الثلاثاء 19 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

الفرق بين الربان وفئران السفينة

  • 01:12 AM

  • 2020-11-28

إبراهيم أبو عواد*:

1

     فلسفةُ التفاعل الاجتماعي لا تعني بناء علاقات مصلحية عابرة بين الأفراد ، وإنَّما تعني تأسيسَ كِيان إنساني في قلب المجتمع ، يُوازن بين الجوهر ( الثابت ) والعَرَض ( المُتغيِّر )، ويُميِّز بين المنفعة المادية القائمة على الاستهلاك الوحشي والاستحواذ غَير الشَّرعي، وبين المنفعة الوجودية القائمة على المصير المُشترَك والخَلاص الجماعي . وهذا التمييز ضروري للغاية ، لأنَّه يكشف حقيقةَ الأفراد وماهيةَ الأشياء ، ويُوضِّح بِنيةَ الولاء والانتماء في المجتمع، ويَفصِل بين الأشخاص الذين يَريدون حَمْل الوطن على أكتافهم والنُّهوض به ، وبين الأشخاص الذين يَعتبرون الوطن شَقَّة مَفروشة أوْ سَفينة مُعرَّضة للغرق ، وينبغي الاستعداد للهرب مِنها عِند الشُّعور بالخطر .

2

     منظومة ( الولاء / الانتماء ) لا يُمكن تعريفها بمَعزل عن تعريف الوطن . وإذا اعتبرَ الفردُ الوطنَ هو مركزية الحُلْم الإنساني وشرعية الوجود الحضاري، فإنَّه سيبذل الغالي والنَّفيس مِن أجل رِفعة الوطن وتقدُّمه وازدهاره ، أمَّا إذا اعتبرَ الفردُ الوطنَ مُجرَّد بُقعة جُغرافية ومكان للإقامة ، وفُرصة لتجميع المكاسب والامتيازات والغنائم ، فإنَّه سَيُضَحِّي بالوطن مِن أجل مصلحته الشخصية ، ويُلْقيه وراء ظَهْره كأيِّ شيء مُهمَل . وزاويةُ الرُّؤية التي يُشاهد الفردُ مِنها الوَطَنَ ، هي التي تُحدِّد المعنى الحقيقي للولاء والانتماء ، هَل يُوالي شرعيةَ الوطن ومشروعيةَ حُلْمه في النهضة والتقدُّم ، أَمْ يُوالي أرصدته البنكية ومصلحته الشخصية المُضَادَّة للمصلحة العامَّة ؟ . هَل يَنتمي إلى الوطن ماضيًا وحاضرًا ومُستقبلًا أَمْ يَنتمي إلى شهواته الطينية ونزواته العابرة وغرائزه المتأججة ؟ .

3

     الفرق بين الرُّبان وفِئران السَّفينة هو الفرق بين التضحية والانتهازية ، فالرُّبَّان هو العَقْل المُفكِّر ، وقائد السَّفينة في بحر مُتلاطم الأمواج . يُضحِّي بحياته وراحته ومصلحته الشخصية من أجل إيصال السَّفينة إلى بَر الأمان ، ويظل مُلتصقًا بها إذا تعرَّضت لحادث ، مُحَاوِلًا إنقاذ ما يُمكن إنقاذه ، ولا يَترك دَفَّة القيادة ، ويَهرب من المسؤولية والتَّحدي . إنَّ الرُّبَّان كطابَع البريد الذي يظل مُلتصقًا بالرسالة حتى وُصولها إلى مُستلمها ، وكما أن طابَع البريد لا ينفصل عن الرسالة ولا يَتركها وحيدةً ، كذلك الرُّبَّان لا ينفصل عن السفينة ولا يَخونها . أمَّا فِئران السَّفينة فهي تَعتبر السفينة مشروعًا استثماريًّا لجني الأرباح المادية والمكاسب المُؤقَّتة ، والانتماءُ يكون للمصالح الشخصية الضَّيقة ، والولاء يكون للغنائم المُغرِية ، لذلك تقوم فئران السَّفينة بتفسير الأحداث والوقائع لخدمة أغراضها وتبرير خيانتها، وهي مُستعدة للهرب والقفز مِن السَّفينة عندما تَشعر بالخطر والتهديد، وتُدرِك أنها لم تعد قادرة على جَنْي الأرباح . والجديرُ بالذِّكْر أنَّ الرَّأسمال الحقيقي هو الوجود الوطني ، لأنَّه جَوهر عابر للأزمنة والأمكنة والمصالح الشخصية ، أمَّا وجود المكاسب المادية فهو عَرَض مُؤقَّت زائل ، والعَرَضُ لا يَدُوم زَمَانَيْن . وإذا كان انتماء الفرد إلى وطنه ، سَيَربح نَفْسَه ووَطَنَه معًا ، لأنَّ نَجَاة الكُل هي      _ بالضَّرورة_ نَجاة للجُزء. وإذا كان انتماؤه لنَفْسه ، سَيَخسر نَفْسَه ووَطَنَه معًا ، لأنَّ الجُزء لا يَقُوم مَقَام الكُل.

*الأردن:

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات