الثلاثاء 19 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

العنف ضد النساء أسبابه وطرق علاجه

  • 01:05 AM

  • 2022-06-27

د. محمود عبد الفتاح المقيد:

العنف ضد المرأة في المجتمع شائك ومعقد، وقد أفاض الباحثون والمختصون الاجتماعيون في الحديث عنه. وإذا أردنا أن نتناول الأمر من زاوية علمية موضوعية سنجد أن الجهل المتراكم والوضع الاقتصادي والنزعة القبلية العائلية يلعبان دورا كبيرا في انتشار هذه الظاهرة وتفشيها في المجتمع.

مشكلتنا في غياب التنوير والوعي:

إن التنوير أهم من التعليم في بناء الأوطان والمجتمعات الإنسانية، إننا نعاني من الجهل الثقافي الذي يعتبر أخطر بكثير من الجهل العلمي أو الأكاديمي، فمن الممكن لأي مجتمع قبلي أو عشائري أن يدخل أبناءه أرقى وأفضل الجامعات، لينالوا فيها أعلى الشهادات أو الإجازات العلمية .. لكنهم عندما يعودون إلى بيوتهم أو مجتمعاتهم الصغيرة يرتكبون جرائم ما يسمى بالشرف، أو يضربون زوجاتهم أو يهينوهن أو يقمعون بناتهم أو يحرمونهن من حقهن في الميراث، وتجدهم يمارسون المحاباة أو التعصب للعادات الجاهلية المقيتة في عشيرتهم.. إن التحضر لا يقاس بالقدرة على إنتاج المظاهر المادية للصناعة والتكنولوجيا، ولا بكثرة الشهادات العلمية، وإنما يقاس بالقدرة على صناعة الإنسان المتسامح الذي يقبل الآخر ويتقبله، الذي يفيض بالإنسانية والوعي، الذي ينزه نفسه عن إلحاق الأذى بالآخرين.. وهذا ما لا يمكننا أن نصل إليه إلا بالتسلح بالقيم والأخلاق الإنسانية النبيلة. أسباب العنف ضد المرأة وعوامل وجوده وبقائه:

وإذا أردنا أن نتناول أسباب هذا العنف وجدنا أنه ناتج عن عقلية ذكورية لا تعترف بحقوق المرأة، وتعتبرها ضلعا قاصرا، ضعيفا، ومصدرا لكل سوء ونقيصة، تلك العقلية التي توارثتها الأجيال منذ قديم الزمان، وظلت تمارس الإهمال والإقصاء لنصف المجتمع، وحرمانها حقها الطبيعي في العمل والشراكة والحقوق والمسؤوليات مع الرجل. والذي يزيد تلك العقلية رسوخا وثباتا وانتشارا أمران مهمان: أحدهما جهل المرأة نفسها بحقوقها والتعامل مع نفسها كتابع للرجل، أو كأحد مكونات المجتمع المهملة التي لا يتعدى دورها حدود مطبخ المنزل، والحمل والولادة وتربية الأطفال، فهي راضية بالأمر الواقع كما هو، ولا تحاول أن تهز جدار الصمت الذي يحيط بعقلها ونفسها وتفكيرها، مما جعل الأمر يبدو وكأنه مألوف لا يمكن قبول تغييره أو تعديله أو تبديله. وصدق الرئيس البوسني بيجوفيتش حين قال: "حينما نعلم الإنسان التفكير، فإننا نحرره، وحين نلقنه فإننا نضمه للقطيع". الأمر الثاني: يتمثل في عدم وجود عقوبات رادعة وتشريعات واضحة تمنع أي تعديات ضد المرأة وتكون سياجا منيعا حول المرأة باعتبارها كيانا هاما وعنصرا إيجابيا وفعالا في المجتمع، مصونة الحقوق والكرامة، لها شخصيتها ورأيها، آمنة على نفسها من كل مسببات التعنيف والتهديد والقهر والإذلال الجسدي والنفسي. ولا ننسى أن لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي دورا في تكريس حالة الذل والإهانة ضد المرأة من خلال نشر منظومة – يظن الكثيرون للأسف أنها تنطلق من الدين - قوامها التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الذكورة والأنوثة، وعدم المساواة بينهما، وعدم الاعتراف بأنها حرة في رأيها وثقافتها ومالها وحياتها ومستقبلها.
مظاهر العنف ضد المرأة وآثاره الوخيمة:
ولو أردنا أن نتناول - على سبيل المثال - أبرز ما تتعرض له المرأة في مجتمعنا العربي

سنجد أنها تتعرض للاستهزاء بها وبقدراتها وللتحطيم النفسي من خلال تهديدها بما لدى الرجل من صلاحيات مطلقة يكرسها النظام العشائري أو النظرة الاجتماعية الدونية للمرأة المطلقة أو الأرمل، فعيون الناس لا تكف عن مراقبتها ومتابعتها، وألسنتهم لا تتوقف عن توجيه اللوم الدائم لها في كل خطوة تخطوها، وربما وصل الأمر إلى تحقيرها والحط من قدرها ومنزلتها، لا لذنب اقترفته سوى أنها قررت أن تمتلك قرارها، وأن تحترم نفسها، ورفضت أن يتم التعامل معها بدونية، ورفضت السيطرة المطلقة التي جعلت من الكثير من النساء يشعرن بالاكتئاب والخوف والقلق المزمن، والأمراض النفسية والعصبية، بل وحتى العضوية أحيانا... نتيجة عزلين اجتماعيا، أو تعريضهن للضغط الشديد، فيقمن بالكثير من التصرفات رغما عنهن، وتحت وطأة الإكراه والتسلط والقهر الأبوي أو الزوجي أو الاجتماعي على وجه العموم.

سبل مناهضة العنف ضد المرأة مواجهته:

أعتقد أن هناك حلولاً وطرائق جدية للخروج من عنق الزجاجة، وللحد من ظاهرة العنف ضد المرأة، وربما ضد الفئات المهمشة عموما في المجتمع العربي. ومنها ضرورة التوعية

2

الأسرية، بحيث ينشأ الطفل - سواء أكان ذكرا أو أنثى - في بيئة صحية سليمة، تسمع له وتحترم رأيه، وتنمي تفكيره، بعيدا عن الإيذاء والعنف بكافة أشكاله، وهذا لا يتم إلا بالعمل الجاد على تغيير الثقافة الهدامة السائدة في البيئة العربية .. صحيح أن هذا يستغرق وقتا طويلا وربما أجيالاً، ولكنه خطوة ضرورية وفي الاتجاه الصحيح لتعديل التصرفات الخاطئة تجاه المرأة، وهو من مسؤولية أولي الأمر والمثقفين وأرباب القلم والفكر والمهتمين بالشأن الاجتماعي، إذ إن هناك منظومة سائدة من العادات والتقاليد والأفكار المتوارثة يجب التصدي لها ومحاربتها بما يناسب كل زمان ومكان وبشكل متدرج، وبجهود مشتركة من كافة المؤسسات الفاعلة في الدولة، وهي تبدأ – كما أسلفنا - بولاة الأمر والقيادات، ومن ثم بالمناهج الدراسية، وتمز برجال الإصلاح والوجهاء، وتنتهي بكل فرد منا في بيته وبين أفراد أسرته وذويه والمقربين منه.

كذلك لابد من وضع القوانين والتشريعات التي تقع على عاتق السلطة التشريعية، مع ضمان متابعتها وتنفيذها بمصداقية وشفافية، ودون أي تلكؤ أو تباطؤ، بحيث يتم من خلالها تعزيز دور المرأة، وفرض عقوبات رادعة لمن يخالفها أو يتعدى عليها..، والأهم من ذلك كله أن تكون المرأة نفسها مقتنعة بنفسها وبقدراتها وحقوقها المادية والمعنوية...

أهمية الاستقلال المادي بالنسبة للمرأة:
ولا يخفى على أحد أن كل ما ذكرناه سابقاً لا يتحقق إلا بالاستقلال المادي للمرأة، فهي إذا اكتفت من الناحية المالية والاقتصادية تستطيع أن تدافع عن نفسها وعن اختيارها .. فالتبعية المالية تجعل المرأة خاضعة للإملاءات والقرارات المجحفة بحقها، وهنا لابد من وجود دور فاعل.
ضرورة تهذيب الخطاب الديني وتنقيته:
في مجتمعنا العربي والإسلامي لابد أن نعترف أننا بحاجة لمراحل طويلة من التنوير الديني والثقافي الذي هو أهم من التعليم المدرسي القائم على التلقي والحفظ .. ولربما وصل التنوير إلى الكثير من الشابات أو ربات البيوت وغيرهن .. قبل المتعلمات وذوات الشهادات الرفيعة أكاديميا..! إن غايتنا هي بناء الإنسان والارتقاء به، وأي فكر أو دين لا يقوم على هذا الأساس سيكون ظلاميا ورجعيا متخلفاً.. إن كرامة المرأة من كرامة الرجل والمجتمع بكافة شرائحه، كنا قديما نردد – وما زلنا - قول حافظ إبراهيم:
من لي بتربية النساء فإنها * في الشرق علة ذلك الإخفاق الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت شعبا طيب الأعراق

حقا إن الإعداد الجيد للمرأة يعتبر صلاحا وقوة وعزة للمجتمع بأكمله .. وفي هذا السياق لابد من مراجعة الكثير من الأحكام أو القواعد الفقهية التي كان لها بالغ الأثر في تشكيل الصورة النمطية والوعي الشعبي العام في مجتمعاتنا تجاه المرأة، فالفقه يندرج في إطار الفكر الديني القابل للاجتهاد، والاجتهاد بحد ذاته عمل بشري يحتمل الصواب والخطأ، ولا يمكن أن يصل إلى حد القداسة التي تكتسبها الشعائر الدينية التعبدية الأخرى.

وأخيرا يجب ألا نغفل دور الخطاب الديني ووسائل الإعلام التي تعمل على تعزيز الثقافة السلبية ضد المرأة، وهذا يضع مسؤولية مضاعفة أمام السلطة التنفيذية في الدولة وولاة الأمر في حماية المرأة ومساعدتها، ومن ثم الحزم وممارسة الرقابة الصارمة ضد كل ما من شانه أن يسيء للمرأة أو يعرضها للعنف أو الأذى.. وذلك انطلاقا من الفهم الصحيح للدين أولاً، ومن النزعة الإنسانية التي تتعامل مع المرأة باعتبارها روحا ومشاعر وكرامة، لها احترامها وتقديرها قبل أن تكون جسدا وكيانا مادياً.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات