الخميس 28 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

معركة قلعة الشقيف 1982 ... روايتان

  • 19:00 PM

  • 2015-01-22

معين الطاهر*

يقدم معين الطاهر، من موقعه كقائد لكتيبة الجرمق في "فتح"، وهي الكتيبة التي أدت الدور الرئيسي في معركة قلعة الشقيف (1982)، قراءته للمعركة من خلال قراءة الرواية الإسرائيلية من جهة، وجمع وتقديم عناصر الرواية الفلسطينية لسير هذه المعركة التي كانت إحدى العلامات الكبرى في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في سنة 1982 من جهة أُخرى.

هذه المقالة  الشهادة مساهمة في جمع الذاكرة الفلسطينية المقاومة كجزء من التأسيس لكتابة تاريخ النضال الفلسطيني.

تختلف الروايتان الفلسطينية والإسرائيلية بشأن معركة قلعة الشقيف التي جرت في الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران / يونيو 1982، وتتداخل الاعتبارات السياسية مع المشاعر الوجدانية مع النقص الكبير في المعلومات إزاء ما جرى في تلك المعركة.

فالرواية الإسرائيلية عن هذه المعركة لا تزال تلد في كل يوم تساؤلات جديدة، وتكشف عن حقائق أُخفيت عمداً. وبينما

تسربت خلال الأعوام التي تلت المعركة أحاديث ومقالات عديدة عنها، كان أبرزها ما أورده زئيف شيف وإيهود يعاري في كتابهما "الحرب المضللة"، فإن الاعتراف الإسرائيلي الأبرز جاء متأخراً 31 عاماً، حين بثت القناة العاشرة في التلفاز

الإسرائيلي في سنة 2013 فيلماً عن معركة الشقيف، أطلقت عليه اسم "الجرح الأخضر المفتوح"، واستغرق عرضه أكثر من ساعة، وتم فيه الاستعانة بصور أرشيفية أُخذت خلال الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني.

وأهم ما جاء في الفيلم كان المقابلات التي أُجريت مع الجنود والضباط الذين شاركوا في المعركة أو ساهموا في اتخاذ القرارات بشأنها، مع وصف لكيفية سير المعركة، كما تضمن الفيلم لقاءات مع عائلات القتلى من الجنود الإسرائيليين.

ومن أبرز الذين أدلوا بشهاداتهم: رئيس هيئة الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي، وكان عند وقوع معركة الشقيف قائداً لقوات غولاني التي كُلفت احتلال القلعة؛ الجنرال أفيغدور كهلاني قائد الفرقة التي توجهت إلى منطقة النبطية  الشقيف؛ موشيه كابلينسكي قائد كتيبة المظليين التابعة لرئاسة الأركان التي تولت الموجة الأولى من الهجوم.

أمّا الرواية الفلسطينية فتنظر إلى معركة قلعة الشقيف كأسطورة بطولة ألهمت الشعراء كي ينظموا عنها قصائد وأهازيج، والكتّاب كي يسطّروا روايات عن حكايات أبطالها الذين باتوا رمزاً للفداء والتضحية والقتال حتى الاستشهاد.

لكن الرواية الفلسطينية تفتقر إلى شهادات حيّة من داخل المواقع التي استشهد معظم مَن قاتل فيها، ولم يتم توثيق شهادة الباقين الذين نجوا، على قلّتهم، إلاّ في الأشهر القليلة الماضية، وذلك بعد أن كان الوعي الفلسطيني لهذه الرواية كُتب عنها في المجلات العسكرية الدولية، وقد صنفها البعض ضمن أهم أربع عمليات للقوات الخاصة منذ انتهاء الحرب العالمية

الثانية.

الرواية الإسرائيلية

وفق الرواية الإسرئيلية التي بثتها القناة العاشرة، فقد شاركت في الهجوم قوة تقدر ب 1200 جندي تقريباً، مكونة من قوات من لواء غولاني، ووحدات من الهندسة والدروع، وكتيبة المظليين التي شنت الموجة الأولى للهجوم وتعرضت لنيران كثيفة قبل وصولها الى القلعة، الأمر الذي أدى إلى إصابة قائدها موشيه كابلينسكي بجروح خطرة، وتكبيد الكتيبة خسائر كبيرة تسببت بوقف الهجوم في انتظار الدفع بقوات من لواء غولاني إلى أرض المعركة. وهذا الحظ العاثر لم يصب وحدة الاستطلاع فقط، ذلك بأن قائد القوات العاملة في المنطقة، تلقّى نبأ جاء فيه أن قائد الكتيبة المتقدمة في اتجاه شرقي النبطية أصيب بجروح خطرة، وأن جندي اللاسلكي المرافق له قُتل. وقبل ذلك بدقائق كان قائد الكتيبة قد أعلن أن اثنين من قادة سراياه أصيبا بجروح. وبينما كان يفكر في مَن يعينه بعدما فقد قائد الكتيبة، تلقى نبأ جاء فيه أن قائد وحدة الاستطلاع كابلينسكي أصيب بعيار ناري في صدره، وأن مردخاي (موتي) غولدمان تولى القيادة بدلاً منه، بحسب ما أورده زئيف شيف.

انقسمت قوة غولاني إلى قسمين: الأول التف حول القلعة لتطهير المواقع القريبة منها في أرنون وكفر تبنيت، واشتبك مع مواقع للقوات المشتركة، ووقع جزء منه في حقل للألغام؛ القسم الثاني اندفع صعوداً عبر طريق أرنون إلى القلعة، حيث واجهت القوة الإسرائيلية مقاومة عنيفة وقصفاً منسقاً أديا إلى تدمير عدد من العربات بينها عربة قائد الهجوم الجديد الرائد جوني هرنيك ومقتل سائقه وأحد مساعديه. فأمر هرنيك جنوده بالترجل وترك العربات المدرعة والتوجه سيراً على الأقدام، لكن ما إن تقدموا قليلاً حتى فُتحت عليهم  بحسب تعبير المعلق في فيلم القناة العاشرة وأحد الجنود  أبواب جهنم، فقُتل هرنيك وعدد كبير من جنوده. ويظهر في الفيلم الطبيب المرافق للقوة المهاجمة وهو يقول بصوت غاضب: لم يبق أحد.

تم إرسال قوة جديدة بقيادة المقدم دوف، واستغرق الهجوم على القلعة 60 ساعة كان القتال فيها من خندق إلى خندق، وفي داخل الخندق الواحد، ووصل في آخر مراحله إلى حد استخدام السلاح الأبيض، وحتى التشابك بالأيدي.

ويسهب الجنود الإسرائيليون في الحديث عن 12 ساعة أُخرى بعد الساعات الخمسين الأولى، والتي قاتل فيها فدائيان حتى

استشهادهما صبيحة الاثنين 7 حزيران / يونيو 1982 ، بعد أن قتلا 7 جنود وأصابا 17 جندياً بجروح.

يصف "موتي" المعركة بأنها لم تكن متكافئة، غير أن أحداً من الفدائيين لم يحاول الاستسلام، ويقول إنهم قاتلوا للاستيلاء على القلعة. كانت مهمة سرية الهندسة احتلال الموقع الجنوبي، أمّا هو فاندفع مع مجموعة مكونة من 21 جندياً في اتجاه الموقع الشمالي. وبعدما قطع مسافة 150 متراً على الطريق المتعرج الصاعد في اتجاه القلعة، كان كل ما يشاهده هو وميض إطلاق النار الصادر من ثلاثة أو أربعة مواقع. نظر خلفه كي يرى جنوده، وذهل حين تيقن أنه لم يبق من مجموعته سوى عشرة جنود، لكنه تلقى أمراً بالاستمرار في الهجوم مع وعد بإرسال تعزيزات سريعة، فتردد في الهجوم ذلك بأن رشاشاً ثقيلاً كان يطلق النار من أحد المواقع المقابلة، الأمر الذي تسبب بقتل اثنين آخرين هما يوسي ويارون، إصابة أربعة آخرين بجروح. ولم يصل إلى المكان المستهدف سوى "موتي" واثنين من جنوده هما أفيكام ورازي، وتبعهما عامي. أُطلقت صلية طويلة فجُرح أفيكام ورازي، وحاول موتي جر رازي إلى الخلف، لكنه سمع صوت قنبلة يدوية تتدحرج... قُتل رازي.

تحدثت الرواية الإسرائيلية عن وجود 27 مقاتلاً كانوا في القلعة واستشهدوا جميعاً، وهذه الرواية تصفهم بأنهم مقاتلين بارعين لم يُبدِ أحد منهم رغبة في الاستسلام، إذ كانت المعركة بالنسبة إليهم مسألة كرامة.

كما أسهب أشكنازي في الحديث عن كيف حاربوا طوال الليل و"قضينا ساعات طويلة ونحن لا نعرف من أين يطلقون النيران.

كانت النار تأتي من كل مكان." ظهر الاثنين 7 حزيران / يونيو 1982 هبطت في القلعة طائرة مروحية تقلّ رئيس

الأركان رفائيل إيتان، وتبعه وزير الدفاع أريئيل شارون ومعه جيش من المصورين، وهما لم يكونا على علم بعدد القتلى

الإسرائيليين الذين سقطوا في المعركة، فسارع شارون إلى الإعلان أن المعركة لم تسفر عن وقوع إصابات في الجانب الإسرائيلي، فردّ عليه ضابط برتبة ملازم ثانٍ: "ماذا جرى لكم؟ هنا حيث تقف قُتل ستة من رفاقي." فوجئ شارون بما قاله الضابط، وقبل أن يستوعب حقيقة ما حدث، وصل رئيس الحكومة مناحم بيغن. ويوضح الفيلم الوثائقي الإسرائيلي، أن بيغن أيضاً لم يكن يعرف حقيقة ما يجري، وأنه خاطب شارون قائلاً: "إن هواء التلال منعش... هل جرت معركة هنا؟" فردّ شارون وهو بحالة صدمة: "جنودنا أعمارهم صغيرة... لقد حاربوا هنا"، مخفياً عدد القتلى عنه.

سأل بيغن أحد الجنود أمام عدسات التلفاز: "هل كان لديهم بنادق؟" فأجاب الجندي: "كثير من البنادق." ثم سأله: "هل استسلم أحد؟" فردّ الجندي بغضب وهو يكاد يبكي: "لم يستسلم أحد منهم"، وكررها: "لم يستسلم أحد." نظر بيغن إلى الأرض فوجد الرصاص يغطيها، ثم نظر إلى شارون. وعلى حد قول المعلق الإسرائيلي، استوعب بيغن ما جرى.

قال له شارون: "لماذا جئت إلى هنا... القتال ما زال قريباً." غادر بيغن وعلى وجهه علامات الخيبة، ولم يعد منذ ذلك الوقت إلى لبنان، لا خلال الحرب ولا بعدها، واكتفى بتلقي التقارير من بعيد.

يقول أحد الجنود إنه بعد مغادرة بيغن وشارون بدقائق أطلق أحد الفدائيين الجرحى من بين الأنقاض بضع رصاصات قبل أن يلفظ أنفاسه، ويعقب قائلاً: "تخيلوا لو حدث ذلك قبل دقائق؟"

إن زيارة بيغن وشارون للقلعة ربما تجيب عن سؤال طرحه معلق الفيلم: "ما الجدوى من احتلال القلعة؟ ومَن الذي أصدر أمراً بذلك؟" تساؤل يعجز كبار قادة الجيش الإسرائيلي الذين أُجريت معهم مقابلات عن الإجابة عنه، ويحيلون الأمر إلى أوامر عليا صدرت في اللحظات الأخيرة بتغيير الخطة الأصلية التي كانت تقضي بتجاوز القلعة.

يذكر زئيف شيف أن أمراً صدر بإلغاء الهجوم من قائد الجبهة الشمالية الجنرال أمير دروري، لكن لسبب ما، لم يصل الأمر إلى الوحدات الميدانية، ويقول إن تحقيقاً فُتح في ذلك بعد الحرب ولم يسفر عن أي نتائج.

في الفيلم يتم تبادل الاتهامات بين ضباط الأركان والقيادة الميدانية، ويصف قائد القوة المسؤولة عن الهجوم، الجنرال

أفيغدور كهلاني، ضباط الأركان بأنهم "أولئك الذين يجلسون في الغرف المكيفة تحت النيونات المضاءة ولا يعرفون ما

يكابده القادة الميدانيون."

مَن أصدر الأمر؟... سؤال يبقى بلا إجابة ضمن إجماع على أن احتلال القلعة كان سيغدو ضرورياً لو كان هدف العملية احتلال هضبة النبطية لإبعاد النيران الفلسطينية، وفي حالة كان محور الهجوم الرئيسي عبر جسر الخردلي. أمّا الأصول العسكرية فتحتم تجاوز هذا الهدف ما دامت الخطة تقضي بالوصول إلى صيدا وبيروت، ذلك بأن القلعة ستتحول إلى جيب صغير وغير مهم خلف القوات الإسرائيلية المتقدمة. وفعلاً، قبل احتلال القلعة، كانت القوات الإسرائيلية قد أتمت حصار صيدا وقطعت طريق صيدا بيروت.

الدليل على عدم وجود أهمية عسكرية لاحتلال قلعة الشقيف، كما يضيف معلق الفيلم، أنه جرى تسليمها بعد احتلالها بقليل

إلى قوات الشريط الحدودي. إن الإجابة الشافية عن هذا السؤال ربما تكمن في أن المستويات العليا في الجيش والحكومة في إسرائيل كانت تبحث عن نصر معنوي وسهل في بداية المعركة بغضّ النظر عن الضرورات العملانية، ولعل هذا يفسر أيضاً التعتيم التام على الخسائر الإسرائيلية.

رواية القناة التلفزيونية الإسرائيلية لا تذكر بوضوح حجم الخسائر: تقول إن كابلينسكي أصيب بجروح، وكذلك قائد

كتيبة آخر، واثنين من قادة سراياه، وإن هرنيك قُتل؛ تعّدد أسماء عدد من القتلى مثل: أكيفا، ويارون، ويوسي، ورازي، وغودمان، وغيرهم؛ تُري مقابلات مع عائلاتهم؛ تشير إلى خسائر في هذا الموقع أو في تلك الموجة من الهجوم، لكن من دون أن تقدم عدداً إجمالياً لحجم الخسائر. حتى إن البيان العسكري الذي تحدّث في حينه عن احتلال القلعة لم يشر إلى أي خسائر تُذكر.

كذلك تجاهلت الرواية العبرية إسقاط طائرة "سكاي هوك" وأسر طيارها أهارون أبخعازي على بعد مئات الأمتار من القلعة، وإسقاط مروحية تحمل عدداً من ضباط الأركان الذين تفحمت جثثهم مع حطام الطائرة التي سقطت أسفل نادي الشقيف بالقرب من النبطية، مع أن قائد الجبهة الشمالية، كما يقول زئيف شيف، كان قد أمر بعدم تحليق أي طائرة مروحية في تلك المنطقة بعد إسقاط تلك الطائرة إلاّ بأمر شخصي منه. وتجاهلت الرواية نفسها عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا في الاشتباكات على محاور الخردلي وكفر تبنيت وجبشيت وحاروف وزوطر، المؤدية إلى القلعة، وعمدت المصادر الفلسطينية إلى تجميع الخسائر الإسرائيلية وتوثيقها من خلال بيانات النعي في الصحف العبرية.

الرواية الفلسطينية

بقيت الرواية الفلسطينية في حدود سرد مآثر الفدائيين وبطولاتهم والتغني بها.

ومع أن أسماء الشهداء وأعدادهم وأوطانهم وجنسياتهم وفصائلهم، لم يتم حصرها حتى الآن، إلاّ إن ثمة عناصر كثيرة لرواية فلسطينية متكاملة.

بدأت معركة الشقيف بقصف تمهيدي إسرائيلي جوي ومدفعي وصاروخي متواصل منذ صباح 4 حزيران / يونيو 1982،

واستُخدم في القصف القنابل العنقودية التي فرشت أرض القلعة كأنها بساط، إلى درجة أن المقاتلين لم يتمكنوا من الذهاب

إلى مستودع التموين بعدما غطت القنابل الممرات المؤدية إليه، ذلك بأن القنابل العنقودية تصبح كالألغام وتنفجر بمجرد

ملامستها أو التعثر بها. وقد تسببت بإصابة مقاتلَين بجروح خفيفة خلال محاولتهما تفجير بعض تلك القنابل.

وعلى الرغم من كثافة هذا القصف المجنون، فإن أياً من المقاتلين لم يُصب، والفضل في ذلك يعود إلى خطة التحصين المستمر، التي شارك فيها المئات من أبناء المخيمات وطلبة وطالبات الجامعات في لبنان، وأشرف عليها طلاب الهندسة على مدى أشهر سبقت الاجتياح، بقيادة وتوجيه الفدائي الشهيد علي أبو طوق.

وبموجب خطة التحصين، حُفرت سلسلة من الخنادق والأنفاق المتصلة، وتم بناء دشم وتحصينات ومتاريس وفّرت للمقاتلين حماية معقولة من القصف، وأتاحت لهم أوضاعاً أفضل لدى الاشتباك المباشر مع العدو. أمّا في مجال التخطيط للمواجهة فقد وضعت القوات المشتركة احتمالين لتقدم العدو: الأول، أن يكون الهدف هو احتلال هضبة النبطية وقلعة الشقيف لإبعاد النيران الفلسطينية، فتندفع القوة المهاجمة في هذه الحالة عبر جسر الخردلي نحو كفر تبنيت، ثم تتقدم في اتجاه أرنون والقلعة من جهة، والنبطية من جهة أُخرى.

الثاني، اجتياح الجنوب اللبناني بأسره، وربما أبعد من ذلك، فيتقدم العدو عبر المنطقة التي تسيطر عليها قوات الطوارئ

الدولية، على أن تعبر قواته جسر القعقعية، متجاوزة الحد الأمامي وخط التماس عند جسر الخردلي، وبهذا يصبح محور الخردلي محوراً لهجوم ثانوي.

قبل الاجتياح بأشهر، اضطرت القوات المشتركة إلى سحب القوة المرابطة عند جسر القعقعية إلى منطقة أنصار للفصل

بين مقاتلي حركة أمل والحزب الشيوعي إثر الاشتباكات التي وقعت بينهما.

وعند بدء الاجتياح تحركت هذه القوة نحو مواقعها الأصلية لتلتحم مع القوات المعادية على مداخل بلدة حاروف، حيث سقط منها شهيدان وخمسة عشر جريحاً.

تقدمت كتيبة المظليين التابعة لهيئة الأركان الإسرائيلية عبر سهل زوطر في اتجاه مشارف أرنون، وهناك اشتبكت معها سرية الرشاشات الثقيلة التي نجحت في تشتيت القوة الإسرائيلية المتقدمة ووقف الموجة الأولى من الهجوم. كما اشتبكت مجموعات أُخرى من القوات المشتركة مع القوات الإسرائيلية المندفعة في محور هجوم ثانوي عبر جسر الخردلي، شارك المقاتلون في القلعة في التصدي لهذا الهجوم ووقف التقدم من خلال هذا المحور بعد تفجير كاسحة ألغام مدرعة وتدمير دبابتين، ووقوع القوة المهاجمة في حقل ألغام، ووقوع سرية أُخرى في حقل ألغام آخر بين أرنون وكفر تبنيت، وذلك حين حاولت الالتفاف حول أرنون، فضلاً عن تصدي مواقع القوات المشتركة المتمركزة على تخوم كفر تبنيت لهذه القوة أيضاً. واللافت أن الرواية العبرية اكتفت بالإشارة بشكل مقتضب إلى هذه الاشتباكات التي دارت حول القلعة وفي الطريق إليها. وبينما تسهب الرواية الفلسطينية في الحديث عن محاور القتال المتعددة حول القلعة، والتي استمرت حتى العاشرة ليلاً من 6 حزيران / يونيو، فإنها تعتمد كلياً على المصادر الإسرائيلية عند حديثها عن الاشتباكات داخل القلعة بعد هذا التوقيت، ويعود ذلك إلى انقطاع الاتصالات مع القلعة، واستشهاد معظم مَن كان فيها.

يقول بعض الروايات الفلسطينية إن القلعة سقطت بعد استخدام العدو الغازات السامة.

ولتوضيح الصورة، فإن قوة حركة "فتح" الموجودة داخل القلعة كانت تتألف من ثلاث مجموعات، كل واحدة منها تضم سبعة أشخاص، وتتمركز على يمين القلعة ويسارها ووسطها. وفي ظهر 6 حزيران/ يونيو، بدأت الطائرات المعادية بإسقاط مظلات فوق القلعة، فظنّ المقاتلون أنه إنزال مظلي، ووجهوا نيرانهم إلى تلك المظلات، وبعد دقائق تبين أنها قنابل تنفجر عند ملامستها الأرض، وتخرج منها غازات خضراء اللون. يقول سعد قائد المجموعة الوسطى، والتي سقط معظم تلك القنابل في محيطها، إن شعوراً غريباً غالبه بعد سقوطها ولم يعد يدرك تماما ما يحدث، وانصرف جلّ تفكيره على جمع هذه المظلات لعمل "ناموسيات" )غطاء واق لتلافي لسعات البعوض(، من دون أن يثير تساقط القنابل العنقودية على الموقع أي أفكار أُخرى لديه.

جلس مع مجموعته داخل أحد المخابئ، وقد استمر هذا الشعور يراوده حتى المساء. ولم ينتشر تأثير الغازات في مواقع تتموضع فيها مجموعات أُخرى، الأمر الذي يشير إلى احتمال أن تكون الغازات استُخدمت بشكل محدود، وربما خشي العدو من أن تُغير الرياح اتجاهها وتؤثر بالتالي في جنوده.

وعلى أي حال، فإن الأمر المؤكد هو أن العدو استخدم نوعاً من غاز الأعصاب، لكن بتأثير محدود.

ويروي أهالي قرية يحمر القريبة من القلعة، أنهم دفنوا 30 شهيداً بعدما جمعت القوات الإسرائيلية جثامينهم. وبعد عدة أعوام عُثر على جثمان الشهيد يعقوب سمور (راسم) قائد القلعة في مكان قريب منها، وتم تشييعه في مخيم عين الحلوة. كما أنه خلال عمليات الترميم التي تمت أخيراً للقلعة، تم العثور على عظام شهيدين بين الأنقاض. وكانت مجلة تابعة لحزب كردي أعلنت استشهاد أكثر من عشرة مقاتلين لها في القلعة. ويمكن تأكيد استشهاد اثنين من الأتراك كانا مع "فتح"، أمّا باقي الشهداء فربما هم من مقاتلي الجبهة الديمقراطية الذين كانوا في موقع بين القلعة وأرنون، وقد تعرّف أهالي يحمر على جثمان قائد فصيل الجبهة خالد الأسمر.

الشهداء الذين سقطوا كانوا في معظمهم من حركة "فتح"، ووُجدوا في القلعة ذاتها وفي أرنون وكفر تبنيت، وكانوا أيضاً من الجبهة الديمقراطية التي كان موقعها بالقرب من القلعة. أمّا باقي الفصائل، ونظراً إلى القصف المتواصل، فكان قاتلوها ينسحبون نهاراً إلى مدينة النبطية، ثم يعودون إلى الانتشار حول الموقع على شكل كمائن ونقاط حراسة ليلاً. ولهذا كانت مواقع تلك الفصائل خالية عند بدء المعركة. وبين الشهداء كان هناك فلسطينيون ولبنانيون ويمنيون وأتراك وضابط من قوة استطلاع الجيش السوري تموضعت مجموعته في القلعة كي تشكل نقطة مراقبة أمامية للجيش العربي السوري، لكن عند بدء القتال انسحبت مجموعته، غير أنه أصر على البقاء، وأصبح ضابط ملاحظة، وكان لتوجيهاته أثر كبير في إلحاق الخسائر بالقوات المعادية.

الرواية الفلسطينية المتعارف عليها تقول إن جميع المقاتلين استشهدوا، إلاّ إن هذا غير دقيق، فالصحيح أن المقاتلين، في معظمهم، استشهدوا بمَن فيهم قائد الموقع الشهيد راسم ونائبه المقاتل اليمني عبد الكريم الكحلاني. أمّا الناجون، ومعظمهم من المجموعة الوسطى التي تعرضت لغاز الأعصاب، فتمكنوا من الانسحاب بعد العاشرة ليلاً، ويعود ذلك إلى قيام راجمة صواريخ تابعة ل "الكتيبة الطلابية" بقصف المدرعات الإسرائيلية المنتشرة على مداخل القلعة وتحقيق إصابات مباشرة يها، الأمر الذي اضطر العدو إلى إخلاء القلعة والانسحاب في اتجاه أرنون خوفاً من تكرار القصف.

المجموعة الناجية انسحبت في اتجاه النهر عبر درب وعر، وقد استغرق قطع مئات الأمتار منها عشر ساعات. وبعد الانسحاب بثلاثة أيام استشهد من أفراد المجموعة أحمد نصر في اشتباك قرب دير الزهراني، كما استشهد فادي سمور بعد عام لدى مطاردة فلول الجيش الإسرائيلي عند انسحابه من الجبل، وبقي منها شعبان المصري ووليد اللبناني من قرية الحلوسية الجنوبية، وسعد المقيم بعمّان، ومجاهد الذي أصبح أستاذاً جامعياً يدرّس علم الاجتماع.

هؤلاء هم الذين بقوا من الأبطال الذين وُجدوا في قلعة الشقيف الراسخة أبداً في وجدان شعبنا وتاريخه وتراثه، وهو تراث مقاومة لم ينقطع عن هذه المنطقة من بلادنا، وحسبي هنا أن أذكر أنه لدى حفر الخنادق في محيط القلعة تم العثور على رفات العشرات من شهداء الحروب الصليبية، وقد جُمعت هذه الرفات بعناية شديدة، وأعيد دفنها بمراسم عسكرية في المكان ذاته وسط مهابة وخشوع ورهبة وإيمان عميق بأن هذه البلاد أمانة يورثها جيل إلى جيل.

المراجع

-          "الجرح الأخضر المفتوح"، فيلم وثائقي من إنتاج القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي في سنة 2013 ، وقد ترجمه إلى العربية ناصر اللحام، وأعيد بثه على قناة "معاً" الفلسطينية.

-          السعدي، غازي (إعداد). "أهداف لم تتحقق". عمّان: دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، 1984.

-          شهادات لمقاتلين شاركوا في التصدي للقوات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني و/ أو في معركة قلعة الشقيف في سنة 1982:

  • أبو خليل جودة، ضابط متقاعد ومقيم بفلسطين. قائد مجموعة ضمن فصيل مضاد الدروع (م. د.) الذي كان يتمركز في بلدة أنصار. شهادة مكتوبة.
  • أبو فراس سدر، مقاتل في كتيبة الجرمق ومقيم بعمّان. شهادة مسجلة.
  • جمال أيوب، كاتب فلسطيني مقيم بعمّان. ضابط التموين في حرب 1982 في كتيبة الجرمق. شهادة مسجلة.
  • سعد عميرة، قائد المجموعة الوسطى في قلعة الشقيف. مقيم بعمّان. شهادة مسجلة ومكتوبة.
  • هاني الديك، قائد فصيل الرشاشات الثقيلة. ضابط متقاعد ومقيم بفلسطين. شهادة مكتوبة.

-          شيف، زئيف وإيهود يعاري. "الحرب المضللة". ترجمة غازي السعدي. عمّان: دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، 1985.

-          عريقات، واصف. "قلعة البطولات (الشقيف) احتُلت بالغازات السامة". موقع "دنيا الوطن" 3 / 5 /2013، في الرابط الإلكتروني التالي: http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/292852.html

* قائد "الكتيبة الطلابية" في حركة "فتح".

* مجلة الدراسات الفلسطينية – شتاء 2015

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات