السبت 20 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

النص الأخير

للشاعرة/ ميرفت أبو حمزة

  • 21:58 PM

  • 2020-02-15

ميرفت أبو حمزة*:

كَيْ أكتبَ آخرَ نصٍّ في كتابي الأخير ..
عليَّ أن أشعلَ الليلَ بكل الرسائل والأثاثِ الموجود بالغرفةِ وأُدخِّنَ غيابَكَ..

عليَّ أن أفتحَ كلَّ صنابيرِ المياهِ وأسدَّ كلَّ المهاربِ..
كي يصبحَ بيتي بحيرةً صغيرةً
أنا البجعةُ الوحيدةُ فيه
ولا ترفدني إلا النجوى

أن أفتحَ قلبي لكل الرسائل التي لم تُقْرأْ في بريدي المعطَّل
وأجعلَ منه استراحةً لكل الموتى..

أن آخذَ صورةً حديثةً بفستانِ وحدتي المُطرَّزِ بحريرِ الغيابِ وأضعَها غلافاً على جداري الزمني

أن أُمرِّرَ أصابعي الصغيرةَ على زجاجِ ثقتهم المحطَّمِ وأنزفَ حتى أُلوِّنَ كلَّ الشرفاتِ باللون الأحمر..

كي أكتبَ يجبُ أن أصبَّ الزيتَ فوق النار وأقدِّمَ الأعذارَ الكاذبةَ لجلدي المحروق..

علي أن أقصَّ شعري أقصرَ من سنسالِ القرطِ في أذني ، كي لا أرى لونَهُ الفادحَ السَّوادِ ، وأتذكَّرَكَ حين رحلتَ آخرَ مرةٍ...

بينما الكلماتُ والأوراقُ وأزرارُ (الكيبورد) ستعملُ وحدَها دونَ أمرٍ مني ، وستقولُ كلَّ ما عجزتُ عنه حين استهلكتُ الوقتَ بحديثٍ ما ، كي لا أقولَ : أحبُّكَ...

علي أن أقولها لكلِّ البساتينِ والأرصفةِ والممرات والقراطيس والأقلام والطاولات والجدران..كي تقولَها عني..

بكل هذا الحبِّ الذي أغدقتُهُ عليكَ من سماءِ أحلامي
وببعض الحوادثِ التي مرَّتْ بسلامٍ ظاهرياً..
وببعضِ الإيماءاتِ الخجولةِ بيني وبينك

بكلِّ ما أوتيتُ من شغفِ الكتابة
سأكتبُ عنك..
أرسم ملامحَكَ في كل صفحةٍ من كتابي..
وأعلنُكَ فيه عنواناً

أدعو لكَ ..أدعو عليكَ .. وأغدقُ في دعائي..وأقول يا الله هو قلبُ أُمٍّ تبنت كارثةً على هيئةِ رجل

إذا وصلك شيءٌ عني ، لا تصدقْ..
أنا بينَ بيني لا أبوحُ عنك فاسترِحْ..
واسنُدْ رأسَكَ إلى صدري البعيد..
وتعالَ أقولُ لك كيفَ أحبُّكَ

أحبك برشاقةِ الخيولِ في التلال
أحبُّكَ بجميعِ لغاتِ كتبِ العرَّافينَ والبصارينَ
والمؤمنينَ والملحدينَ والمؤرخينَ والمؤولين..

أحبُّكَ بغموضِ غابةٍ متوحشة..
ببساطةِ الماءِ بين كَفَّيْ طفلةٍ
وبقلبِ أميِ حين كنتُ طفلتَها الأولى..
والآنَ أنا في حالةِ خَدَرٍ غريب

غداً ستطفئُ شمعةً
سأكونُ قريبةً جداً كدمعةٍ في عينيك..
وسأحبسُ دخانَها في صدري..
خَيِّمْ بكفيكَ فوق لهيبِها الخافتِ
واذكُرْني ..

دعْ عينيَّ تنادمُكَ في كأسك الآن..مع هذا الليلِ الشاحبِ
وإياكَ أن تنامَ ...

حاولتُ أن أكونَ خصرَ الريحِ على زندِكَ..ليتَكَ راقصتني
ها أنتَ تجلسُ في ركنِكَ الدافئِ
تقرأُ ملامحي بضوءٍ خافت
تحوِّلُها إلى نغماتٍ على آلةٍ موسيقيةٍ قديمة..

هذي أنا...
أودعتُ ظلي عند بابِ بيتك
يودّعُكَ كلَّ صباحٍ..
ويمسحُ عن رأسِكَ التَّعَبَ كلما أتيتَ..

أنا ظلٌّ يرقُبُ كلَّ مَنْ يدخلُ وكلَّ من يخرجُ ..
في صدرها تجسُّ وقعَ الأقدام
ذهاباً وإياباً

منزّهةٌ عن التجلي....
منزهةٌ عن المثولِ بين يديك..
أَبْني حصانَ طروادةَ لِآخِيْلَ من عبرات
وأدخل إليكَ كالطيف لا أكثرَ ..

أنت الوحيدُ الذي تعلمُ ما لم يجرِ بعدُ ...
وما قد يكون غداً..حينَ تغيبُ

أنا الذاهبةُ في خيالك أبعدَ ممّا تسافرُ الريحُ..
أنا المراكبُ التي سحبَها الموجُ
إلى جزيرتِكَ الغائرةِ في خيالك..

أنا كلُّ الوجوهِ وكلُّ الوميض
وكلُّ النساءِ حتى اللواتي لم يُولَدْنَ بعدُ..

أنا لحظةُ ثمالتك ولحظةُ تأجُّجِ نارِكَ ، ولحظةَ تفكِّرُ من أين تبتدئُ المقالَ..

واللهِ لن ننجوَ من هذا الطُّوفان
سيُراقُ دمُ الحبرِ حولنا..
ستغرَقُ الأماكن والمقاعدُ والرفوف..

عينانِ بريئتان..عاريتان إلا من الحبِّ والشعر..
كفوفُنا للنارِ ووجهُنا أمامَ نِصالِ الكلام..

حَبسي بين ضلوعك..غايتي الكبرى
وأنتَ الوطنُ وكلُّ المنافي
كلانا لا نريدُ الواقع..
ونكتفي بالقُبَلِ من ثغرِ الكلمات..
نرسمُ ضمَّتَنا التي لن تحدثَ
ونشمُّ عطرَها السَّافرَ فوق دفاترِ الأيام..
نغمضُ عينَ أحلامِنا كيلا ترانا
ونحن نلثمُ أصابعَنا بعدَ كلِّ سلام..

وقبل أن نتورطَ بكلِّ هذا الوضوح
كنتَ كفزّاعةِ حقلٍ وحيداً
تنامُ مِلْءَ العراءِ..
وفي ظلامِ الحبِّ تصحى
كلَّ يومٍ تودِّعُ وتستقبلُ عشاقَ العصافير..

الآنَ يا صديقي نَمَتْ على ياقةِ قميصي الورديِّ شوكةٌ
بينما كنتُ أدُسُّ في سترتِكَ عطري..
تَفَقَّدْها .. لربما أصبحتْ حقلَ ريحانٍ..

مؤخراً صرتُ أُطرِقُ السمعَ للأغاني الحديثةِ..
وأرقصُ على رِتْمِها السريع..
أركضُ على دَرَجِ بيتي..
كمراهقةٍ تعتقدُ أن قلبَها سيسبقُها إن خفقَ أسرعَ..
ثمةَ أحاديثٌ لن أبوحَ بها الآن
فشهرزادُ الحكايةُ أصبحتْ جدةً..
وشهريارُ باتَ سكيراً يبيعُ الجرائدَ والرصاصَ في الطرقات..
ثمةَ أحاديثٌ كثيرةٌ
لن تعرفَ بها إلا حينَ أفتحُ حقائبي خلفَ السحابِ
وبعد أن نكتبَ الإمضاءَ الأخير.

( النص الأخير )
من ديواني * أنا الآن *

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات