الجمعة 29 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

ليلة عيد الميلاد جمعت بين الجنود الأعداء في الحرب العالمية الأولى؟

  • 18:44 PM

  • 2019-12-27

 

وكالات - " ريال ميديا ":

لم تكن 5 أشهر قد مرت على إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب العالمية الأولى عام 1914، عندما حلت ليلة الكريسماس على الجيشين الألماني والبريطاني المتواجهين على طول الأراضي البلجيكية والفرنسية.

في تلك الليلة، سجل التاريخ وقائع مشهد عجيب، حين وضع جنود الجيشين أسلحتهم وبدأت اصواتهم تتعالى بأغان وترانيم عيد الميلاد، ثم تجاسر بعضهم من الجانبين بترك الخنادق والصعود إلى المنطقة الفاصلة بين خطوط الجانبين، والتي كان التجول فيها قبل دقائق لا يعني سوى موت محقق لمن يتجرأ عليه.

للحظات قصيرة تناسى المقاتلون من هم ومن الآخرون، وسقط من وعيهم التمييز بين ألوان الأزياء العسكرية للقوات الصديقة والمعادية. التقى الجنود الإنجليز والألمان المتحاربين للمرة الأولى دون اقتتال، تصافحوا بالأيدي دون اشتباك، وتبادلوا السجائر وأغراض أخرى، بل إن بعض المصادر تذكر أنهم نظموا مباراة مرتجلة لكرة القدم، ووجدوا بعد ذلك فرصة لدفن جثث قتلاهم المتناثرة في المنطقة الفاصلة المميتة بين خطوط الجانبين.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عقد الجنود من الجانبين هذه الهدنة غير المخططة بالمخالفة لأوامر قادتهم من الضباط، الذين أصدروا اوامرهم بالبقاء في الخنادق وعدم الخروج لملاقاة جنود العدو.

وأضافت الصحيفة أن كتب التاريخ توثق وتحتفي بتلك الليلة المشهودة لأنها كانت دليلًا ساطعًا على أن الأمل لا يزال حاضرًا بأن تنتصر قيم الإنسانية الجامعة، حتى في أحلك ساعات الحروب والاقتتال.

على أن ليلة آخر كريسماس في الحرب العالمية الأولى عام 1918 كشفت من الوحشية والحقد في طبيعة الإنسان ما قوض الأمل الذي أشرق في النفوس خلال لحظات الهدنة المرتجلة القصيرة في أولى سنوات الحرب.

فعندما وقعت ألمانيا وثيقة الاستسلام لتنتهي الحرب رسميًا في 11 نوفمبر 1918، كانت الحرب وتوابعها قد فتكت بأكثر من 20 ألف إنسان، وسقط الشعب الألماني فريسة مجاعة شديدة القسوة جراء حصار محكم فرضه الحلفاء على ألمانيا، والذين كانوا يرون أن من المنطقي والمقبول حرمان الشعب الألماني من الطعام لخلق قوة تأييد في الشارع الألماني للاستسلام وإنهاء الحرب.

كان الشتاء قد حل واقتربت ليلة الكريسماس، وطلب الألمان مقابل توقيع وثيقة الاستسلام رفع الحصار المفروض على بلادهم، تعنت مفاوضو الحلفاء وردوا بصلف وتعال بانهم سيفكرون في إدخال بعض المؤن إلى ألمانيا، ولم يكونوا يرون أي داع لتخفيف الحصار على أمة أشعلت الحرب برعونتها وسببت الكثير من المآسي لشعوب دول الحلفاء، كما خشي الحلفاء أن ينعش تخفيف الحصار الألمان وعنادهم لتجديد الحرب.

لكن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون رأى أن تجويع الشعب الألماني بأسره حتى النهاية ينطوي على قسوة مبالغ فيها، وأرسل خطابًا إلى زعماء دول معسكر الحلفاء في 15 ديسمبر طالبًا تخفيف الحصار المفروض على ألمانيا والسماح لدول محايدة ببيع الطعام إلى الألمان، وبدأت الولايات المتحدة نفسها تجهز شحنات من اللحم لتصديرها إلى الدول الاسكندنافية تمهيدًا لإعادة بيعها إلى الألمان.

وفي ليلة الكريسماس من عام 1918 وافق قادة الحلفاء على مضض على السماح بدخول الإمدادات والمؤن إلى المدنيين الألمان، وللحظات بدا وكأن الطبيعة الإنسانية الخيّرة التي جمعت الجنود المتناحرين ليلة الكريسماس في مطلع الحرب تشرق من جديد، لكن ما حدث كان العكس تمامًا.

فبعد عدة أيام وبينما كان الشعب الألماني الجائع يتهيأ لاستقبال أولى شحنات الطعام، تراجع قادة الحلفاء الأوروبيون في موقفهم وأصروا على استمرار الحصار الكامل، ومنعوا دخول ولو جرام واحد من الإمدادات لألمانيا.

وبحسب "نيويورك تايمز" فليس معروفًا بالتحديد السبب الذي حدا بقادة الحلفاء الأوروبيين للتراجع عن تليين موقفهم من حصار ألمانيا، لكن لا يصعب تخيل أنهم، وبخاصة البريطانيين والفرنسيين، كرهوا ألمانيا لدرجة أنهم اعتبروا حتى مدنييها من النساء والأطفال أعداءً جديرين بالعقاب.

أودت المجاعة خلال هذا الشتاء بآلاف الألمان، ولم يُرفع الحصار إلا في 12 يوليو 1919، بعدما وقعت المانيا معاهدة فرساي التي فرضت عليها شروطًا مجحفة ومهينة للاستسلام، وكانت بحد ذاتها أحد أهم أسباب الحرب العالمية الثانية.

إن كان لليلة الكريسماس عام 1914 أن تذكّرنا بشيء فلعله أهمية الاختيار، اختيار أن نطرح الكراهية والبغضاء وراء ظهورنا، وإن كان من درس نتعلمه من ليلة الكريسماس عام 1918 فربما كان صعوبة هذا الاختيار بالذات، خاصة عندما يتطلب الأمر غفران صفحات سوداء طويلة من الخطايا والجرائم الوحشية. ومن بين كل القيم الإنسانية، برهنت الحروب على أن العفو هو القيمة الأجمل حين نتلقاه، والأصعب حين يكون علينا أنا نقدمه، لكنه يظل - ربما - القيمة الأهم في عالمنا هذا.
 

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات