الخميس 18 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

المصالحة الفلسطينية بين الاجواء الايجابية والخطوات الجدية المطلوبة*

  • 14:44 PM

  • 2020-12-31

وليد العوض*:

على مدار أربعة شهور عاش الشعب الفلسطيني فسحة من التفاؤل متعلقاً بحبال من الامل المنبعث من سلسلة الاتصالات واللقاءات التي انطلقت أملًا في تحقيق النجاح بإنهاء الانقسام المدمر واتمام المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية باعتبارها الخيار الذي لا بد منه لمواجهة المخاطر والتحديات الجمة التي تواجه القضية الفلسطينية ،مرحلة التفاؤل هذه بدأت في الثاني من تموز الماضي عبر المؤتمر الصحفي الذي عقد بين رام الله وبيروت بمشاركة الاخوين جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح والاخ صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس وما حمله هذا المؤتمر من روح ايجابية ومؤشرات سياسية هامة تركزت في التأكيد على الموقف الفلسطيني الموحد الرافض لخطة ترامب - نتنياهو وضرورة التصدي للإجراءات الضم التي كانت حكومة الثنائي نتنياهو-غانتس قد اعتبرته احد أهم ركائز تشكيلها، وكذلك التأكيد على رفض مسار التطبيع الذي بدأته الامارات ومن ثم البحرين والسودان هذه المسار الذي بدا كمؤشر واضح على حالة التردي والانهيار الذي وصل له النظام الرسمي العربي.

كما وركز المؤتمر في حينه على التأكيد على دور منظمة التحرير الفلسطينية و رفض كل محاولات التشكيك والمساس بمكانتها كممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وبالتالي اغلاق كل الابواب التي راهنت اولاً باستمرار العزف على أوتار الانقسام والنفاذ عبر شقوقه لخلق التباس امام الرأي العام بإمكانية قبول اي من الاطراف على الساحة الفلسطينية للتعامل مع صفقة القرن باي شكل من الاشكال وبهذا الموقف الموحد الذي ركز على تلك المسارات يكون الباب قد أوصد امام الصفقة بكل مساراتها التي انطلقت محاورها كافة من السعي لتكريس واقع الانقسام وتحويله لانفصال دائم وجعل قطاع غزة مركزا لحل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الامريكية، والقفز عن التمثيل الفلسطيني الموحد والالتفاف على منظمة التحرير وبالتالي القفز على كافة إنجازاتها خاصة في مؤسسات الشرعية الدولية والاقليمية، وتشريع ضم اجزاء واسعة من الضفة وتحويل المتبقي من أراض الى كانتونات معزولة، علاوة على تكريس ضم القدس واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال علاوة على تصفية قضية اللاجئين.

ومن زاوية أخرى فإن ما جاء في ذلك المؤتمر وعلى لسان الرجل الثاني في حركة حماس من تأكيد على دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية ورفض محاولات التشكيك بها والالتفاف على دورها بل وأكثر من ذلك التأكيد على الالتفاف حول الرئيس أبو مازن والتأكيد على مكانته الشرعية ليغلق الباب ايضاً امام كل محاولات استغلال مأساة الانقسام ودغدغة المآرب الكامنة لدى البعض نحو امتطاء موجة السعي المشبوه لإيجاد مرجعية بديلة تقبل بهذا المسار التصفوي المذل.

كما ركز المؤتمر المذكور على عناصر مهمه يمكن لها ان تشكل منطلقات وركائز مدخلاً يعزز المنحى لإنهاء الانقسام واخراج الوضع الفلسطيني من الحالة البائسة التي وصلت اليها بمفاعيل ومؤثرات الانقسام وتداعياته المؤلمة ،وقد مثل التوافق على تصعيد المقاومة الشعبية لمواجهة الاحتلال والاستيطان وخطة الضم وتشكيل قيادة موحدة تتولى وضع برامجها وتضع اليات عملها بما يضمن اوسع مشاركة سياسية وشعبية تعزز من امكانية تطورها وتصاعدها وصولاً لانتفاضة شاملة وعصيان مدني تام ، كما ان ما حمله المؤتمر في حينه من استعداد الحركتين للبدء بحوار جاد بهدف الوصول لتحقيق الشراكة السياسية بكافة مستوياتها بما في ذلك في منظمة التحرير وهيئاتها كافة، عزز أيضا من اتساع رقعة الامل التي سادت وتميزت بالاندفاع السريع لتحرك الاخرين رجوب والعاروري مما لاقى ارتياحا شعبياً واسعاً وترحيباً فصائلياً لم يعد يرى في الحوار الثنائي طريقاً المحاصصة بل مدخلاً لإنهاء الانقسام والتخلص من اثاره الضارة مما شجع الاخوين على مواصلة الاتصالات المحفوف بالمخاوف والتوجسات الكامنة لكل منهما حول المدى الذي يمكن الوصول له مع هذا الاندفاع الغير مسبوق لكنه مشوب بالحذر.

ومع ذلك فقد كان هذا المسار خاضعا لمتابعة ورقابة شعبية حذرة وقلقة بقدر كبير ارتباطاً بالتجارب السابقة التي بذلت لإنهاء الانقسام على مدار ١٣ عام لكنها كانت تفشل قبيل وصولها للمحطة الأخيرة التي ينتظرها الشعب ، وبالتوازي مع هذا القلق والترحيب الشعبي والمباركة الفصائلية الانتظاري ، كان الخطر يزداد والتحديات تكبر جراء إصرار ادارة ترامب على تكثيف جهودها لتنفيذ صفقته البائسة عبر اكثر من طريق فبعد ان فشلت مساعي الادارة الامريكية بإحداث اختراق في الموقف الفلسطيني اتجهت لتحقيق ذلك في الموقف العربي وقد تمكنت من ذلك عبر انطلاق قطار التطبيع حيث نجحت في التوقيع على ثلاث اتفاقات مع ثلاث دول عربية في ظل صمت وصل لمرحة القبول من جامعة الدول العربية.

والأخطر من ذلك فقد جاهرت العديد من الأصوات المؤثرة في العالم والاقليم بتلميحات لخطوات مشبوهة يجري التحضير لها باستبدال القيادة الفلسطينية والعمل وفقا لأكثر من سيناريو على اختيار أو تنصيب قيادة ما تقبل السير بهذا المسار التصفوي الخطير الذي يتساوق مع خطة ترامب بكل مساراتها ويشكل جسرا اخرا لاستمرار عبر قطار التطبيع لمختلف الدول العربية والإسلامية دون خجل.

كل هذه المخاطر والتحديات دفعت باتجاه ايجاد ديناميكية فلسطينية اكثر قوة وفعالية لمواجهة ذلك مما فتح الطريق عملياً لعقد الاجتماع الموسع للأمناء العامون لكافة الفصائل الوطنية والإسلامية في رام الله وبيروت برئاسة الرئيس ابو مازن بتاريخ ٣-٩- ٢٠٢٠وقد كان لمجرد عقد هذا الاجتماع اثر كبير على المستوى الفلسطيني كما حمل رسائل هامة جددت التأكيد على وحدة الموقف الرافض لخطة ترامب نتنياهو المسماة صفقة القرن، والتأكيد وحدة التمثيل الفلسطيني عبر م-ت-ف واغلاق الرهان على ايجاد البدائل أضف الي ذلك فقد تم الاتفاق على أهمية تفعيل المقاومة الشعبية وتشكيل قيادة موحدة لها والاتفاق أيضا على تشكيل لجنة لانقسام واخرى لتحديد آليات الشراكة الكاملة في منظمة التحرير.

ان تلك الاجواء الايجابية من منسوب الامل بقرب انهاء وشجعت ايضاً على مواصلة السعي لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه لكن باندفاعات لم تراعي على ما يبدو حسابات وحساسيات اقليمية كان لا بد من اخذها بعين الاعتبار دون أن تكون بالطبع قيداً على الاستمرار بالحراك الجاد نحو انجاز المصالحة كما تمثلت تلك الاندفاعة السريعة بإصدار البيان الاول للقيادة الموحدة للمقاومة الشعبية قبل أن يكتمل تشكيلها ووضع اليات جادة عمل تضمن ديمومتها واستمرارها الامر الذي اثار استهجاناً شعبيا واسعا عاد معه منسوب الامل بالانخفاض وتسرب القلق من انتكاسة متوقعة لهذا المسار.

ومع ذلك وفي ظل اجواء بقايا الامل عقدت جولة من الحوار بين فتح وحماس آواخر ايلول في القنصلية الفلسطينية في اسطنبول أفضت الى تفاهمات جوهرها الذهاب لإنهاء الانقسام عبر اجراء الانتخابات على التوالي التشريعية ثم الرئاسية ثم المجلس الوطني، على ان يجري ذلك وفق نظام التمثل النسبي الكامل وبنسبة الحسم ١,٥ ٪ وأن هذه العملية التراكمية خلال ستة شهور من اصدار المرسوم الرئاسي، والتوافق على معالجة كافة الازمات من خلال حكومة توافقية بعد الانتخابات.

وفي هذا المجال يمكنني القول ان الذهاب لإنهاء الانقسام عبر الانتخابات لم يكن هو الخيار الافضل لكنه الخيار الممكن الذي لا بد منه بعد أن فشلت كل المحاولات الاخرى لتحقيق ذلك عبر الحوار لتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه سابقاً 17-2-2011 فيما خاصة يتعلق بتولي الحكومة الواحدة لمهامها ومسؤولياتها وتوحيد المؤسسات الادارية بين شقي الوطن، لذلك جاء فقد خيار الذهاب لإنهاء الانقسام عبر الانتخابات التي تعيد للموطن حقه الدستوري المسلوب منذ 13عام بعد ان اغلقت الابواب امام الخيارات الاخرى كما اسلفت.

ان هذه الاجواء التي استمرت قرابة الاربعة شهور كانت مبشرة بالأمل وباعثة على التفاؤل يعززها ديناميكية الاتصالات واستمرار اللقاءات بين الفصائل في رام الله وبيروت ودمشق وشملت أيضا عواصم عربية كالدوحة والقاهرة لوضعها في صورة ما جري وطلب مساعدتها ، لكن الملفت في الامر ان الاجواء الايجابية هذه لم تترافق قط مع أي خطوات جدية تحمل مؤشرات لجديد ما يجري مما اعاد اجواء القلق لنفوس الشعب وأعاد أجواء الإحباط مجددا لتصبح سيدة المشهد وعادت غيوم القلق لتخيم فوق مددا في الاجواء إلى ان جاءت ساعة الحقيقة خلال جولة الحوار منتصف نوفمبر 2020 بين حركتي فتح وحماس في القاهرة تلك الجولة التي شهدت العودة الى نقطة البداية من خلال طرح وفد حركة حماس لاستدراكات جديدة عكس ما كان قد تم الاتفاق عليه في اسطنبول وغيرها فعادت للحديث مرة اخرى أن موقفها من الانتخابات يتمثل بإجراءاها رزمة واحدة (تشريعي ورئاسي ومجلس وطني) علما انها كانت قد وافقت على ان تكون متتالية في رسالتها للدكتور حنا ناصر في الخامس نوفمبر العام 2019.

كما اشترطت مجددا ان يسبق ذلك كله حل كل الازمات والاشكاليات القائمة وتسوية الاوضاع الادارية لموظفيها خاصة في قطاع غزة، ورغم اهمية ذلك وضرورة الاتفاق على الية لمعالجة ما ذكر فإن العودة عن كل ما سبق وان تم الاتفاق عليه في رام الله وبيروت واسطنبول أعاد الأجواء مجددا الى مربع الإحباط والتسويف مرة اخرى رغم الحديث عن بقايا اجواء ايجابية وجولات لاحقه لاستئناف الحوار، لكن ما يمكن قوله بكل موضوعية بأن مسيرة المصالحة تعرضت لانتكاسة اخرى وفي ظرف دقيق وعلى الجهود كافة ان تتظافر لإنقاذها.

هذه الانتكاسة تتزامن مع مستجدات وظروف دقيقة للغاية اهمها خسارة الرئيس الامريكي ترامب في الانتخابات الامريكية ونجاح المرشح الديمقراطي جو بايدن، ان المرحلة الانتقالية وقبل انتقال السلطة للرئيس المنتخب هي مرحلة خطرة وحذرة خاصة مع رئيس يستعد لمغادرة البيت الابيض في 20-1-2021 مهزوما مما قد يدفعه للتهور في العديد من القرارات، اضافة لما سيحمله استلام الرئيس المنتخب جو بايدن من برنامج سياسي سيقوم بطرحه بعد الشهور الستة الاولى من حكمه على الاقل سيرتكز وفق العديد من المؤشرات على إعادة احياء عملية السلام و المفاوضات وفق الالية العقيمة التي سبق وان تم تجربتها على مدار عقدين من الزمن.

ان عملية كهذه لا يمكن مواجهة تحدياتها عبر الحديث واستمرار التغني عن الصمود في وجهة ترامب حتى رحيله عن البيت الأبيض بل ان ذلك يتطلب اكثر من اي وقت مضى انهاء الانقسام وتحقيق وحدة وطنية حقيقة مستندة الى استراتيجية وطنية حددت معالمها في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وتبناها مؤخرا اجتماع الأمناء العامون في رام الله وبيروت ، كما ان هذا التحدي سيزداد ايضاً امام العودة للعلاقات مع دولة الاحتلال لما قبل 19-5-2020 هذه الخطوة التي مثلت وبكل صراحة عودة عن قرارات المجلسين الوطني والمركزي وقرارات القيادة بما في ذلك بيان الامناء العامين.

ان هذه الخطوة ورغم مما حملته من تأويلات يجب ان لا تشكل حجة وعائقا لوقف الحراك نحو انهاء الانقسام بل يجب ان تمثل تحديا جديا يتطلب اغلاق ثغرة الانقسام والاستعداد لمواجهة ما يحمله قادم الايام من مخاطر، ان الطريق الاصوب لذلك يتمثل دون مواربة او تسويف بتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه من تفاهمات وابرامه من اتفاقات، هذا هو التحدي الكبير الذي تواجهه الحركة الوطنية الفلسطينية.

انه التحدي المتمثل بسقوط ترامب ومجيء جو بايدن للبيت الابيض كما انه تحدي عودة العلاقات مع دولة الاحتلال لما قبل ١٩-٥ مع كل ما يتطلبه ذلك من ادارة الاشتباك مع الاحتلال على مختلف المستويات، انها تحديات كبرى يجب ان تتحول بحرص فلسطيني الى فرصة حقيقة لإنهاء الانقسام واعادة الوحدة الوطنية انه الطريق الوحيد لمواجهة كل المخاطر والتحديات.

*عضو المجلس الوطني الفلسطيني:

*نشرت بالعدد 64 من نشرة المجلس الوطني الفلسطيني:

 

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات