها بالحركة الوطنية) إن لم نستمع للدبيب والحفيف، وخشخشة الطابور الخلفي فلن نفلح أبدا.
ونحن في حركة "فتح" أم الوطنية كما توصف إن لم نستطع توحيد المسار الفتحوي بالبرنامج السياسي الذي لم يُنشر حتى الآن! وبالنظام الداخلي الذي لم يُقرّ حتى الآن! 
ونحن إن لم نستطع ترتيب بيتنا الأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية فلا يمكننا القول أننا مع الوحدة الوطنية، أو أننا دُعاة الوطنية والاستقلالية والوحدة، هذا كلامنا النظري الصحيح ولكن الأرض تبكي من الحقيقة وتصيح.
نحن الإسلام فقط!
نحن في "حماس" عندما افترضنا تمثيلنا الحصري للدين! خاصة في التعبئة الداخلية القطبية الحصرية الاقصائية المستمرة للأسف، وعندما أمِلنا وراثة المنظمة سقطنا في بحر فكر المعسكرين الاستعدائي للآخر سياسيا ودينيا وهو الفكر الذي يبرر اتهام الآخر والحقد عليه ثم قتله،.
الاعتراف بالحق فضيلة كما جاء من فم خالد مشعل في وثيقة عام 2017 وكما جاء احيانا من فم حكماء "حماس"، ما يستوجب تنظيف الثقافة الداخلية من "شحار" الظلامية.
أملنا ف "حماس" أن نكون ممثلي المقاومة حصريا لنُفاجأ كما قال لي صديق من التنظيم، نفاجأ أننا نسير في أعقابكم كحركة فتح، فنقول ما لا نفعل ونفعل مالا نقول.
وسواء اتفقت معه فيما قال أو اختلفت فإن مجمل التنظيمات وعلى رأسها حركتنا أي حركة "فتح" فيها من القول الكثير حيث قلّ الفعل الناجز داخليا.
وفي حركة "حماس" فعلٌ كثير وقولٌ كثير، ولكن كلا القولين والفعلين ليسا في المكان والزمان الصحيحين.

المفاهيم الأساسية
نتساءل هل سقط الوعي الوطني الجمعي لسبب خلاف التنظيمات السياسية وعقلية الانقلاب؟ وتجريد سيف الحزبية الضيقة ومدرسة نحن ام هم؟ 
هل بتنا نختلف على المفاهيم الأساسية التعبوية العقدية الوطنية التي حين التنازع فيها تمثل مخاطرا على العقل والبناء التربوي من مثل: ما هي فلسطين، وما هي القضية الفلسطينية؟ وما موقع منظمة التحرير الفلسطينية؟ وأين الميثاق الوطني؟ وما معنى الوحدة الوطنية؟ وما هي المقاومة الشعبية؟ وما هي الدولة الفلسطينية المستقلة؟ وما هو التطبيع أو ماهية الاتصالات مع الاسرائيليين؟ 
إن الوعي الوطني العام لم يعد يقبل منطق التذويب للرواية الوطنية الجامعة، ومنطق الاختلاف على ما لا يجب الاختلاف عليه،خاصة بعد أن وصلنا جميعا واقول جميعا بلا استثناء للفكر السياسي الواقعي.
نحن جميعا، بلا استثناء وليذهب المزاودون الى الجحيم، نفهم قدراتنا وامكانياتنا ومسارنا ووسيلة مقاومتنا من أجل فلسطين، ولكننا نُناكف بعنف لفظي، ونستخدم الوسيلة والتبريرات ضد بعضنا البعض! 
منهج المناكفة
نتنصل وندين بكل قوة إطلاق رصاصة أو صاروخ من غزة ضد الاحتلال، ونبارك المقاومة المسلحة في الضفة الغربية؟ أهذا منهج مقاومة أم منهج مناكفة مسلحة؟
إنه بلا جدال منهج مناكفة، وليس خط مقاومة أو منهج مقاومة متفق عليه، حيث تحوّل فعل المقاومة فعلا احتفاليا فقط هنا أو هناك.
فلم يعد فِعلا موجّها ضد الاحتلال بقدر ما يتم استغلاله إعلاميا وحزبيا في سياق فكر الإقصاء والاستعداء، والانغلاق السلطوي، وافتراض قاصر أن هذا الفصيل أو ذاك الفصيل هو أبوالمقاومة أو أبو الاسلام أو أبو أو أم الوطنية!؟
هل يوجد من التنظيمات مَن يستطيع العيش منفردا؟ لا، وأقول: أن أي تنظيم إن لم يمثل مع إخوانه فلسطين كلها، وباعتباره مقدمة رمح الامة العربية والاسلامية في قلب الاحتلال، وإن لم يمثل نبض الشعب بأن يضع خده مداسا لهذا الشعب؟ فلا يتوهم أو يظن الفوز لامتلاكه عصا السلطة، وخاب ظنه إن اعتقد أن في الهراوة مفتاح الحل؟ حتى لو حفظ القرآن الكريم عشرات المرات.
إن التحارب والتباغض والتنافر المصلحي والقيمي والمنهجي الحاصل بين الفصائل السياسية والمصبوب صبّا في الوعي الشعبي سلبا هو حقيقة الوضع الراهن جراء الانقلاب الأسود، المدعوم خارجيا، وياتي حال دوامه المشؤوم في سياق تنفيذ فصل القطاع عن الضفة انتصارا للجزء على الكل، ويؤدي الى تدمير الدولة الفلسطينية، وفداءً لأيقونة التطرف والعنصرية والاحتلال والاستعمار"ترامب"، وصديقه "نتنياهو".
كان الشعب هو الفيصل حين هبّ بمحبة لنصرة انطلاقة المقاومة الفلسطينية في فجر الفاتح من العام 1965، وحين عانق بوفاء بطل الملاحم جميعا ياسر عرفات.
وكان الشعب ذاته هو الفيصل حينما أقدم على صنع انتفاضته العارمة عام 1987 بدعم قيادته، يدا بيد وكتفا الى كتف، وما تلاها من انتفاضات ومقاومة شعبية يجب أن تمنهجز
وهو ذات الشعب البطل الذي يفهم معنى العيش الكريم والحياة النضالية، وهو الذي يصنع القادة وليس العكس، وهو الذي يصنع النصربإذن الله.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "