الخميس 28 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

قراءة في ديوان "دعيني أحبك" للشاعر شريف العمامي

  • 22:50 PM

  • 2020-11-03

ناهـض زقـوت:

اهدانا الشاعر شريف العمامي ديوانه الأول "دعيني أحبك" الصادر عن دار الوسيم للنشر بغزة عام 2020، وكان لنا شرف كتابة تقديم هذا الديوان إلى القارئ. نبارك له هذه الاصدار ونتمنى له المزيد من العطاء الشعري المتميز.
***
يحتل الشعر مكانة راقية في قلوب الناس وعقولهم، لما للشعر من قدرة على تفتيح المشاعر والأحاسيس، أو شحن النفوس بالروح النضالية الوطنية. ورغم تعدد الألوان الأدبية من قصة ورواية ومسرح، إلا أن الشعر لم يخسر مكانته، إذ ما زال يتربع على عرش الفنون والآداب، وما زالت المطابع كل يوم تنشر أعمالا شعرية، وإذا حاولنا احصاء منشورات المطابع في السنوات الاخيرة نجد أن الديوان الشعري يحتل المرتبة الأولى في الانتاج، فقد قالوا قديما الشعر ديوان العرب.
بين أيدينا ديوان شعري جديد (دعيني أحبك) للشاعر شريف العمامي يسعى ليرسم خطواته الأولى على طريق القصيدة الشعرية، ويضع لنفسه مكانة بين الشعراء الفلسطينيين الذي أثبتوا حضورهم الابداعي في العديد من الساحات الثقافية والأدبية.  
 يأسرنا العنوان بدلالاته السياقية المتوازنة مع قصائد الديوان، كلمة (دعيني) هي دعوة ذاتية من عاشق محروم من حب عشيقته، يسعى في الكلمة الثانية إلى حبها (أحبك)، هو لم يطلب منها أن تحبه بل أن تترك له مساحة لكي يحبها. نقرأ:
دعيني أحبك لو تسمحين
فهل تقبلين وهل ترفضين 
اريدك انت – كما أنت – لي
وشعري أمامك شعري ورائك
شعري من قدر العاشقين
تأتي القصيدة التي تحمل عنوان الديوان في مفتتح الديوان، تلك القصيدة التي يناجي فيها الحبيبة، ويطلب منها أن تسمح له بحبها، وسواء قبلت أو رفضت "اريدك أنت لي"، هو أمام حالة اصرار على حبها فهي التي (أطرت صوابي أثرت عذابي)، ويسألها (ألا تشعرين ألا تنظرين)، يسعى لكي يلفت انتباهها إلى ما وصلت إليه حاله في حبها، (دعيني أفرغ فيك انفعالي/ دعيني أفرغ فيك الحنين)، استبد به الشوق والحب، ولم يعد يحتمل لذا أوقف شعره عليها لكي يحاصرها من أمامها ومن ورائها، فالشعر عنده قدر العاشقين.
تلك الفتاة التي يسعى لحبها هي فتاة تكره الرجال، وتعتبر كل الرجال أمثال بعضهم، إلا أنه يؤكد لها أنه ليس كالآخرين (كرهت الرجال كرهت الذكور/ ولكنني لست كالأخرين)، إذن فتاته تعاني من أزمة نفسية، من قصة حب فاشل، لهذا يقول لها (دعيني أنبت فيك الغرام/ وأمسح عنك غبار السنين). يؤكد الشاعر في قصيدة (إليها وحدها) أن اللقاء بينهم كان صدفة، وهو لا يدري ما تخبئ له السنون، هل ستكون حياة سعيدة أم حياة كلها ألم، ورغم ذلك لديه أمل أن تبادله الحب لتغيب عن نفسه الحزن والالم (فتحضني قلبا كثير البكا/ يبحث عن صدر كبير حنون/ لما راك اشرقت نفسه/ وغاب عنها حزنها والأنين). 
يتميز هذا الديوان بلغته الرومانسية التي تعيد لذاكرتنا قصائد نزار قباني، وهو ما تفتقر إليه مساحة الشعر في قطاع غزة (موطن الشاعر)، إذ ثمة غياب للقصيدة الرومانسية لصالح القصيدة الوطنية أو الاجتماعية، ويعود هذا التوجه إلى الحالة السياسية التي يعيشها قطاع غزة، فالشاعر الفلسطيني يعتبر القصيدة الوطنية التزام وطني ووسيلة نضالية. واذا كانت القصيدة الوطنية لا تعيب الشاعر بل ترفع من مكانته الابداعية، كذلك القصيدة الرومانسية لا تعيب الشاعر، فالواقع المأساوي الذي يحياه أهالي قطاع غزة يحتاج إلى القليل من الفرح والسرور والرومانسية. ويعد الغزل أصدق فنون الشعر إذ يتسم بصدق الأداء وصدق التعبير عن الوجدان وتصوير المشاعر والأحاسيس, نقرأ:
لمياء لو تدرين كم أهواك
والشوق يقتلني إلى رؤياك
إني أحبك ألف حب إنني 
لم أهو في هذي الحياة سواك
إن الفؤاد حوى العذاب جميعه
والحسن أجمعه حوت عيناك
هذا هو حب العاشق الولهان، الذي يقتله الشوق لرؤية الحبيبة، قصيدة تمتاز بالجمال والعذوبة  والشفافية وبجزالة الألفاظ، وغنية بالصور الشعريِة العميقة الخلابة وبالأجواء الرومانسية  الشّفافة. وهذه الفتاة المميزة تمثل كل معاني الأنوثة وفيها يكتمل كل الجمال والحلم.  
يهيمن الحزن على الشاعر في قصيدة (يا لك من بليدة) حين يشعر أن معشوقته تسعى لهجرانه ولا تستجيب لحبه، ويذكرنا بعاشقات العصور القديمة، ليلى ولبني، اللاتي حفظن عهد الحب، وحبيبته لم تحفظ حبه، يقول: 
أترفضين حبا    وتجرحين قلبا
نادى الهوى فلبي    أيتها العنيدة
قد غرك الجمال   والحسن والدلال
لكنك التمثال       تسكنه البرودة
رجوتك البقاء     لا تقطعي الرجاء 
ليتك كنت ليلى    ليتك كنت لبنى 
ليتك كنت أخرى   فتحفظي عهوده
يخاطب الشَّاعر هنا حبيبته التي تحتل حيزا كبيرا من عالمه وكيانه وتشغل كل اهتمامه، فيطلب منها ألا تخذله فهي نهر الحب بالنسبة إليه. لقد وظَّف الشاعر التعابير والكلمات هنا بالشكل المعبر والذكي ليأتي بالمعنى والهدف المطلوب، وحملت القصيدة دلالات ذات وقع جميل ومستحب على نفسية ووجدان القارئ. ويمكن اعتبار أن الغزل عنده مثل غزليات أبي نواس وسيلة لا غاية، وهو في غزلياته يصف معاناته وما تكابده نفسه من آلام، وحيث يصور محبوبته بأنها لاهية لا تدري به ولا تشعر بعذاباته فهي سادرة لاهية.
ورغم ابتعاد الحبيبة ومحاولة هجرانها إلا أنه لم ييأس فما زال لديه أمل في ودها ومبادلة الحب، يقول في قصيدة (عذاب في عذاب):
عذاب في عذاب يا فؤادي
أعيش به ولم أعرف عزاء
أنا مهما ألاقي من صدود
فان هواك يحيي بي رجاء
وطيفك سوف يبقى لي رفيقا
وسوف أظل انتظر اللقاء
يذكرنا الشاعر في ديوانه بشعراء العصور القديمة الذين كانوا يذكرون أسماء حبيباتهم في مطالع قصائدهم، أمثال امرؤ القيس، وعمر بن أبي ربيعة، وجميل بثينة ، وقيس بن الملوح، وقيس بن ذريح، وكثير عزة. فنجد حبيباته: لمياء، وسعاد، إلا أن شاعرنا بتعدد ذكر أسماء فتياته، يحاول أن يبعد عن ذهن القارئ أن ثمة حبيبة معينة يكتب اليها. تلك الحبيبات يقدمهن بأوصاف شتى، تعبر عن ذات شفافة حالمة بالحب والجمال:
ـ عيناك قد انستني الزمان/ انستني المكان .. أحدثت في ثورة.
ـ همست وقلت له يا سعاد/ بأنك لست كباقي البشر/ وأنك نور يذيب الشموس.
ـ عيناك اهدتني الحياة وسحرها/ يا جنة ريحانها يحييني.
ـ وجهك يا معجزتي نعم/ أسبغها الله علي النظر
ـ سحرك يا غاليتي حدث/ يرويه أهل الجن للبشر.
وفي خضم الرومانسية والغزل لم ينسى الشاعر هموم وموضوعات أخرى، ورغم أن غالبية قصائد الديوان رومانسية، إلا أن ثمة قصائد تلامس هموم ذاتية، وجاءت قصائد كلاسيكية بخلاف قصائد الغزل، كقصيدته في رثاء أمه، وأخرى يتحدث فيها عن هموم عربية، وقصيدة (أيا وطني)، وقصيدة رثاء للشهيد الخالد ياسر عرفات (عملاق أنت)، يقول في مطلعها:
ودعتنا يا سيدي ورحلت    ولمن تركت القدس حين قضيت
أو لم تقل القدس موعدنا وإنك     قد علقت دروبها وعشقت
وقصيدة (عائدون) جاءت على شعر التفعيلة وهي آخر قصيدة في الديوان، يقول:
رغم آلام السنين
رغم أسراب الظنون
رغم صرخات الجنون 
عائدون
تميزت لغة الديوان بالجزالة والتعابير البلاغية، والبراعة في اختيار الكلمات رغم بساطتها، فكانت مفرداته جميلة وخلابة ومتميزة بالخيال الرومانسي المجنح الحالم الخصب. لقد أبدع الشاعر في التعبير عن رؤيته وتجربته الشعرية، فالديوان غني بالدلالات التي أصبغها الشاعر على الحبيبة التي تناجيها روحه ويهفو إليها فؤاده والتي تجسد كل معاني الرقة والجمال والكمال، وتغدو في نظر الشاعر فوق الخيال وفوق الشعر والفن والعقل، وكل الحدود المرئية والوهمية لأنها دنيا من الأناشيد والأحلام.

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات