الخميس 04 ديسمبر 2025

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

قبور جماعية تحت الانقاض : من سيعيد كرامة الشهداء المنسيين في غزة

  • 14:21 PM

  • 2025-11-22

 محمد العربيد*:

في حين إنشغل العالم اجمع بالحديث عن استعادة ٢٨ جثة لأسرى اسرائيلين في غزة فُقدوا تحت ركام خلفته اسرائيل نفسها، تجاهل الإعلام والرأي العام العالمي الآلاف من شهداء غزة الذين ما زالت جثامينهم مفقودة تحت أنقاض المباني المدمرة التي خلفتها حرب إبادة امتدت على مدار العامين الماضيين وحوّلت ٩٠٪ من غزة إلى ركام. خلال الحرب كانت عائلات الشهداء الذين فُقدوا تحت الركام تنتظر بفارغ الصبر لحظة توقف الحرب لكي تتمكن من إيجاد جثامين أحبئها ودفنها. كان التضامن الشعبي العالمي يركز على المطالبة بإنهاء الإبادة وإنقاذ من تبقى من الأحياء، لكن حتى اليوم وبعد قرار وقف الحرب لم تلتفت اية جهة دولية الى مأساة جثامين اهل غزة التي ما زالت تحت الركام. يسقط ذكر هؤلاء الشهداء الذين باتوا جزءاً من حكاية الدمار الذي يغطي القطاع بأسره، تطمر قصصهم كما تطمر اجسادهم، بلا ضجيج ولا مطالبة حقيقية بحقهم الانساني في الدفن، وتقدر عددهم لجنة المفقودين في غزة باكثر من عشرة الاف شهيد لايزالون عالقين تحت الانقاض، لم يتم انتشال سوى المئات منهم فقط، اي اقل من ٢،٥٪ من اجمالي جثامين المفقودين.

 

فرق الإنقاذ التي تعمل دون توقف منذ إعلان اتفاق وقف الحرب تواجه صعوبات هائلة وتحديات جسيمة وسط كم هائل من الركام المنتشر في كل انحاء القطاع إذ ان إسرائيل دمرت أكثر من ٨٥٪  من المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض وتمنع دخول بدائل لها. يحاول المسعفون جاهدين انتشال الجثث بطرق بدائية لا تناسب حجم الكارثة، لكن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً، خاصة في المناطق التي شهدت تدميراً شاملاً.

قد يستغرق ٤٨ او ٧٢ ساعة لاستخراج جثة واحدة من عائلة كبيرة جميع افرادها تحت الأنقاض، فإن استخراج الجثامين يبدأ بخطوة اساسية وهي إزالة الركام، وهذه المهمة تزداد صعوبة مع حجم الدمار الضخم الذي تقدّره الأمم المتحدة بنحو ٥٥ مليون طن من الأنقاض تحتاج أكثر من مليوني شاحنة لإزالتها، في حين تعاني غزة من نقص شديد في المعدات اللازمة لذلك. والازمة هنا ليست في المعدات فقط إذ حتى وإن سُمِح بادخالها الى القطاع فإن أغلب الطرقات في غزة أصبحت غير ممهدة وصعبة النفاذ وتنتشر فيها المنازل الآيلة للسقوط والتي تعمّد الاحتلال تركها دون اكمال هدمها بهدف قتل المواطنين بعد وقف العمليات العسكرية، مما يزيد الوضع تعقيداً لا سيما في المناطق السكنية المكتظة ذات الشوارع الضيقة. هذه المناطق التي كانت تأوي آلالاف من العائلات قبل ان تحولها اسرائيل الى ركام، من الصعب الوصول اليها واختراق شوارعها بدون إستخدام آلات ومعدات متخصصة، ومع انعدام الوصول السهل إليها يصبح استخراج الجثامين شبه مستحيل عملياً، في ظل غياب المساعدات الخارجية ومنع اسرائيل إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض.

المؤلم ان فرق الإنقاذ تضطر الى التوقف عن العمل في حال الكشف عن خطر وجود قنابل غير منفجرة والتي تُقدّر كميتها بأكثر من ٨٠٠٠ طن موجودة تحت ركام كامل قطاع غزة.

مأساة الجثامين المفقودة مأساة مضاعفة في مناطق غزة التي ما زال جيش الاحتلال الإسرائيلي موجود فيها (الخط الاصفر) وهي تشكل نحو ٥٣٪ من مساحة القطاع والتي لا يسمح الاحتلال لفرق الإنقاذ الفلسطينية من دخول هذه المناطق من اجل البحث رغم ادراك الجميع انها تحتوي على الاف الجثامين، والملفت هنا ايضاً ان العالم يطالب الفلسطينيين في غزة بانتشال جثث الإسرائيليين ولا يطالب او يضغط على الاحتلال بانتشال جثامين الفلسطينيين في المناطق التي لا تزال تحت سيطرته، في حين ان الاحتلال يمتلك المعدات اللازمة ويستطيع الحصول على مساعدات دولية للقيام بذلك.  

أما المشهد الأكثر ألماً فهو وجود بقايا الجثامين التي تركها الاحتلال عمداً في الشوارع حتى نهشتها الحيوانات، وأخرى تحللت بشكل كبير، يصعب حتى على ذوي الشهداء التعرف عليها. عملية تحديد هوية هؤلاء الشهداء تتطلب إجراء تحاليل الحمض النووي، إلا أن الاحتلال يمنع ادخال المواد اللازمة لهذه الفحوص الأساسية.

وتبقى المأساة الأكبر هي مسألة المفقودين والذين قد لا يعثر على جثامينهم ابداً. هؤلاء المفقودون يتوزعون في فئتين. اولاً الشهداء الذين استولى جيش الاحتلال على جثامينهم بحجة بحثه عن اسرى إسرائيليين وقام بدفنهم في مقابر جماعية صنفت تحت خانة مجهولي الهوية. ثانياً الشهداء الذين يجزم سكان غزة انه تم جرف اشلاءهم مع الردم الذي حملته شاحنات الجيش الأميركي من اجل بناء ما سُمّي بالرصيف البحري الجديد في مدينة غزة والذي كانت اميركا تدعي بأنها سوف تستخدمه لإدخال المساعدات الانسانية.

الخوف كل الخوف ان نُفاجأ في المستقبل و بحجة إعادة الاعمار ان تقوم الشركات الموكلة بذلك بجرف كامل انقاض قطاع غزة قبل ان يتم انتشال كل جثامين الشهداء فتبقى هذه مفقودة الى الأبد. ما يفتح الباب امام مأساة جديدة عنونها اختفاء ضحايا الابادة تحت مشاريع هندسية.

من سوف يقف في وجه هذه المجزرة المكمّلة لحرب الإبادة؟

 

وسط هذه الظروف المأساوية، وبعد مرور اكثر من شهر على الإعلان في شرم الشيخ عن وقف الحرب على غزة يوم ١١ اكتوبر الماضي بحضور دولي وعربي واسلامي لرؤساء وملوك وفي مقدمتهم الرئيس الامريكي، تتعالى تهديدات نتنياهو باستئناف العمليات العسكرية لاستعادة ما تبقى من جثث الأسرى، في حين يمنع أي جهود خارجية للمساعدة في البحث عنهم بينما سمح بتعاون محدود مع مصر، ويعيق بشكل منهجي الوصول إلي جثثهم من خلال الخروقات اليومية لقرار وقف الحرب، وقد اودت هذه الخروقات بحياة اكثرمن ٢٥٠ فلسطيني كلهم من المدنيين خلال رحلة بحثهم عن الطعام والماء. كل ذلك يجري على مرأى ومسمع الأطراف الضامنة لاتفاق شرم الشيخ التي تقف عاجزة امام تحدي الاحتلال الاسرائيلي للقرار، ويغيب دورها المحوري في التحرك الفعلي لوقف الحرب، والعمل الجاد على إلزام الاحتلال بما جاء في الاتفاق الذي كان يُفتَرَض ان ينهي هذه الحرب ويفتح جميع المعابر ويسمح بإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية. بالمقابل تحافظ المقاومة الفلسطينية على إلتزامها بوقف إطلاق النار وتسليم جثث الأسرى الأموات رغم كل الظروف القاهرة، في مشهد يُظهر انعدام العدالة في آلية تطبيق الاتفاق، وتناقض المواقف الدولية بين ما يُطلب من الفلسطينيين وما يُغضّ الطرف عنه عندما يتعلق الامر بالاحتلال الاسرائيلي.

و تبقى مأساة جثامين الشهداء الفلسطينيين المفقودة في غزة شاهداً على عمق الجرح الإنساني المستمر، وعلى حجم التقصير الدولي الذي يسمح باستمرار معاناة ممتدة لا تجد حتى الآن من يوقفها أو يرفع عنها الظلم.

إعلامي فلسطيني:

 

الآراء المطروحة تعبرعن رأي كاتبها أوكاتبته وليس بالضرورة أنها تعبرعن الموقف الرسمي

لـ"ريال ميديا" 

 

 

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات