الثلاثاء 19 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

" ما قبل الرحيل ".... ق.ق

  • 16:23 PM

  • 2022-06-28

محمد نصار :

أسند جسده المنهك على حافة السرير، بعد أن أعياه التعب، نعاس لا يجيئ وسهد يوجعه، مد يده إلى المنضدة القريبة، أمسك بعلبة سجائره، تحسسها كما لم يفعل من قبل، ثم أخرج لفافة قلبها بين أصابعه مرات متتالية، قبل أن يشعلها ويمج أنفاسا منها، مذاق التبغ مختلف هذه المرة، همس محدثا نفسه، دون أن يفصح إن كان ذلك إلى الأسوأ أم الأفضل، ثم عاد يمج أنفاسها بنهم غريب، رفع رأسه جهة الحائط المقابل، فبدرت منه التفاته صوب الساعة المعلقة هناك، كانت تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل ، هدأة الليل من حوله أشعرته بشيء من الوحشة ونوم مازال بعيد المنال، جعله يعاند اللحظة وينهض من سريرة، ليصنع فنجانا من القهوة، وضع الركوة وراح يتأمل فراغ الشقة ووحشتها، فتداعت صور في الذاكرة، حاملة معها عبق سنين مضت وحكايا مازال صداها يتردد في المكان.

صوت اندلاق القهوة انتشله من تلك اللحظة، ملآ فنجانه وعاد إلى السرير، أشعل سيجارة أخرى وخطر له أن يهاتف أحد الأصدقاء، إلا أن نظرة على الساعة المقابلة، جعلته يحجم عن ذلك، نسمة باردة أتت من بقعة صغيرة في الجدار، كانت كنقطة ضوء في أعلاه، بدا الأمر غريبا للوهلة الأولى، حتى أنه تساءل مستهجنا: كيف حدث ذلك؟، لكن الأمر بدا أكثر تعقيدا وغرابة، حين راحت تتسع على نحو لافت، حتى غمر ضوؤها فضاء الغرفة بأكمله، شيء من الرهبة تملكه وسؤال تداعى بداخله: من أين جاء كل هذا الضياء والفجر لم تبزغ ملامحه بعد؟

أشعل سيجارة ثالثة محاولا تناسي كل شيء حوله، بل إنه في لحظة ما، أرجع كل ما يعتريه إلى الإعياء الناجم عن السهر وهذا النوم الذي لا يجيء أبدا، حاول إشعال التلفاز وإشغال نفسه عن ذلك كله، لكن شدة الضوء المنبعثة من تلك البقعة أعمته عن رؤية الأشياء من حوله، بل جعلته ينشد إليها كما لو كانت سحرا يغشاه ،حاول التمدد على السرير والتأمل في ما يدور في المكان، لكنه عجز وظل يتابع هالات الضوء المنبعثة من تلك البقعة وهي تتوالى تباعا وصورا تمضي لأناس يعرفهم ولا يجد سببا لمجيئهم في تلك اللحظة، بعضهم يدنو كما لو كان يهمس بشيء في أذنه ثم يبتعد وبعضهم ينظر من بعيد بابتسامة تجللها مسحة حزن ظاهرة.

صوت المؤذن في المسجد القريب، يعلو معلنا مولد فجر جديد، وصخب الأشياء من حوله يزداد ويطغى على صوته، الذي راح يبتعد وكأنه يمضي إلى أفق بعيد، خدر يسري في الحواس وصمت يطبق على المكان، فيما الصور تتابع أمام عينيه دون أن يحرك ساكنا.

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات