الجمعة 19 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

قصة قصيرة

وداع

  • 00:38 AM

  • 2020-10-30

وفاء ماضي*:

ارتبطت بعلاقة وطيدة مع شجرة الجوافة الشامخة أمام منزل جدتي بقريتنا التي كنت أسعد بقضاء الأجازة الصيفية بها ،جدتي دائما تتفاخر بأنها الشجرة الوحيدة في القرية التي تثمر ثمارا حمراء لها مذاق العسل،تجــاوزت مرحلة الطفـولة وأنا ما زلت على تعـلقي بالشجرة ومنزل جدتي الذي يطلقون عليه دوار العيلة أو البيت الكبير ذات يوم ابتسمت جدتي وقالت أأخبرك سرا لقد زرعت هذه الشجرة يوم تزوجت جدك فنبتت مع نبت أبيك بأحشائي، ضحكت وقلت إذن هي توأمة أبي، لم أكن الوحيدة التي تتعلق بالشجرة فالعائلة والجيران يحبون ظلها وثمارها حتى الأوراق يتداوون بمشروبها، كانت العائلة في أيام الصيف تفترش الحصير وتجلس تحتها من بعد صلاة العشاء يتسامرون ويتبادلون الذكريات وهم يتناولون أكواب الشاي الصعيدي هكذا كان يُسَمِيهِ شقيق جدتي الأصغر التي كانت تعتبره بمثابة ابنها للفارق الكبير في العمر بينهما كان يحضر من دواره على ظهر حمارته معلقا في جيدها راديو ترانزستور يتجمعون حولة في ليالي حفلات أم كلثوم تحت نور القمر تملأ أعينهم الفرحة وتتلون ملامحهم بألوان السعادة ،الكل يبدي رأيه في كلمات ولحن الأغنية مع التفوه ب الله الله يا ست كما ينطلق من المذياع صوت المعجب الذي يصاحب الست في كل حفلاتها وهو يقول عظمة على عظمة على عظمة يا ست وتعلو أصواتهم على صوت نقنقة الضفادع وصوت صرصور الغيط المزعج ، تعلقي أنا بالشجرة له مذاق خاص فلم يزل جذعها يحتضن نقش قلبين وأول حرفين من اسمي واسم ابن خالتي الذي رحل عن عالمنا وتركني أعاني مرارة الفراق ،أحيانا كنت أفر وأختفي خلف جذعها من مطاردة طيور الأوز أثناء قيام جدتي بنثر حبات الذرة لإطعامهم وكلي رعب من صوت صياحهم ، ماتت جدتي وأقفل المنزل وتوقفنا عن الذهاب إلى القرية ، ساقني الحنين بعد فترة لرؤية الشجرة ورؤية وجه حبيبي في ظلها ، وضحكة جدتي في هفهفة أوراقها، سافرت إلى القرية أول شيء وقع عليه بصري كانت الشجرة ركضت إليها عانقتها فشممت رائحة عرق جدتي في رائحتها ، بدأت الصور تنساب على عقلي في تلاحق وتزاحم ،ساحة الدار الواسعة التي كانت تزدحم بالأهل والجيران وحجرة الخبيز وهذا الكانون لم يزل على حاله وهذه الأريكة القابعة في ساحة الدار أمام الباب الكبير وعليها الكِليم الصوفي المزركش بألوان زاهية كانت جدتي تجلس عليها تراقب الحركة في الدار وتعطي أوامرها لكل من يعمل بالدار، ومكانها كان يسمح لها بمشاهدة كل من يمر من أمام الدار ويلقي السلام أو تحية الصباح ، أحسست بروح حبيبي تطوف حول الشجرة تداعب القلبين ، وسمعت صوت ضحكاته تطن في أذنيَّ طَفَرَتْ من عيني دمعة حارقة على فراق جزء من قلبي، ساءني ما آل إليه حال الشجرة جفاف أغصانها واصفرار لون أوراقها ونسيج العنكبوت الذي تتشابك خيوطه حول جذعها تُدثرها بالكآبة ، حتى الظل سُلِبَ منها والرائحة ذهبت عنها ، شعرت بالحنين لعناق كفي جدتي ، وقفت أحدق فيها ملئ عينيَّ ، وكأنني على موعد لرؤية الجدار الخلفي لسطح المنزل ينهار فجأة فيشطرها نصفين نصف تناثر فوق الأرض والآخر الذي يحمل رسم القلبين مدفونا تحتها ...

*مصر:

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات