الجمعة 29 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

بين (الحياد ) و ( الانخراط) في العلاقة الصراعية مع الاحتلال

  • 02:21 AM

  • 2022-10-28

بسام الصالحي*:

من المهم روية المظاهر التي بات عليها الوضع الفلسطيني الراهن بعد مسيرة تسعة وعشرين عاما من توقيع اتفاقية اوسلو ، والتغيرات التي حملتها على الصعيدين  السياسي،  والاجتماعي الاقتصادي ، بما في ذلك التغيير في الهيكل الاجتماعي الفلسطيني  ومركباته وما انطوى عليه من تغيرات ذات مضامين طبقية متنوعة ، بالاضافة الى التغير الضخم الذي حملته ولا تزال حالة الانقسام الفلسطيني  .
ان هذه المقالة المكثفة تتعرض الى  حالة التعاطي  مع التحديات الوطنية الراهنة  التي يفرضها الاحتلال ، ونعني  بها بشكلٍ خاص  تصاعد العدوانية الاسرائيلية المتزايدة ضد الشعب الفلسطيني والتي تتمثل في زيادة العدوانية العسكرية والامنية من جيش الاحتلال ومستوطنيه من جهة ، وفي ذات الوقت توسيع تدخلات ( الادارة المدنية ) الاسرائيلية واعادة التواصل المباشر من قبلها مع الجمهور الفلسطيني من الجهة الاخرى ، وكل ذلك في ظل الرفض الاسرائيلي الواضح لانهاء الاحتلال ، واستبداله في الواقع بتطبيق  ( صفقة القرن ) واجهاض اي افق سياسي للحل القائم على تنفيذ قرارات الامم المتحدة  .
ولا شك ان هذا الانكشاف في علاقة  الاحتلال المباشرة بشقيها العدواني والمدني الاسرائيلي مع الشعب الفلسطيني  ، ولد ويولد من الوجهة الاخرى مقاومة باسلة ومتحدية للاحتلال من قبل الشعب الفلسطيني ومن قبل اوساط الشباب فيه بشكل خاص في معظم المناطق تقريبا  ، وايضا تفاعلا مع ( التسهيلات) اكثر من اية فترات سابقة .
ان حالة تعاطي  الاطراف المركزية الفلسطينية مع هذه التحديات تتطلب تعديلا جذريا ، فواقع هذا التعاطي   يغلب عليه الميل الى  ( الحياد ) بدلا من تعزيز  ( الانخراط ) في مواجهة هذه التحديات  ، ونعني هنا في الاطراف المركزية كلا من السلطة الفلسطينية ( بشقيها ) في الضفة وغزة ، ومنظمة لتحرير الفلسطينية ، ثم القوى والفصائل الفلسطينية ، وبدرجات اقل يمكن انسحاب ذلك على موسسات ومنظمات المجتمع المدني بهذه الدرجة او تلك .  
ويساعد  الموقف الفلسطيني بالتاكيد على الطبيعة الصراعية للعلاقة مع الاحتلال،   بوصفها علاقة بين شعب محتل ودولة احتلال ، والتخلص من الالتباسات التي طبعت هذه العلاقة نتيجة الاتفاقات مع اسرائيل وما ترتب عليها من التزامات ، يساعد على تعزيز ( الانخراط) من قبل كل الاطراف المركزية في الصراع و التخلص بشكل كامل من ميول ( الحياد) بغض النظر عن اية تبريرات او انكار  لذلك .

ان هذه الاطراف رغم التفاوت بينها كمكونات وبين اطرافها في كل مكون ، انزاحت بشكل منهجي متزايد نحو ( الحياد ) في هذا الصراع بشقيه العدواني الامني، والمدني  الاسرائيلي ، بدلا من تعزيز ( الانخراط) الذي يشكل هدف  وجود   هذه الاطراف جميعا كمجاميع  وكمكونات في كل مجموع .
يسعى   الاحتلال  للتعامل مع السلطة الفلسطينية وفقا لخيارين ، اما الحياد من قبل السلطة  في تعامل الاحتلال مع ( متطلباته) الامنية وتسهيلاته المدنية ، او التعاون معه في تحقيقها بهذه الطريقة او تلك بما فيها غض النظر عنها وتقليص مستوى  رد الفعل   تجاهها ، وبالنسبة لسلطة غزة فانه يمارس ذات الضغط على قاعدة ( الامن مقابل التسهيلات )  .
وبغض النظر عن مدى التوقعات التي يتوخاها الاحتلال  من ذلك  والتي تعيقها طبيعة الجذور الوطنية والسياسية لمركبات السلطة الا ان الاحتلال يهدف الى زيادة ( الحياد)من هذه الاطراف كحد ادنى  ولا يتورع عن الضغط والمجاهرة بوقاحة من اجل ان تقوم السلطتان بتنفيذ مطالباته الخاصة في كل من الضفة من جهة وغزة من الجهة الاخرى .
وبرغم التفاوت في وضعية السلطة بين كل من الضفة وغزة ، الا ان المسعى الاسرائيلي المنهجي ( للتحييد) هو مسعى مستمر ومتواصل وتسانده  في ذلك التدخلات الخارجية من الولايات المتحدة اساسا ثم ايضا من الدول الاقليمية المنخرطة في الشان الفلسطيني وابرزها تركيا وقطر والامارات ، بالاضافة الى كل من مصر والاردن اللتان تتميزان بوضعهما الخاص مع القضية الفلسطينية .
في مقابل حالة ( التحييد ) بغض النظر عن درجته  ، فان المهم وقف هذا الاتجاه والتركيز على ( الانخراط ) كبديل موضوعي والزامي لمنع تكريس ( التحييد ) بصورة مقصودة او غير مقصودة ، و( الانخراط) هنا ليس امرا مستحدثا او طارئا فهذا هو مضمون دور الخركة الوطنية وكل مركباتها وهو مضمون دور منظمة التحرير التي قادت الثورة الفلسطينية المعاصرة ، والدور المفترض للسلطة الفلسطينية باعتبارها جزءا منها وباعتبارها سلطة ( انتقالية ) تاسست وفقا لذلك .
ومن الواضح ان ضعف ( الانخراط ) وتراجعه حكمتهما  عوامل مختلفة بما فيها عوامل موضوعية ولكن امر تغيير الاتجاه وتعزيز ( الانخراط) محكوم بالارادة السياسية وبالقرار السياسي والذي لا يخلو من صعوبات ولدتها المصالح والرؤى  المختلفة في مراكز القرار المتنوعة .
ان ( الانخراط) يحمل ترجمته عبر مظاهر واليات متنوعة يعززها الوعي  والمثابرة والمسؤولية  الوطنية ، ومنطلقها  الاساسي الانحياز الى الشعب والعمل في اوساطه وتلبية متطلبات صموده وعدم السماح بتركه وحيدا او بمبادراته الذاتية في مواجهة عدوانية الاحتلال او سياساته الاقتصادية ، بل قيادته وتنظيم هذه القيادة من اجل تحقيق الاهداف المشروعة لشعبنا في التحرر والاستقلال والعودة .
ان الاطار العام المذكور في هذه المقالة لا يعني مساواة الاطراف فيما ذكر فيها من اتجاه عام ، فهناك مستويات مختلفة وتباينات بذلك الا ان الحقيقة توكد انه بمقدار  انزياح كل طرف وكل مركب من مركبات البنية السياسية الفلسطينية نحو تعزيز هذا ( الانخراط) بمقدار ما يبرر وجوده الفعلي والقيادي للشعب الفلسطيني ، وهو بذلك يقطع الطريق على اوهام الاحتلال بتكريس حالة ( الحياد ) او التمادي فيها الى حد المطالبة ( بانخراط ) معاكس تحت سيل من المسميات والذرائع  المختلفة .
ان الطبيعة الصراعية للعلاقة مع اسرائيل بين شعب محتل ودولة احتلال ، والتخلص من الالتباسات التي طبعت هذه العلاقة نتيجة الاتفاقات مع اسرائيل وما ترتب عليها من التزامات ، يفرض في الواقع تعزيز ( الانخراط) والتخلص بشكل كامل من وهم ( الحياد) بغض النظر عن اية تبريرات او انكار  لذلك ، كما يفرض التمسك بهذا الموقف وعدم السماح بتمييعه او التراجع عنه .

*الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني:
*عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية:

 

الآراء المطروحة تعبرعن رأي كاتبها أوكاتبته وليس بالضرورة أنها تعبرعن الموقف الرسمي

لـ"ريال ميديا" 

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات