الجمعة 29 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

مونديال فلسطين.. انتصار الأمل

  • 23:19 PM

  • 2022-12-24

نسب أديب حسين:

في عام 2002 اعتليتُ سطح بيتي لتعليق علم البرازيل إبان بداية المونديال، وبعد أن رأيتُه يلوح ويعبّ الهواء، قلتُ في نفسي:" ياه لو تصل فلسطين إلى المونديال، عندها سيمكنني أن أعلق علم وطني على سطح بيتي في شمال الجليل، دون مشاكل أو مساءلات". وتخيلت لو يحصل، ويصل منتخبنا الفلسطيني إلى المونديال، كيف سيظهر علمنا على الشاشات بين كلّ الأعلام، كيف سيُهتف لوطننا؟ فتراه وتسمع الهُتاف جميع شعوب العالم... بدا حلما أشبه بهلوسة.

وفي الترقب لمونديال قطر، قلتُ: "الله وأعلم إن كانت ستكون أيّ إشارة لقضيتنا الفلسطينية!"

نعم لم أبني الكثير من الآمال أو التوقعات على مونديال قطر، بخصوص تسليط الضوء على القضية الفلسطينية. إذ حصلت الكثير من النقاط الفاصلة في السنوات الأخيرة جعلتني أفقد تعويلي على شعوبنا العربية، وظننت أنّها تخلّت عن تضامنها معنا. فعبر لقاءات مع لاجئين أو مغتربين من أوطانٍ عربية في أوروبا، تمرّ بلدانهم في حروب داخلية جعلتهم ينشغلون في مشاكلها وقضاياها الخاصة، ممّا جعل بعضهم ينظر إلى معاناة شعبنا الفلسطيني إزاء ما مرّوا ويمرّون، معاناة بسيطة، وقضاياهم من تحتاج لتسليط الضوء. كذلك فإنّ ما يصلني من معلومات عن أساليب تعليم الطبقات العليا في أوطاننا العربية، بالإضافة لتقديم لغات وثقافات الاستعمار فيها من إنجليزية وفرنسية وتفضيلها على العربية. ثمّ معاهدات التطبيع عام 2020 و2021، وتسجيلات لمطبعين من الشعوب يتماهون فيها مع عدوّنا. كلّ هذا جعلني أؤمن أنّ قضيتنا الفلسطينية لم تعد تهمّ شعوبنا العربية، ولم تعد لدي أيّ توقعات في أن تنتصر لنا دولنا العربية أو الإسلامية، بل إذا ما كنت أسير في أزقة القدس، وسمعتُ شيخًا يكلّم آخر في فترة من الاعتداء على القدس والأقصى: ويسأل أين المسلمون أين العرب؟ كنتُ أتوقف وأسأله: عن أيّ أمة تبحث؟ ليس لنا إلا أنفسنا.

عندما بدأت الصور والمقابلات تصلني مثلما تصل غيري في أول يومين للمونديال المنعقد في قطر من 20/11 وحتى 18/12 من العام الجاري، من رفض عربي شعبي لوجود الإعلام الإسرائيلي هناك أو إجراء مقابلات معه، عبر تسجيل مواقف لشبان من قطر ولبنان ومصر وغيرها يرفضون إجراء المقابلات ويجادلون المراسلين حول حقيقة وجود "إسرائيل"، أو يخدعونهم بالقبول ليصرخوا في وجوههم "الحرية لفلسطين". وحينما بدأ يلوح علمنا وقضيتنا الفلسطينية، وهتافات الحرية لفلسطين في الملاعب، وخلال بث القنوات الإسرائيلية والتشويش على مراسليهم، فوجئتُ وفرحتُ كثيرًا. رويدًا رويدًا ويومًا إثر يوم، استمرت الدهشة التي تحوّلت إلى اطمئنان وسعادة بأنّنا لم نفقد كشعوب عربية، روح الانتماء القومية والانتصار لبعضنا بعضًا. بالانتماء إلى القضية الفلسطينية، بالتكاتف لتشجيع المنتخبات العربية الأربعة المشاركة (المغرب، قطر، تونس والسعودية)، والرد والسخرية من الادعاءات الغربية المروّجة ضد قطر كبلد عربي شرقي، وبما فيها بكلّ تأكيد "الإعلام الإسرائيلي" الذي عبّر وبكلّ وقاحة عن اعتذاره لمضيه الى دولة لا تحترم حقوق العمال والحريّة الشخصية، وهو يمثل كيانًا يمسّ كلّ يوم بحقوق الإنسان ويناقض المعاهدات الدولية.

قد يصعب على العربي البعيد عن تفاصيل الحياة اليومية في الوطن المحتل، إدراك هيمنة الاحتلال الإسرائيلي ليس فقط على أرض الواقع، بل أيضا على الأمل بالمستقبل، الشعور الباطني المتولد أنّ ما من مناص لنا. خصوصًا بعد ما مرّت به بعض دولنا العربية على أثر "الربيع العربي" وبالذات سوريا، وظهور منظمة إرهابية متطرفة مثل "د-ا-ع-ش" ممّا جعل الخطاب "الإسرائيلي" في الحياة اليومية يوجه لنا أسئلة مثل: "ألا ترون أنّا أرحم بكم من البلدان العربية؟ إن كنا لا نعجبكم اذهبوا إلى سوريا لتموتوا في الحرب هناك، أو على أيدي د-ا-ع-ش". مع تكريس للنظرة المتخلفة اتجاه الدول العربية.

بعقد معاهدة السلام والتطبيع مع الإمارات، رأى الإسرائيليون بأعينهم ما أدهشهم من التقدم العلمي والحضاري، لكن ازدادت قناعاتنا نحن الفلسطينيون أنّنا وقضيتنا صرنا طيّ النسيان.

مقابل كلّ هذا جاء مونديال قطر، بمشاهد تبعث الكثير من الحميمية في القلب والدمع في العين. مثل اقتحام المشجع التونسي (أمين) أرض الملعب حاملا علم فلسطين في 30/11، والالاف من الجمهور المغربي يغني أغنية "الحجاوي البيضاوي" لفلسطين خلال متابعة منتخبهم، ورفع العلم بعد انتصارات المنتخب المغربي، ووضع شارات على الأذرع تشير الى الكوفية أو العلم، وغيرها الكثير.

هكذا جاءتنا أيام المونديال بوجبات متلاحقة من الفرح، نطيّب فيها جراحنا، ونهرب عبرها في فلسطين من واقع أيام كانت عصيبة ودامية، إذ ارتقى من الشهداء خلال فترة انعقاد المونديال 21 شابًا وطفلة، بما يُعادل تقريبًا إعدام منتخب كرة قدم كامل مع البدلاء (26 لاعبًا)، بالإضافة إلى عشرات الإصابات في أنحاء مدن وقرى الضفة الغربية، ويضاف للقائمة شهيدين بعد انتهاء المونديال حتى تاريخ الكتابة.

اعتبر بعض غير المهتمين بكرة القدم والمونديال، أنّ الفرح المرافق لفوز كلّ منتخب عربي، واستمرار الاحتفالات في أنحاء فلسطين من الجليل المحتل شمالا وحتى غزة المحاصرة جنوبًا، احتفالا مبالغا فيه. في اعتقادي لم يكن الأمر كذلك، فنحن رأينا أنّ كلّ منتخب عربي يمثّلنا، والمغرب المستمر قُدمًا نحن، ونحن المغرب. إنّ الأمل والفرح يحتاج لرعاية ودعم مثل أيّ أمر آخر من متطلبات حياتنا، وبالذات في هذه الفترة الدامية، كنّا بأمس الحاجة فلسطينيًا لأن نرى أنّ شعوبنا العربية معنا وتدعمنا وتتذكرنا في هذا الحدث العالمي، لنتأكد ولو معنويًا: أنّنا لسنا وحدنا، مثلما صرنا نشعر في السنوات الأخيرة.

كان اهتمامي الأكبر بالمونديال ومتابعتي له من دور المجموعات خلال فترة فتوتي، عام 2002 و2006 بتشكيلة المنتخب البرازيلي الوحيد الذي اهتممت وقتها بحفظ أسماء لاعبيه وخاصة رونالدو وريفالدو وروبرتو كارلوس، ومتابعتهم حتى اعتزالهم. ومنذ حينه فإنّ متابعتي للمونديال كانت من دور ال 16 أو الربع. أمّا هذه الدورة من المونديال فتابعتها ولاعبي منتخب المغرب، مثلما لم أفعل منذ زمن. وجاء تألق هذا المنتخب العربي الإفريقي ووصوله إلى نصف النهائي، وإن كنت أؤمن أنه ظُلم بالتحكيم وكان يحقّ له الوصول إلى النهائي، جاء مرافقًا بانتصار تونس على فرنسا، والسعودية على الأرجنتين في دور المجموعات ليشمخ بآمالنا، ويرفع مستوى توقعاتنا وأحلامنا، وإيماننا بقدراتنا العربية.

هكذا بفضل الانتماء والوحدة العربية المتجليّة عبر هذا الحدث الرياضي العالمي، تمّ تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، كما لم يحدث منذ سنوات، بفعل السعي السياسي لدولة الاحتلال، لتغييب أهمية القضية، والعمل على تجاهلها وطرح قضايا أخرى على الساحة الدولية.

هذا المونديال شكّل صفعة كبيرة لدولة الاحتلال، أولا بدرجة تنظيمه وعدم وجود ترحيب شعبي به في قطر، فحاول اختلاق علل والترويج لها، خصوصًا مع الصدمة الأخيرة بمشاركة الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في حفل الختام، وبإلقاء البشت على قائد المنتخب الأرجنتيني الفائز ليونيل ميسي وتتويجه بها. وثانيًا بدرجة الدعم للقضية الفلسطينية، وهي عقبة ظنّ نفسه قد تجاوزها، وإذ به يجد علم فلسطين الذي يحاربه حيثما رُفع في أرضنا، يلوح حيثما يمّم وجهه هناك، وتكتب عنه الصحف العالمية في الشرق والغرب لتقول له أنّ فلسطين هي دولة 33، والأكثر ظهورًا في المونديال.

نعم في فلسطين ما زلتُ لا أستطيع أن أرفع بحريّة علم وطني فوق بيتي في الجليل المحتل عام 1948، ولا على أبواب مدينتي القدس المحتلة عام 1967، لكنّي أجد أنّ منتخب فلسطين المشارك في المونديال، أمّة كاملة وسجّلت أهدافًا لا تُحصى في مرمى الوعي والذاكرة، وهذا انتصارٌ يستحق الشكر والفخر، ويزرع أملا أن تنتصر لنا أمّتنا في ملاعب أخرى من ملاعب الحياة.

الآراء المطروحة تعبرعن رأي كاتبها أوكاتبته وليس بالضرورة أنها تعبرعن الموقف الرسمي

لـ"ريال ميديا" 

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات