إستحضار روح إنتفاضة ديسمبر
تاريخ النشر : 2018-12-12 01:33

عمر حلمي الغول:

مر واحد وثلاثون عاما أول امس على ذكرى صعود الشعب العربي الفلسطيني إلى قمة من قمم الكفاح الوطني التحرري، ذكرى الإنتفاضة الكبرى في كانون أول / ديسمبر 1987، تلك المحطة النوعية والدراماتيكية من العطاء الفلسطيني العظيم، التي إنقذت رقبة الشعب والثورة الفلسطينية المعاصرة من مقصلة التصفية والإعدام، وأعادت الإعتبار للقضية الفلسطينية رغما عن أميركا وإسرائيل والأنظمة العربية المتواطئة معهم، ولولا لعنة حرب الخليج الثانية وتداعياتها الأميركية والغربية الرأسمالية والعربية، وسقوط النظام الدولاني الإشتراكي مع ضربة أول معول في جدار برلين نهاية إكتوبر 1989، والإنهيار التام لحركة التحرر العالمية، وصعود العولمة الأميركية المتوحشة لتغير وجه تاريخ الأمة والمنطقة. 

لكن الإنتفاضة (الثورة في الثورة) أكدت لكل ذي صلة بالصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي، ان كل مؤامرات التصفية والتبديد للقضية الوطنية الفلسطينية مآلها الفشل والهزيمة على مذبح الكفاح البطولي للشعب العربي الفلسطيني، ووعيه الفطري، وقدرته الخلاقة على إستلهام اللحظة المناسبة للتحليق ثانية من رماد جرائم الحرب وعمليات الذبح المتوالية، والقاء قفزاته في وجه كل من يتطاول على الحقوق الوطنية. 

ورغم كل ما تلازم مع سنوات الإنتفاضة 1987/1993 من أحداث جسام على المستويات العربية والإقليمية والعالمية، إلآ انها ثبتت فلسطين رغما عن الدنيا كلها على الجغرافيا السياسية، وإنتزعت مكانا وتاريخا عظيما في مسار حركة التاريخ المعاصر من كفاح الشعب الفلسطيني والقومي العربي والأممي، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، انه دون حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وممكنا ومقبولا ومستجيبا للحد الأدنى من الثوابت الوطنية في الحرية والإستقلال وتقرير المصير والعودة والمساواة لن تهنأ المنطقة بالهدوء والإستقرار. 

وهو ما يؤكده الآن الشعب العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية  للولايات المتحدة الأميركية ودولة الإستعمار الإسرائيلية ومن يتساوق معهم من أهل النظام العربي الرسمي ولكل من لف لفهم في فلسطين وخارجها، من ان مؤامرة صفقة القرن، وقانون "القومية الأساس" الإسرائيلي الصهيوني الفاشي والإنقلاب الحمساوي الأسود الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية لن تمر مهما كانت نتائج المواجهة والتحدي. والشعب الفلسطيني البطل، الذي خرج من تحت الرماد في 1987 كطائر الفينيق، قادر مجددا على الصعود من رحم المعاناة إلى ذروة جديدة ونوعية في مسيرة الكفاح الوطني. لا سيما وان الإرهاصات الوطنية والعربية والعالمية تحمل في طياتها مخاض ولادة محطة نوعية جديدة لها ما بعدها. 

وعليه فإن على دولة الإستعمار الإسرائيلية ومعها إدارة الرئيس ترامب ومن يركض في متاهتهم أن يستحضروا جيدا درس إنتفاضة كانون أول/ ديسمبر 1987، وقبل ذلك درس إطلاق شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة في مطلع كانون ثاني/ يناير 1965 وما بينهما من أحداث وتطورات جسام إستهدفت الثورة في مقتل، لكنها تحطمت على مذبح النضال الوطني التحرري، وهذا ليس دشا إنشائيا عاطفيا، لا هو الحقيقة العلمية وبالوقائع الدامغة على الأرض. وبالتالي على جميع القوى الفاعلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الكف عن العبث والتلاعب بحقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، والإفتراض ان الواقع بات مهيئا لتصفية القضية الفلسطينية!!؟ لإن اللحظة التي إشتعلت فيها شرارة الإنتفاضة الثورة في 1987، كانت الظروف العربية سيئة جدا،وتشبه إلى حد بعيد اللحظة بشروطها الزمانية والمكانية حتى بلغ الأمر بأن القمة العربية المنعقدة قبل شهر من إشتعالها كادت أن لا تذكر في بيانها الختامي قضية العرب المركزية، ولكن إبداع وعبقرية الشعب البفلسطيني قلبا موازين القوى رأسا على عقب، ودفعت الحكام ذاتهم ليعقدوا قمة طارئة في الجزائر بعد ستة أشهر من إندلاعها (الإنتفاضة) وأعادوا الإعتبار لقضية فلسطين. والتاريخ قد يعيد نفسه، ولكن بشروط وأدوات نضالية مختلفة، فهل يعقل أصحاب القول الفصل في مسيرة السلام، ويعيدوا النظر بخياراتهم العدمية والبائسة، ويمنحوا السلام فرصة الولادة والإنبثاق، ويحقنوا دماء الأبرياء، ويرفعوا راية التعايش والتنمية المستدامة؟

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "