القبائل الفلسطينية تفرعت من الحضارة الكنعانية في فلسطين
تاريخ النشر : 2018-05-09 23:03

" ريال ميديا ":

أصدرت (أحد عشر ديواناً شعرياً)، منذ (يا عنب الخليل، 1968) وحتى ديوان (البناتُ، البناتُ، البنات، 2009)، - وصدرت الطبعة العاشرة من أعمالك الشعرية في مجلدين بمصر، وأصدر (اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة) طبعة إلكترونية للأعمال الشعرية في ثلاثة أجزاء. ما تقويمك لحصاد هذه الرحلة الشعرية، التي أوصلتك بجدارة إلى (موقع الريادة الفعلية) – كما قال شيخ النقاد العرب – إحسان عباس. وما هي خارطة (الشعر الفلسطيني الحديث)؟

حاوره/توفيق تعياط:

(المناصرة): هنا يميز (إحسان عباس) بين (الريادة التاريخية)، و(الريادة الفعلية)، فليس كل شاعر كان (رائداً تاريخياً)، يعتبر (رائداً فعلياً)، مثلاً: محمود درويش ليس رائداً تاريخياً، لأنه مثلي من (شعراء الستينات)، لكنه (رائد فعلي). لقد تجاوزنا معاً بعض الشعراء الرواد العرب الذين لم يطوّروا أنفسهم. وبالمقابل، لا يجوز التعميم، فنحن نقوّم كل شاعر على حدة في الكتلتين التاريخيتين: أقصد أن (الكتلة الأولى العراقية) في الخمسينات. بقي منها الشعراء الكبار، مثل: (بدر شاكر السياب – سعدي يوسف – عبدالوهاب البياتي)، لكن لا يمكن تجاهل (بلند الحيدري)، الذي صدر ديوانه الأول عام (1946)، فهو أحد الرواد التاريخيين. ولا يمكن تجاهل المرأة الشاعرة (نازك الملائكة)، رغم أن شهرتها جاءت من كتابها النقدي (قضايا الشعر المعاصر). أما (الكتلة الفلسطينية)، فقد بدأ صعودها منذ العام 1967، حيث استطاعت (تعميق الحداثة الشعرية)، و(إيصالها إلى الشارع العريض)، بالجمع بين (الحداثة والثورة)، وهي كما أشار بعض النقاد، ولو متأخرين – تنقسم إلى فرعين: 

1.    (شعراء الثورة الفلسطينية في المنفى)، الذين تبنوا فلسفة التحرر الوطني والكفاح المسلح، مع صعود نجم منظمة التحرير الفلسطينية منذ (1964)، ومنهم: (عزالدين المناصرة – معين بسيسو – أحمد دحبور – مريد البرغوثي، وغيرهم. 

2.    (شعراء المقاومة في شمال فلسطين)، ومنهم: محمود درويش – سميح القاسم – توفيق زيّاد، وكانوا آنذاك أعضاء في الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وكان توفيق زيّاد، عضواً في (الكنيست الإسرائيلي = البرلمان الإسرائيلي). وهنا ولد مصطلح (شعر المقاومة) – ملتبساً، حيث عارضه (غالي شكري، وأدونيس، ويوسف الخطيب)، لأنهم رأوا أنه ليس (شعر مقاومة)، بل هو (شعر احتجاج نقابي) من داخل النظام الإسرائيلي، - ولأن (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) يؤمن بشرعية دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم يطالبون بدولة فلسطينية إلى جانب (إسرائيل)، فقد جاء المصطلح ملتبساً. أما الشاعر (راشد حسين)، (عضو حزب مابام الإسرائيلي).

هذا الالتباس انتقل من المواقف السياسية للشعراء إلى نصوصهم الشعرية، وهنا يقع مكمن الخطر.

- هنا شخصياً، بدأت نضالااتي في ظل منظمة التحرير الفلسطينية منذ أيام مؤسس المنظمة (أحمد الشقيري)، مروراً بـ(ياسر عرفات)، وعلى عكس ما هو شائع، فأنا كنت (مثقفاً حُراً مستقلاً) ضمن إطار منظمة التحرير. ومن الطبيعي أن أتحالف مع آخرين انطلاقاً من المشترك من الأفكار بيني وبينهم، وما زلت حتى اليوم.

أما (الجانب الوظيفي)، فقد ابتعدت عنه منذ توقيع (اتفاقات أوسلو)، التي اعتبرها أخطر اتفاقات على مصلحة الشعب الفلسطيني، حيث ارتكبت أخطاء استراتيجية منذ (اوسلو، 1993)، وحتى اليوم. آمنت (بخلطة لم تتحقق) في تحالفاتي الشخصية تجمع (حركة فتح = المدافعة عن الهوية الفلسطينية)، و(الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين = التي تمثل الصلابة الوطنية والطبقية المثالية)، و(الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين = التي تتقن التكتيك، والمرونة)، و(الحزب الشيوعي الفلسطيني = الذي كان له ظهور أوضح في الأرض المحتلة)، ويؤمن بالدفاع عن الطبقات الفقيرة، ولكنه كان سلبياً اتجاه الكفاح المسلح. 

- كان عدد من المثفين الفلسطينيين، يتندرون مازحين على ما أسموه لاحقاً بـ(صفقة نصف القرن الشعرية)، التي بدأ تنفيذها (عام 1981 تقريباً)، وحتى (2008)، بل بعد ذلك... تعني (صفقة نصف القرن الشعرية)، أنَّ (شعراء المقاومة الشعرية في شمال فلسطين)، الذين انتموا إديولوجياً للحزب الشيوعي الإسرائيلي، كان خيارهم هو (المطالبة بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل). هذا الموقف روّج له مثقفون مصريون مثل: (أحمد بهاءالدين، ولطفي الخولي، ورجاء النقاش)، منذ عام (1967). وهذا المطلب كان حتى بعد الهزيمة مرفوضاً، فلسطينيا، وعربياً، لأن ذلك كان يعني التنازل عن (78%) من أراضي فلسطين التاريخية لإسرائيل. ولاحظ محمود درويش في عام (1981) تقريباً، (الذي كان قد انشق عن الحزب الإسرائيلي، والتحق بشعراء الثورة في المنفى عام 1974) – لاحظ أن منظمة التحرير الفلسطينية بدأت تروّج للتسوية السياسية مع إسرائيل، تلميحاً وتصريحاً. فاقترح اقتراحاً شفهياً غير مكتوب على (قيادة حركة فتح)، ما يلي: (تمنحوني إمارة الشعر الفلسطيني، أمنحكم علاقاتي مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)،الذي سيوصلكم إلى (حزب العمل الإسرائيلي)).

وبدأ تنفيذ هذه (المعاهدة!!غير المكتوبة) عام 1981، حين سُمح لمحمود درويش أن يكون (نجم مهرجان الشقيف الشعري)، عندما خصصت له (قاعة اليونسكو) في بيروت، وحده بحضور ياسر عرفات. بينما وضع (عزالدين المناصرة، ومعين بسيسو، وسعدي يوسف الشاعر العراقي، والشاعر الإسباني كارلوس ألباريث) معاً في أمسية واحدة في (قاعة الوست هول) بالجامعة الأمريكية في بيروت.

كان (المناصرة) في الفترة اللبنانية (1972-1982)، هو (الشاعر الفلسطيني الوحيد، الذي حمل السلاح دفاعاً عن المخيمات الفلسطينية، ودفاعاً عن الجنوب اللبناني، وضد إسرائيل والمتأسرلين).

- رغم صدور (أحد عشر ديواناً شعرياً) في الفترة (1968-1998)، أي في عصر الثورة، لم يصدر في ظل الثورة، ولو كتاب نقدي واحد يدرس تجربتي الثورية. أما طباعة أعمالي الشعرية، فقد صدرت الطبعة العاشرة منها في القاهرة،ولم تًطبع في مسقط رأسي فلسطين حتى اليوم. أعتمد على (الشُرفاء) من المثقفين العرب، الذين يعرفون (قيمتي الشعرية والثقافية). أما القيمة الفنية، فقد كُتب عنها (35 كتاباً نقدياً عربياً، وأجنبياً) أغلبها (رسائل ماجستير، وأطروحات دكتوراه) من بلدان عربية متنوعة. لكنّ (المفارقة) كانت من قبل (السلطة) هي أنها أخفت النتائج العلمية الموثقة، التي جاءت في هذه الأبحاث العلمية، وساندتها (الميديا العربية) في التعتيم. وقد انتبهت أصوات فلسطينية في الأرض المحتلة (فلسطين) إلى اغتصاب التمثيل في مؤسسات  فلسطينية ثقافية من قبل أشخاص فاسدين، وجاهلين، ينفذون سياسة (وكلاء الاحتلال).

- لهذا أترك للنقاد مهمّة التعريف والتحليل لشعري، وأحب أن ينطلقوا من(المعرفة، والمحبة، والشجاعة)، وأنا أقبل بأحكامهم إذا التزمت بذلك. يقول الشاعر والإعلامي اللبناني (أحمد فرحات)... (عزالدين المناصرة، هو الشاعر الأول في فلسطين والأردن (حالياً))، وتقول (فتيحة كحلوش): (المناصرة، هو (هوميروس العرب جميعاً)).


·       (يا عنب الخليل)، ديوانك الأول،  1968، (وُلد ناضجاً)، كما قال الشاعر المصري صلاح عبدالصبور، ابتدعت فيه أساليب شعرية جديدة آنذاك، وفيه تعددية شعرية. ماذا تعني لك (مدينة الخليل). وهل أصبح هذا الديوان اليوم من (كلاسيكيات الحداثة وما بعدها)؟

(المناصرة): (يا عنب الخليل)،ولد ناضجاً، لأنني قمتُ باختيار قصائده من شعر الفترة (1962-1968)، (وقد أحرقتُ قبل صدوره، ثلاث مخطوطات شعرية)، كُتبتْ معظم قصائده بين (الخليل – والقاهرة). (خان الخليلي) في القاهرة، أسسه (مواطن فلسطيني من مدينة الخليل) – أما (شارع المناصرة) في القاهرة، فقد تعددت الروايات، ولكن إحداها تقول بأنه باسم عائلة فلسطينية، وهناك من يقول، هو باسم (عائلة المناصرة) الصعيدية، أو عائلة المناصرة التي جاءت إلى القاهرة من إحدى قرى بورسعيد، وفي كل الأحوال، فإن القاهرة، تشمل عائلات خليلية جاءت من فلسطين إلى مصر منذ أوائل القرن العشرين. لهذا جاء الربط الشعري بين (الخليل والقاهرة). أن يقال بأن ديوان (يا عنب الخليل)،أصبح من كلاسيكيات الحداثة الشعرية العربية، هذا معناه أنه ترسّخ كعلامة مركزية. وقد قال عنه الراحل الناقد الأردني (عبدالله رضوان) في دراسة له بأن (ديوان يا عنب الخليل)، يشبه من حيث التأثير في فلسطين والأردن ومصر، ديوان (مدينة بلا قلب) لأحمد عبدالمعطي حجازي، 

- (الخليل هي مدينة قلبي) الأبدية، وهي جارة بيت لحم والقدس. وقد قال عنها (الشاعر الفلسطيني (يوسف أبو لوز)، بأن اسمها في الأدب، ارتبط باسم عزالدين المناصرة، كما ارتبطت (الاسكندرية)، بالشاعر اليوناني المصري كفافيس. كذلك لا يمكن أن نذكر اسم (جفرا) إلا وارتبطت فوراً باسم عزالدين المناصرة.

·       قال زميلك وصديق عمرك (محمود درويش) في أحد حواراته التلفزيونية بأن (الشاعر المناصرة)، هو مبدع أساطير بامتياز، ومن أساطيره، صياغة مدينته (الخليل) صياغة شعرية أسطورية. وقال ذات مرّة بأن أفضل شاعر فلسطيني في فهم (جوهر الشعر) هو عزالدين المناصرة. فماذا تقول؟

(المناصرة): محمود درويش، شاعر كبير، وصديق عزيز، اختلفت معه في السياسة، ومع هذا بقينا أصدقاء. ورغم أنه قال لجريدة القدس العربي (الشعراء في فلسطين والأردن يكرهونني!!)، إلاّ أنه قبل رحيله بأسبوعين قال في (حواره الأخير) مع الناقد الفلسطيني الدكتور (فيصل درّاج) – في (جريدة أخبار الأدب المصرية)، حرفياً ما يشبه الوصيَّة: (ما زلت معجباً بالأعمال الشعرية لعزالدين المناصرة، والمرحلة الأخيرة من شعر مريد البرغوثي). وقالت الجزائرية (ليديا وعدالله): (الشاعر المناصرة، هو الأكثر ثقافة وعُمقاً من بين شعراء فلسطين في العصر الحديث على الإطلاق، دون أن تؤثر هذه الثقافة العميقة (سلباً) في عفوية شعره). ويقول الصحافي والمسرحي السوري (سامر محمد إسماعيل) في جريدة (السفير اللبنانية – 22/8/2014)، ما يلي: (لم يحصل (سميح القاسم) على نصف النجومية، التي حصل عليها (محمود درويش)- كذلك، فإن مواطنهما الشاعر (عزالدين المناصرة)، البعيد كل البعد عن الضجيج الإعلامي السياسي، الذي رافق كلاً من درويش والقاسم، منذ (1967) وحتى اليوم – فإن الشاعر المناصرة تتمتع قصائده بخصوصية شعرية عالية، وموهبة نادرة، تضاهي نصوص هذين الشاعرين، وتتفوق عليهما في كثير من المواقع). أما الناقد المغربي (محمد بودويك) فقد قال حرفياً في أطروحته للدكتوراه ما يلي: (نقول مع إليوت، بتحوير بسيط، يمتلك عزالدين المناصرة، مثل (تينيسون)، ثلاث صفات، قلّما تجتمع إلاّ في أعاظم الشعراء: (الغزارة، والتنوع، والإحكام الكامل – 2004). وقال (جاك ديريدا)، فيلسوف التفكيكية الفرنسي، يصف (قصيدة جفرا)... (كأنها السحر بعينه). وكان ديريدا قد استمع للقصيدة في (مسرح موليير الباريسي) باللغتين الفرنسية والعربية، عام 1997.

·       ارتبطت (الكنعنة الشعرية) باسمك، فماذا يعني ذلك؟

(المناصرة): ‘إذا كان هناك من (بصمة خاصة بي)، فهي (بصمة الكنعنة الشعرية)، وهو مشروع شعري انبثق من فكرة فطرية في منتصف الستينات، أي فكرة (حدود بلاد الشام)، التي هي (بلاد الحضارة الكنعانية)، وفلسطين هي مركز الفكرة. نحن كنعانيون فلسطينيون، لأن القبائل الفلسطينية تفرعت من الحضارة الكنعانية في فلسطين، التي ترجع إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد. ونحن سكان أصليون في فلسطين، ولم نجئ من شبه الجزيرة العربية، ولا جئنا من (كريت) حسب نظرية شعوب البحر. فالقبائل العربية الكنعانية (المعينيون، واللخميون)، هم فلسطينيون كنعانيون أصليون في فلسطين. والأدق هو أن هذه القبائل، قامت بهجرة عكسية في (القرن التاسع عشر ق.م.)، نحو الجزيرة العربية، وتركت علاماتها في اللغة وفي النقوش. يقول صاحب لسان العرب (ابن منطور)... (الكنعانية لغة تضاهي العربية)، لأن أصل اللغة العربية جاءت من الآرامية، أي من السُريانية الكنعانية. ولا تزال الألفاظ الآرامية السوريانية (وهي لغة المسيح)، موجودة بنسبة عالية في معجم اللهجات العربية في بلاد الشام.

ولهذا قاومتُ في الشعر بالحفر في الجذور، لأضيف عنصراً أساسياً إلى الهوية الفلسطينية، كان مرفوضاً بذريعة أنه (وثني كنعاني). أما في زمن الثورة الفلسطينية في السبعينات، حين استدعاني (ياسر عرفات، قائد الثورة الفلسطينية) عام (1977)، وسألني عن مفهوم الكنعنة، شرحت له ذلك، وقلت له: ما المشكلة إذا كنا (وثنيين) قبل الميلاد، وأصبحنا (مسلمين) لاحقاً!!.

·       نظمك للشعر، هل كان بغرض (التنظير النقدي)، أم بهدف إيصالك تجربتك الشعرية للقرّاء. وكيف استطعت الجمع بين الشعر والنقد؟

(المناصرة): كتبت الشعر منذ عام 1962 وحتى اليوم 2018، فالشعر هو مركز تجربتي الثقافية، وحالياً يعتبرني أبناء شعبي الفلسطيني بأنني (شاعر فلسطين الأول)، كما أن (الأردنيين) يعتبرونني أحد مؤسسي الحداثة الشعرية، و(رائد قصيدة النثر في الأردن)، وقد حصلت على (جائزة الدولة التقديرية في (حقل الشعر) من وزارة الثقافة الأردنية عام 1995. أما (النقد)، فقد مارسته لأول مرّة عام 1965، لكنني كنت هاوياً. وفي عام (1983) انتقلت إلى عالم (التعليم الجامعي) في جامعة قسنطينة، الجزائرية، وبعدها (جامعة تلمسان) عام 1987، وفي هذه المرحلة، وبتأثير تخصصي في (الأدب المقارن)، دخلت عالم النقد الحديث من باب (النقد السلافي)، فقد حصلت على الدكتوراه في (جامعة صوفيا) البلغارية عام (1981)، وهي الجامعة التي تخرج فيها (تودوروف، وكريستيفا)، قبل هجرتهما إلى فرنسا. وكانت قد أشرفت على أطروحتي الناقدة البلغارية البروفيسورة (روزاليا ليكوفا)، حيث نقدتُ فيها، المقولة الفرنسية التقليدية عن (التأثير والتأثر)، وأثبت أن (التشابه)، قد يحدث دون أن يلتقي المؤثر والمتأثر. كان موضوع أطروحتي هو (المؤثر المشترك: المقاومة الشعرية – دراسة مقارنة)، استخدمت فيها شعراء لم يتعارفوا، مع ذلك حدث تشابه بينهم (الفلسطيني إبراهيم طوقان، والبلغاري نيكولا فابتساروف – والروسي مايا كوفسكي – والتركي ناظم حكمت). نوقشت أطروحتي أمام أكاديمية العلوم البلغارية، بحضور وسائل الإعلام العالمية، ومشاركة (16 أستاذ بدرجة بروفيسور). وصوّت لصالحي (16 من 16)، مع أن أحدهم هاجمني بسبب تحليل بعض القصائد بنيوياً، وذلك يعني بالنسبة له خروجي عن علم الجمال الماركسي، لكن أستاذتي دافعت عني مثل (الذبة)، حين امتدحت تنوع المناهج في التحليل في أطروحتي.

- المهم أن (الجمع بين التنظير النقدي)، و(الشعر)، سبقني إليه أدونيس، الشاعر السوري. أي أنني اضطررت إلى هذا الجمع، بسبب تقلبات الحياة، واعترفت جريدة (أخبار فلسطين)، بأنني كنت متميزاً في هذا المجال النقدي. السبب هو أنني كنت قادراً على الفصل بين مهنتي، وبين كتابة الشعر. ونجحت في الأمرين، وقد أنجزت أطروحة دكتوراه عام 2011، في جامعة بغداد، صدرت مؤخراً للباحث العراقي (علي صليبي المرسومي)، وبعنوان (الشاعر العربي ناقداً: أدونيس، والمناصرة، والعلاق – أنموذجاً). ومعنى ذلك أنني نجحت لأنني جئت إلى عالم النقد المقارن، بعد أن ترسّختُ في عالم الشعر.

·       قال الناقد اللبناني، (جهاد فاضل)، بأن كتباك (إشكالات قصيدة النثر)، هو (أفضل كتاب عربي في مجاله حتى اليوم). ماذا تقول اليوم؟

(المناصرة): صدر هذا الكتاب عام 1998 في طبعة مصغرة، أما الطبعة (الثالثة) منه، فقد صدرت عن (دار الراية الأردنية) في (651 صفحة)، وفيه مقدمة شرحت فيها النتائج، وهذه المقدمة منشورة في مواقع إلكترونية كثيرة تحت عنوان (بعد أن هدأت العاصفة)، وقد اكتشفت (45 اسماً لقصيدة النثر)، لكن أفضلها هو (قصيدة النثر) بسبب شيوعه وترسخه في النقد العربي. كما توصلت أن الأمانة العلمية، تقتضي الإشارة إلى أن اللبنااني (أمين الريحاني)، هو رائد قصيدة النثر الفعلي في مجموعته (هُتاف الأودية، 1910)، فالفروقات بين (قصيدة النثر)، و(الشعر المنثور)، مفتعلة من قبل (جماعة مجلة شعر) اللبنانية، لكي يقولوا أنهم (رواد قصيدة النثر). وتوصلت إلى أن مصطلح (قصيدة النثر) ترجمه اللبنانين (شوقي أبي شقرا) عام 1959 لأول مرّة، نقلاً عن الفرنسية سوزان برنار. ومعظمهم وقع تحت تأثير (شعرية الترجمة). واكتشفت أن بعض المهرجين من كتاب قصيدة النثر اللاحقين، الذين هاجموا الكتاب، بسبب ذكري لمصطلح (قصيدة النثر، كتابة خُنثى)، حين استلّوا هذا الاسم من بين (45 اسماً)، ولم يقرأوا الكتاب، ومن غرائب الصدف أن ترجمة (رواية صادق)، الجزء الثاني، الذي صدر بعد طبعة كتابي الأولى، تستخدم (القديسة سوزان برنار)، وهي مرجعهم، (ص 24 بالتحديد)، مصطلح (الشكل المخنّث) وصفاً لقصيدة النثر، عندئذ خرسوا إلى الأبد، لأنهم اكتشفوا أنهم لم يقرأوا كتاب سوزان برنار جيداً.

وهناك نقطة مهمة هي السبب في الهجوم على كتابي، وهي أن عدداً من كتاب قصيدة النثر يمارس (التطبيع مع إسرائيل)، حتى أن أحدهم ويدعى (ع. ج.)، يعيش في باريس، زار (إسرائيل)، بل وزّع بياناً عن زيارته يتباهى فيه بصداقته للسفير الإسرائيلي في باريس آنذاك، وهو يعمل في(موقع إيلاف),

·       اعترف عدد من النقاد، بريادتك لما أسميته بـ(شعرالتوقيعة = أو ما يسمّيه البعض (الهايكو العربي) منذ عام (1964).

(المناصرة): عام (1964) كتبت قصيدتين: (توقيعات)، وأخرى بعنوان (هايكو تانكا)، وكنت قد تعرفت لهذا النوع من الشعر الياباني، تحت تأثير ترجمة بعض هذه القصائد إلى العربية.

بعد ذلك، قررت أن مصطلح (توقيعة)، أفضل بكثير من مصطلح (هايكو عربي)، وقد استلهمتُ (التوقيعة الشعرية) من مصادر متعددة (المقطّعات الجاهلية – الإبيجرم اليوناني – التوقيعات النثرية في العصر العباسي). ويمكن لجيل الشباب الذي لا يعرف وزن (الشعر الحر التفعيلي) أن يكتب التوقيعة كقثيدة نثر، وأنا أؤمن بتجاوز الأشكال الشعرية الأربعة (العمودي – الشعر الحر التفعيلي – الشعر اللهجي – وقصيدة النثر). وقد مارست هذا التجاوز في إحدى قصائدي القديمة. وعندما كنت (شاعراً شاباً)، كنت أميل إلى التجريب، مثلاً، (القصيدة الرعوية)، و(قصيدة الهوامش)، و(تفصيح اللهجات في الشعر الحديث)، كلها تُنسب لي. مثلاً، استخدمت (قصيدة الهوامش) البصرية، قبل استخدام أدونيس لها بعشر سنوات.

·       بمن تأثرتم من الشعراء؟

(المناصرة): في بداياتي الشعرية تأثرت بشعراء كثيرين: (الشعر المهجري)، أما من شعراء (الشعر الحر التفعيلي)، فقد تأثرت بنزار قباني، وبدر شاكر السياب، وبعد ذلك تجاوزتهم نحو (بصمتي الخاصة)، وقد اعترف النقاد بهذه الخصوصية، فالشاعر الفلسطيني (علي الخليلي) يقول: (المناصرة له بصمته الخاصة، وغنائيته متفردة، لا تشبه أي شاعر فلسطيني أو عربي). وبطبيعة الحال أحببتُ (امرأ القيس)، و(المتنبي) في شعرهم.

- ومن الأجانب: أحببتُ الإسباني لوركا، والفرنسي جاك بريفير، واليوناني المصري كفافيس، والتشلياني بابلو نيرودا، وت. س. إليوت، الشاعر الأنجلوأمريكي... وغيرهم.