الخميس 18 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

مسلسل "ميلاد الفجر"* ... خطوة رائدة في صناعة سينما فلسطينية

  • 03:22 AM

  • 2021-05-06

مصطفى النبيه :

غزة كعادتها تخرج من الرمضاء واثقة الخطى تنتصر للحياة، تدرك دور السينما في رسم واقع جديد يسهم في إعادة صياغة الرواية الفلسطينية بشكلها الطبيعي ونفضها من الحالة الضبابية إلى النور، فغزة، المدينة المغلقة، معجونة بالمآسي والبطولات والتضحيات، فلا أبالغ لو قلت إن كل بيت وشارع وزقاق في هذه المساحة الضيقة يحتوي على عمل درامي، يفتح شهية صناع السينما لينهلوا من خيراته. والحديث عن الشهداء والأسرى وتجربتهم النضالية وتضحياتهم وعطائهم اللامحدود يؤهلنا أن نصنع مئات الأفلام والمسلسلات، فهم نماذج مشرّفة في الحكاية الفلسطينية، وعلى الأجيال أن تستسقي من تجاربهم.. وُجدت السينما لتصنع لنا فضاءات من الجمال والمعرفة والتشويق وتثقفنا وطنيا وإنسانيا. ومن خصائص سينما المقاومة، أولا: أن تتحرر من الأنا والحزبية. ثانيا: أن تكون حاضنة للشعب الفلسطيني. ثالثا: أن تكون مقنعة للعالم في معالجتها الفنية والبصرية.  وعندما تتوفر هذه الشروط ستكون وسيلة من وسائل النضال التي ستخدم القضية في كافة المحافل وستسهم بتغذية الأجيال بالأفكار البناءة والمعرفة التي تحتكم للعقل وتخاطب الأفئدة.

السمة الأساسية التي تميز صناعة السينما، العمل الجماعي، الأنا والنرجسية لا يصنعان سينما، فلن ينضج أي عمل فني ما دمنا نعتمد على الخطابة والتنظير ونبصر من ثقب إبرة ولا نرى من الكون إلا لونا واحدا، فلا يُعقل على صنّاع الإبداع أن يحصروا فعل النضال الفلسطيني بحزب بعينه. أنا لا أعارض أن يفتخر كل فصيل بأبنائه ويصنع عنهم مئات الأفلام، هذا من واجبه، ولكنَّ الأجمل عندما نسلط الضوء على فئة معينة أو مرحلة زمنيه وتاريخية، ألا نهمش الآخرين. علينا أن نبتعد عن الفئوية والحزبية وألا نحصر المقاومة بالجهة المنتجة ونتناسى باقي المجتمع، وفي النهاية نخرج بتجزئة باقي المجزء ونغذي الفئوية. والنتائج للآسف ستكون سلبية ولن تمنح العمل قوة، وسيكون الجمهور المستهدف هو الشخصيات التي تنتمي  لنفس الحزب المنتج  وبهذا تضيق الدائرة ، فالمَعيب دوما  لو تخيلنا  بأننا نتميز عندما تستعبدنا الأنا وننفرد بالتغريد المنفرد  ونتجاهل الكل الفلسطيني، سر الجمال الحياة لا يكون بالانفراد والتهميش بل بالمنافسة الشريفة، فالحديث بالشكل الجمعي يمنحنا قوة، وقلوبا متفتحة تستوعب الكل الفلسطيني .  فأتمنى على كتّاب السيناريو في المرحلة القادمة عندما يتحدثون عن التجربة النضالية ومراحل تاريخية مازالت حاضرة في الذاكرة ألّا يهمشوا الآخرين، فعلى الأقل أن يتم استعراض الأجواء العامة وطبيعة الحياة والمرحلة الزمنية والتاريخية.

  "ميلاد الفجر" مسلسل يتناول قصة حقيقية لهروب ستة فلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي في شهر رمضان في السابع عشر من آيار عام 1987.

  حيث تبدأ الرواية من خلال ابن شهيد يعمل في داخل الأراضي المحتلة، يعود إلى بيته أثناء منع التجوال، فيكتشف أن ابنه الوحيد يعاني من ارتفاع بدرجة حرارته، فيقرر أن يكسر منع التجوال ويأخذه للمستشفى. وفي الطريق يلتقي بجنود الاحتلال فيمنعونه من مواصلة سيره ويطلبون منه أن يلقي ابنه على الأرض، ويتم اعتقاله وتعذيبه بشكل وحشي همجي. وبعد فترة يطلق سراحه فيبحث عن سلاح والده الشهيد المدفون تحت الشجرة فيشاهده أحد العملاء ويشي به فيتم اعتقاله ويعود للتعذيب للمرة الثانية بنفس الطريقة الوحشية. وأثناء سجنه يلتقي مع فصيل من فصائل المقاومة ويتم تكليفه بعمل جهادي وهو أن يساعدهم حتى يتمكنوا من الهروب من سجن غزة المركزي. وتتواصل الأحداث وتبدأ عملية المقاومة في المحافظات الجنوبية والشمالية من إعداد مقاتلين وتدريبهم وتنفيذ عمليات حتى يأتي يوم ويستشهد الأسرى الذين فروا من السجن، ويواصل "جهاد " المقاومة.

يستعرض المسلسل أيضا حادثة استشهاد العمال من قبل إسرائيلي متطرف قام بدهسهم واندلاع انتفاضة الحجر عام 1987 وتستمر العمليات البطولية خلال الحلقات ...

 قبل قراءة المسلسل والحديث عن التفاصيل وخاصة مقومات البناء، أقولها وبصراحة، نحن أمام كاتب سيناريو مبدع، الأستاذ زكريا أبو غالي والذي يبشر بالخير. قدّم خطا دراميا واضح المعالم وتجربة فنية رائعة رغم بعض الهفوات التي ظهرت في سياق العمل وخاصة في المعالجة الفنية، وأحيانا في البناء والحوار الخَطابي وجغرافيا المكان بين المحافظات الشمالية والجنوبية، وتنقّل قائد الاحتلال بين غزة والضفة، وكأن الاحتلال مجرد أشخاص.

 فمثلا في الحلقة الأولى يأتي "جهاد "الذي يعمل داخل الأراضي المحتلة في منع التجوال ليكتشف أن ابنه مريض فيأخذه للمستشفى للعلاج، وفي طريقه يلتقي بجنود الاحتلال، وبشكل همجي وسريع يفرض عليه أن يلقي ابنه على الأرض ويتم اعتقاله ويترك خلفه ابنه ملقىً على الأرض. الهدف من ذلك إظهار وحشية المحتل، وهذا جيد ولكن، بخصوص المعالجة للمشهد كانت ضعيفة لم تقنع المشاهد، فنحن نتحدث عن عامل يخرج أثناء منع التجوال وهذا إن دل فهو يدل على أنه يملك تصريح خروج للعمل، وهذا يفقد مصداقية المشهد والسؤال المحير لماذا كل هذا التعذيب بعد اعتقاله؟!

 كان بالإمكان أن يبدأ المشهد داخل البيت...  الابن مريض والأب والأم في حيرة من أمرهما وهم يصغون إلى حركة العربات الإسرائيلية التي تقتحم المخيم وصوت الجندي وهو يعلن منع التجوال، يتصاعد التوتر النفسي للأسرة مع ارتفاع درجة حرارة الابن، فيقرران كسر المنع لمعالجة ابنهما. وفي الطريق تحاصرهما قوة إسرائيلية ويمنعونهما من الحركة. يسخرون من الأب والأم ويقومون بحركات استفزازية تغضبهم، يتلذذون بمعاناة الطفل، تتعالى ضحكاتهم كلما زادت حالة الطفل سوءا. وفي النهاية يثور الأب، يدفع الجندي ويواصل سيره لينقذ ابنه فيتم اعتقاله. ونشاهد التعذيب الوحشي داخل السجن وبهذا يكون الأمر مبررا ومبنيا على نتيجة.

ثانيا: مشهد السائق الذي يرقص ويطلب الجندي من أمه أن تصفعه، مشهد مؤثر جدا. من عاش هذه الفترة الزمنية يذكّره الوجع بتفاصيله.

المعالجة لهذا المشهد كانت ضعيفة ،على صعيد الشكل والمضمون، كنا بحاجة أن نرى عبقرية الممثل وقدرته على تفجير المخزون العاطفي ليؤثر في المتلقي وكذلك فلسفة المخرج بالتقطيع وبناء اللقطات، فنحن نتحدث عن امتهان آدمية الإنسان، فلو تم معالجة هذا المشهد بحرفية سيبقى في الذاكرة حتى بعد نهاية المسلسل.

ثالثا: بخصوص مشهد الطفل المريض الذي استشهد على الحاجز، يحتاج لإعادة معالجته حتى   يوثّق جريمة تستهدف الطفولة ويبرر قتل جنود الاحتلال وهم نائمون داخل الخيمة بالبلطات والسلاح الأبيض.

رابعا: حادثة استشهاد العمال بعد دهسهم، الحدث الذي أسهم في انتفاضة الحجر، تم معالجته بشكل سريع، لم نعش لحظة مع معاناة العمال، لم نر كيف كان يتربص بهم المتطرف الإسرائيلي ويراقبهم وهم ما بين اليقظة والنوم، وآلية تنفيذ الجريمة فما شاهدناه كان حدث عابر وسريع، حتى الحديث عن انتفاضة 87 مرت بشكل هامش وكأنها حدث عادي. للأسف كان التركيز أكثر على مزايا الحزب في المقاومة وتناسينا الجميع   

خامسا: استشهاد الأسرى المحررين في الحلقة الثامنة عشرة بعد اشتباكهم مع الاحتلال.

رغم أنه من المشاهد القوية المؤثرة إلا أن المعالجة كانت هزيلة. فهل يعقل أن نرى عربتين للمقاومة ولشخصيات مستهدفة من قبل الاحتلال تقف في الشارع العام وتنتظر فترة من الزمن وكأنهم ينتظرون قدوم الاحتلال لينهوا المشهد. فحتى لحظة مفاجأتهم من قدوم دورية الاحتلال   كانت مفبركة. الحلقة 18 من الحلقات المميزة بصريا وإيقاعياً، تخيلت للحظة أن هذه الحلقة ستكون نهاية العمل بعد استشهاد الأسرى المحررين وهروب "جهاد " والذي يرمز لاستمرار المقاومة. ما السر خلف استشهاد كافة الأسرى المحررين في الحلقة 18 واستمرار العمل؟! كان بالإمكان أن يكون استشهادهم في نهاية الحلقة الثلاثين ويبقى العمل محوره هروب الأسرى والمقاومة إلا إذا كان الهدف توثيقا تاريخيا لعمليات الحزب.

السؤال الذي يراودني بعد قراءة أي عمل فني، من الفئة المستهدفة من العمل؟ هل رسالتنا محصورة محليا، أم نريد أن نتحرر ونروي للعالم واقعنا اليومي، لينتصر لقضيتنا العادلة؟

مسلسل "ميلاد الفجر" التجربة الثانية للمخرج المبدع حسام أبو دان، والذي بدأ يتطور بشكل ملحوظ على الصعيد البصري، حيث تجاوز الهفوات التي سقطت منه في العمل السابق. وهذا يبشر بميلاد فجر لمخرج جميل يمتلك أدواته ويلتف حوله مجموعة من المبدعين انتصرت للشكل وأغمضت أعينها لحظات عن المضمون، فالتكوين البصري للقطات جميل والمَشاهد تسير بانسيابية يحلق بها مجموعة من الممثلين المحترفين، بداية من بطل المسلسل الفنان "غسان سالم " الذي قام بدور "جهاد " الشخص الغامض الذي يعتمد على الإيماءات في التعبير، ورغم طاقة الفنان الإبداعية إلا أن انفعالاته من بداية العمل حتى نهايته سارت بوتيرة واحدة، وهذا خلل واضح يتحمله المخرج، وأيضا هناك خلل في بناء العمل..  فمثلا بعد اعتقاله للمرة الثانية أصبح في دائرة الشبهات، وهذا بناء على حديث الشيخ الذي قام بدوره الفنان " بلال الزيني " حيث خاطب الفنان الجميل "لؤي نجم الذي قام بدور " أسامة " وصرح له بهذه المعلومة،  وبعد ذلك  أصبح "جهاد " محور المقاومة ومضت الأحداث بشكل طبيعي وهذا يعد شرخ في البناء فالمفردة لا بد أن تكون مفتاح للحدث والشخصية ، رغم الاختلاف بالمواقف لم تتغير ملامح  "جهاد " وانفعالاته ولم تتطور شخصيته،  وهذا الانطباع تكرر أيضا بشخصية الفنان القدير "جواد حرودة"  الذي قام  بدور "فكتور" ، فهو شخصية مسطحة تعتمد على الصراخ  والانفعال الواحد، وهذا ضعف يتحمله المخرج .  جميل أن نهتم بجماليات التكوين واختيار المواقع والزوايا وبناء اللقطات المعبرة ولكن من المهم أيضا أن نهتم بالممثل ونرسم إيقاعا خارجيا وداخليا للشكل والمضمون من خلال تقطيع الحوار بشكل هندسي وكأننا نكتب قصيدة على بحر من البحور، وأي خلل في الوزن يكسر الإيقاع.  تكرر مشهد العنف بنفس الطريقة والشكل يضعف المضمون لدى المتلقي، فالعين تحب التنوع. مسلسل ميلاد الفجر يحمل نماذج من المبدعين   وعلى رأسهم الفنان القدير على أبو ياسين الذي أبدع بتلقائيته في تمثيل دور الأب. ولا أعلم لماذا اختفى بعد الحلقة السابعة عشرة... وجود وغياب الممثل لا يكون بشكل عبثي فالعمل الفني بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا وأي خلل في الشكل الداخلي والخارجي يساهم بالانهيار. في هذا العمل أبدع الفنان المخضرم زهير البلبيسي بدور الخال، والفنان المتألق محمد أبو كويك بدور " الدكتور "، والفنان المبدع "على مهنا " الذي تألق بدور سراج، حتى تخيلنا للحظة أنه شخصية المقاوم الحقيقية، والفنان الموهوب "سيف أبو سيف " والذي جسّد بفن وإتقان شخصية بطل السلاح الأبيض الفنان، كما ابدع الفنان "برنج المدهون " و الفنان "حسن الأشرم "، والعديد من الفنانين المشاركين في العمل.

 ما يميز هذا المسلسل، المشاركة النسائية المميزة التي تركت انطباعا جميلا لدى المشاهدين، بداية من الفنانة القديرة "كاميليا أبو سمك "التي قامت بدور أم جهاد، والفنانة المتميزة "لينا الأسطل" التي قامت بدور الدكتورة، والفنانة " ديانا الأيوبي " التي قامت بدور زوجة جهاد، والعديد من الشخصيات النسائية المبدعة.  جمال هذا المسلسل يكمن بما يقدمه لنا من طاقات شابة متميزة.

 أي عمل في الكون لا يصل لمرحلة الكمال... نحن نجتهد بالقراءة عندما نجد عملا جميلا، والهدف من ذلك أن نبحث عن الأجمل في تجاربنا القادمة. لذا سنتحدث عن بعض الملاحظات في بناء الشخصية، فهناك شخصيات نامية وشخصيات مسطحة، وعلى المخرج أن يغوص في عمق الشخصية ويدرس نفسيتها ولا يكتفى بالشكل الخارجي، وخاصة عندما نتناول شخصية العدو المتمثلة بشخصية " فكتور " الانفعالي المتوتر الذي يعتمد في أدائه على الصراخ، فجميل أن تظهر ذكاء المقاومة ولكن من غير المستحب أن تظهر غباء العدو المطلق، فإن كان بهذا الغباء فما سر وجوده؟ فلا يعقل أنه لا يتقن إلا فن الضرب، فغالبية الشعب تعرض للاعتقال، والجميع يعلم أن هناك وسائلَ قذرة كان يتّبعها المحقق وخاصة التأثير النفسي للحصول على أية معلومة، فالتعذيب لا يقتصر على التعذيب الجسدي بل هناك أساليب نفسية فتكرر نفس مشهد التعذيب أفقده قيمته الإنسانية. علينا أن نركز جيدا ونحن نبني المشهد، فمثلا عندما قام الاحتلال بتشغيل المروحة على الخال الفنان المبدع "زهير البلبيسي " والذي أوحى لنا أنه يرتعش من البرد، بعد ذلك نشاهد المقاومة أمام المغارة في المحافظات الشمالية وهي تلبس ملابس صيفيه...! هذا الهفوة يجعل العمل بدون مصداقيه.

هناك سؤال محير...!

لماذا اختار الكاتب والمخرج شخصية العميل الذي قام بأدائها الفنان الكوميدي ثائر أبو زبيدة، عبارة عن شخصية مرحة متسامحة، إنسان يعيش بأسرة نموذجية ويمتلك إمكانية مادية وعلاقات اجتماعية ثم يتطوع ليخدم الاحتلال وكأنه يريد أن يظهر أنَّ الفلسطيني يسقط بناء على رغبته...!  وهل يعقل أن إنسانا خائنا يتجسس على أسرته ويبيع وطنه يحاول حماية أخيه أمام المحتل المتمثل بشخصية "فكتور"؟

لقد عانينا من تشويه الشخصية الفلسطينية واتهامها بالخيانة رغم أن من يتابع ملف من سقطوا بالعمالة يعلم أنهم كانوا ضحايا قام المحتل باستغلالهم واستدراجهم بأسلوب أو بآخر.

وأخيرا.. نحن أمام عمل جميل راقٍ يروي الحكاية الفلسطينية وانتماء الفلسطيني لأرضه وشعبه، من أبطال هذا العمل الفنان الموسيقار المبدع "جبر الحاج " الذي أمتعنا بموسيقى تجسد الواقع. فكل الاحترام والتقدير لكل من أسهم في هذا التجربة الجميلة وإلى الأمام دوماً.

* للمخرج المبدع "حسام أبو دان" وللسيناريست المتألق "زكريا أبو غالي "

 

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات