الجمعة 19 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

خطاب الكراهية في الاعلام الفلسطيني

  • 15:14 PM

  • 2018-12-05

إحسان محمد أبوشرخ*:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التفت المجتمع الدولي إلى خطورة خطاب الكراهية ودوره في صناعة وتعزيز النزاعات بين المجتمعات البشرية وداخلها، فسعى عبر منظمته الأم "الأمم المتحدة" الى إلزام الدول الأعضاء بنبذه وتجريمه سواء كان على أسس دينية أو عرقية أو سياسية.
فخطاب الكراهية يرمز إلى لغة التمييز أو العنف التي تهدف إلى التنكيل بجماعة ما على أساس الاختلاف في الرأي السياسي أو العرق أو المعتقد الديني، وهو بهذا المعنى الحقوقي يندرج ضمن الاعمال التحضيرية أو التمهيدية لفعل يجرمه القانون، إضافة لكونه يشكل بحد ذاته فعلا إجراميا وفقا للقانون الدولي، وقد تداوله الفقه القانوني والاتفاقيات والاعلانات الدولية كأحد ضوابط حرية الرأي والتعبير.
لكن هذا الاجتهاد لم يزيل الالتباس بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، وخاصة أن نطاق ومعنى حرية الرأي في المجتمعات متغير وفقا لثقافة كل مجتمع، كما أن ملاحقة المعنى الذى يقوم عليه خطاب الكراهية قد يدخلنا إلى تجريم ما هو حق بطبيعته لأنه جاء قاصدا بث الكراهية والانكار للآخر أو التحريض عليه، ومثال ذلك استخدام صفات "الوطنية" أو "المقاومة" للإشارة لأحزاب فلسطينية دون أخرى، وبمفهوم المخالفة نسلخ عن الحزب الآخر صفة الوطنية أو نلصق به وصف الخيانة، فمن حق الحزب أو الفرد الاعتزاز بصوابيه نهجه أو فكره والترويج له لكن دون الانكار للآخر واستهدافه باللفظ والترميز أو الإيحاء، أو التحريض علي هدر حقوقه أو يستبيحها، فاللغة فكر منطوق والمنطوق سرعان ما يتحول لسلوك، لذلك يصبح أي كل لفظ أو إيحاء أو إنكار أو إقصاء نوجهه للآخر سواء كان لرأيه أو معتقده أو بهدف حرمانه من حقوقه الذي أقرها القانون، وسواء كان موجه لفرد أو لجماعة، نكون أمام فعل تحريض وخطاب عنف وتمييز وكراهية ينتج حالة نزاع واستهداف متبادل وينشر العنف فيما بين الجماعات.
وفى الحديث عن دور الاعلام الفلسطيني الذي تموله الأحزاب الفلسطينية في غالبه، نجده وبكل أسف أحد أهم رعاة الانقسام البالغ من العمر 12 عاماً ويتملكه التعصب الفكري، وبمزيد من الجرأة نستطيع القول بانه كان امتدادا غير حميد للأحداث المؤسفة التي بدأت عام 2006، ولازال الانكار القدحي المتبادل والاستهداف المنظم حاضرا بقوة في المشهد الإعلامي خاصة عند كل إخفاق لجولات المصالحة، ولازالت المصطلحات المغموسة بالكراهية والتعنيف والتمييز والحط من الاخر نشطة.
لذلك نعتقد أن دور إعلامنا الفلسطيني بحاجة ماسة إلى مراجعة نقدية، والانتباه إلى خطورة خطاب الكراهية، والعمل الجاد على بسط مفاهيم وقيم التسامح وقبول الاخر في الوعى العام الفلسطيني، حتى لا تستقر الدكتاتورية اللفظية في المجتمع الفلسطيني وكى لا نعزز من حيث لا ندرى حالة الانقسام والتباعد داخله، كما يتوجب أيضا على إعلامنا باعتباره مرآة معركة التحرر الفلسطيني أن يدرك سلطته في "معركة الكراهية" وأن يخوضها بتجرد وفقا لمفاهيم المواطنة والمشاركة والمصالحة الوطنية، فهو صاحب السلطة الأولى في تلك المعركة، وليس الرابعة. كما أن التخلص من الاستعلائية المنتهية إلى الاقصاء التي تمارسها بعض الأطراف السياسية أمر وجوبي، وهذا يأتي عبر فتح نوافذ الاعلام للجميع وبث لغة الحوار والعقل بتجرد، والامتناع عن الانجرار خلف التشنجات الحزبية والاستقطاب التي سيجر المجتمع الفلسطيني نحو تأصيل التمييز وتعمقه، وما يستتبعه بالضرورة من تجدد للعنف الجسدي.
إن الولوج إلى الحياة الديمقراطية ومتطلباتها يمر عبر إعلام مجرد وغير حزبي وغير منقسم على الحقوق المدنية والسياسية وغيرها، أي الاعلام الصانع للرأي العام لا المحرك له بناء على توجيه من جهاز أمنى أو حزب ما ممول هنا أو هناك، مرتكزا إلى حرية الرأي بمفهومها المنضبط، فحرية التعبير مقيدة باحترام الآخر وحقه في بناء معتقداته والدفاع عنها بالوسائل القانونية، وعن حقه في المشاركة السياسية.

*مستشار قانوني:

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات