فتح التي في خاطري وفي دمي في ذكرى انطلاقاتها ال ٥٤
تاريخ النشر : 2019-01-01 01:04
اللواء محمود الناطور*:

دائما ومع اقتراب ذكرى انطلاقة حركة فتح، تتدفق الذكريات ذاتها لتلك السنوات الطويلة التي كنا خلالها شهودا على انطلاق مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة ،، عايشنا خلالها أفراحا واتراحا وانتصارات وانكسارات ،، لتبقى البدايات عالقة في الأذهان رغم ابتعادها بعيدا في غياهب النسيان، لدى البعض منا.

لقد كانت حركة فتح بمثابة الأمل، أو بمعنى ادق، بارقة الأمل التي لامسناها في احلك لحظات الألم، فمعاناة الهجرة في مخيمات الشتات لازالت عالقة في اذهاننا ، بل حاضرة وبقوة ، تأبى النيسان ، فصعوبة الحياة في تلك المخيمات القريبة من فلسطين صنعت جيلا يتطلع دائما للانعتاق من هذه الاوضاع والعودة الى فلسطين. وهنا كانت بداياتنا مع حكاية اسمها فلسطين.
لقد كنا في مخيم الكرامة ، والذي سيكون له حكاية أخرى مع الثورة، وفي مراحل شبابنا ، نرى اشخاصا يعبرون النهر الى فلسطين ، انهم الفدائيون، انهم رجال العاصفة، فرددنا على إثرهم: "الى فلسطين خذونا معكم"، ومن هنا بدأت حكايتنا مع الثورة ، حكايتنا مع فتح. 
فتح الثورة ، حكاية فلسطين وذاكرة الأجيال، التي توارثها شعبنا جيلا وراء جيل .. وشكلت تاريخ فلسطين وحاضرها ومستقبلها .. وأحلامها التي رافقتنا وأعطتنا الأمل في العودة الى فلسطين، الارض التي احببناها وعشقناها .. وطنا، ثورة، عشقا وحياة ..
وتميزت حركة فتح منذ انطلاقتها انها الحركة الرائدة ، المبادرة دائما، الجامعة لكل الاطياف، فحركة فتح كانت تضم كافة الأطياف السياسية ، اليسار واليمين والوسط ، كبار السن والشباب وحتى الأشبال، النساء والرجال.
وفي سياق التكون التاريخي للحركة، خاصة ما يتعلق بالفعاليات السياسية والإعلامية التنظيمية التي رافقت ولادة الحركة، من جانب ، وعلاقاتها مع منظمات العمل الفدائي، من جانب آخر. وانطلاقاً من هذه المقاربة، فقط، يمكن تحديد ليس أيديولوجية « فتح» وسياستها ومكانتها بين المنظمات بوصفها التنظيم المهيمن والقائد بل ودورها كإطار يتسع أيديولوجيا، لا للشعب الفلسطيني فحسب وإنما، للمنظمات الفدائية ذاتها.
وتميزت حركة فتح بعلاقاتها الواسعة مع كافة الأطياف السياسية الدولية فنجد ان حركة فتح ارتبطت مع القوى الثورية في العالم ، وكانت داعمة وبقوة للكثير من حركات التحرر ، كما كان لها حركات قوية مع الكثير من الأحزاب من كافة اطياف المشهد السياسي الدولي.
ويمكن القول ان هذه المرونة السياسية والتي تميزت بها حركة فتح تعود الى التنوع الذي ميز قيادة حركة فتح منذ تأسيسها ، فقد انتمت هذه القيادة إلى الفكر الوطني الديني، والبعض منها ينتمي إلى الفكر القومي العروبي، لعل مثل هذا التوصيف كفيل بإعطاء الحركة صفة “الفكر الوطني” الوحدوي الشامل، وبتجريدها من أية عقيدة (المقصود فكرية أو أيديولوجية) كانت، فلا هي ماركسية ولا رأسمالية ولا يمينية ولا ناصرية ولا إسلامية، ورفضت على الدوام، الانحياز لأية عقيدة أو أيديولوجيا. وكان القاسم المشترك بين الجميع هو البرنامج الوطني الفلسطيني العريض: تحرير فلسطين بالكفاح المسلح، هذا الشعار الذي اجتمع حوله المؤسسون والقادة الأوائل. 
وفي مسيرتها الصعبة والطويلة، اضطلعت حركة «فتح» بمكانة القائد والمقرر في مختلف المسارات والتحولات السياسية الفلسطينية، إذ أضحت في مركز القيادة بمنظمة التحرير الفلسطينية (الكيان السياسي للشعب الفلسطيني) بعد معركة الكرامة (1968).
واستطاعت حركة فتح مواكبة مراكز قيادة العمل الوطن الفلسطيني بما يتناسب مع توجهاتها وتواجدها ، وحيثما انتقل مركز الحدث الفلسطيني كانت حركة فتح متواجدة في المكان، وآخذة بزمام المبادرة، فعندما كانت القيادة في الأردن كانت فتح، وعندما انتقلت الى لبنان ، كانت فتح في الطليعة، وعندما انتقلت الى الشتات العربي بعد اجتياح ١٩٨٢، نقلت فتح مركز القيادة الى تونس ، حيث مقر ياسر عرفات، وعندما انتقلت الى الداخل بعد اتفاق أوسلو ، نقلت معظم القوى السياسية الفلسطينية مقر قيادتها الى الداخل، فالجغرافيا دائما كانت قرار فتحاوي، ودائما ما لحقت الجغرافيا بحركة فتح، فهذا هو قدر التنظيم القائد .
وامتلكت حركة فتح قدرة على قيادة الشعب الفلسطيني في كافة المراحل ، فكانت الرائدة والمبادرة الى الكفاح المسلح ، فكانت في عيليون البداية ، وفي الكرامة كانت حركة فتح قائدة المواجهة التي صنعت نصر الأمل العربي من ظلمة نكسة ١٩٦٧ لتجعل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يقول كلمته التاريخية الشهيرة : "الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى"، وليضيف القائد الرمز ياسر عرفات كلمة "ولتنتصر" ، لترسم تلك الكلمات الطريق نحو فلسطين تحت قيادة حركة فتح، مرورا بمنعطفات ومراحل كثيرة ، كانت فتح حاملة مشاعلها ، نحو فلسطين.
ولم يكن قرار قيادة حركة فتح للمشروع الوطني ، قرارا انفراديا أو مزاجيا، أو مدعوما من نظام عربي أو إقليمي، وإنما كان مدعوما من حجم التضحيات التي قدمتها قيادة حركة فتح ، التي كانت دائما في مقدمة الصفوف ، في قلب المعارك، ولذلك كانت حركة فتح التنظيم الذي قدم العدد الأكبر من الشهداء من قادته وضباطه ومقاتليه ، وكذلك العدد الأكبر من الجرحى ، والعدد الأكبر من الأسرى.
تلك الكوكبة من العظماء الذين ضحوا من أجل الوطن، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء، أولئك السابقون، الذين عبدوا طرقنا نحن فلسطين، والذين بهم وبتضحياتهم استطاعت حركة فتح، التي قادت العمل الفلسطيني منذ نصف قرن، وان تصنع الكثير من الإنجازات. تلك هي حركة فتح ، التي تجدها في كل بيت ، في كل مخيم وقرية ومدينة ، في الجامعات والمعاهد والمدارس، في المزارع والمصانع ، في كل مكان ، انها فتح التي مرت من هنا ، هذا هو الشعار الذي كتبه الفدائيون الأوائل في كل مكان مروا عليه اثناء تنفيذهم للعمليات الفدائية، واستمر حتى اليوم.
حركة فتح تميزت دائما بقدرتها على تجاوز الصعاب والتحديات ، ومهما قيل عن الحركة انها انتهت ، تعود من جديد الى الحياة وبقوة اكبر ، واستحقت لقب "طائر العنقاء"، الذي يعود دائما من الرماد ، كيف لا وقائدها ياسر عرفات الذي كان خارجا من بيروت ، ليجيب على سؤال اعدائه الى أين ؟ ليجيب بكل عفوان وتحدي .. الى فلسطين .. ولم يحتاج الأمر الا سنوات قليلة لينقل الصراع من الخارج الى داخل فلسطين ، لتكون الانتفاضة في وجه المحتل ، في داخل المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية ، ثورة شعبية عارمة ، تفاجىء المحتل، ولتكون أوسلو وليعود ياسر عرفات على رأس قوات الثورة وقادة العمل الوطني الفلسطيني الى فلسطين ، وليتحقق حلمنا بالعودة الى فلسطين ، ولتستجيب إرادة الثورة لرغبة مئات الآلاف من ابناء شعبها وأحلامهم وتحقق نداءهم الى فلسطين خذوني معكم.
ولذلك فإن حركة فتح، والمجموع الوطني الفلسطيني ، قادرين على تجاوز المشهد القاتم الحالي والانقسام الذي دفعنا ثمنه غاليا ، وبهذه المناسبة نوجه مجموعة من النداءات الأخوية الصادقة لكل من :
• النداء الأول الى الأخ الرئيس القائد محمود عباس ، القائد المؤسس ، الذي حمل الأمانة في اصعب الظروف، لا تلتفت لتلك الاعتراضات، فحركة فتح أمانة في أعناقنا جميعا، ودماء الشهداء والجرحى ومعاناة الأسرى وامال الشعب الفلسطيني وطموحاته للحرية والاستقلال ، أمانة في عنقك ، لتتواصل المسيرة ، اعانكم الله ، وسدد على طريق الخير خطاكم .
• النداء الثاني الى الأخوة قادة وكوادر حركة فتح في كافة المواقع التنظيمية والأقاليم والمناطق والمكاتب الحركية ، في الوطن والشتات ، ان الإرث النضالي الذي تركه القادة المؤسسين وتضحياتهم جميعا تتطلب منا ان نسعى جاهدين وموحدين من اجل تحقيق مطالب شعبنا في الحرية والاستقلال.
• الأخوة قادة تنظيمات العمل الوطني الفلسطيني ، لقد كنا دائما شركاء في خندق واحد دفاعا عن شعبنا وقضيتنا فلنواصل هذه الوحدة ولنترك كل الصغائر ففلسطين اكبر منا جميعا.
• الأخوة في حركة حماس ، لتكون مراهنتكم على فلسطين وشعبها ، فالفوارق بيننا ليست كما يحاول البعض ان يصورها ويستغلها ، فجميعنا بوصلتنا فلسطين ، وجميعنا في سفينة واحدة ، الوطن قبلتها وهدفها، وشعبنا هم ركاب هذه السفينة، وإجراءاتكم الانفصالية في غزة لن تكون في مصلحتكم او في مصلحة شعبكم ، واجراءاتكم ضد ابناء حركة فتح في ذكرى انطلاقتها الرابعة والخمسين لن تهزم حركة فتح ولن تنهي وجودها في غزة ، ولكنها في المقابل ستسجل في صفحات التاريخ عارا عليكم ، فتعالو الى كلمة سواء بيننا وبينكم لنطوي هذه الصفحة المعيبة في تاريخنا الفلسطيني ، ولنتفق من اجل فلسطين، من اجل شعبنا ، من اجل قدسنا.
هذه هي فتح التي نستذكر اليوم قصة كفاحها وقادتها المؤسسين وتضحياتهم وشهداءها وجرحاها وأسراها في أتون مسيرة نضالية مستمرة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فرغم المؤامرات الهادفة لانهاء القضية الفلسطينية ، عبر تكريس مقولة الاحتلال ان الزمن كفيل بانهاء هذه القضية فالكبار يموتون والصغار سينسون ، وها هي مجريات الاوضاع تؤكد ان الصغار يصعنون المجد ، بحجارتهم واكفهم وصدورهم العارية. انها نماذج تؤكد ان مسيرة الثورة مستمرة ، وانها مستمرة حتى النصر، حتى الحرية ، حتى استعادة فلسطين ، كل فلسطين ، عربية ، اسلامية ، مسيحية.
*رئيس مجلس ادارة مركز الناطور للدراسات:

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "