الثلاثاء 16 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

أدب الاعتراف بين البوح والقبول

ولعبة الوجه والقناع ، والجائز والممنوع

صورة توضيحية من الارشيف

صورة توضيحية من الارشيف

  • 02:55 AM

  • 2019-04-14

فوزية آوزدمير:

في هذا الإطار يواجه أدب الإعتراف ، كأحد فنون الأدب ، التباساً حاداً في المفهوم ، ويطرح نفسه كإشكالية فنية وأخلاقية 
هذا ما يشبه مقولة ديكارت الشهيرة 
أنا أعترف ، إذن أنا موجود 
في سياق وضع الإعتراف مقابل التفكير ، وإعطاء الذات المفكرة وظيفة تجاوزية ، حتى ليبدو النص الإعترافي ، كأنه مواجهة فاضحة مع العالم قاطبة ، ومع الذات نفسها ، وربما مع رغبة حميمية لتعريتها من بعض قوتها وقسوتها وتعاليها 
إذ لا يمكن للاعتراف أن يكون إلا في لحظة ضعف هي صنو للحظة الانتشاء / والخوف 
وكل الاعترافات التي يكتبها الأقوياء هي تماه مع لحظات ضعفهم ، والادعاء بأنّ سردية الاعتراف هي تمثيل للقوة ، أو محاولة لما يشبه لحظة التطهير 
هذا التعبير عن الجانب الخطابي عبر سردنة ، رغم أنّ لحظة الاعتراف ، ربما تحدث بين الذات وذاتها ، لكن يبقى النص الاعترافي العربي قريباً من فكرة الفضيحة ، ومن كسر تابو المقدس والعصاب ، والقوة ، وهي تعالقات خارج الذات وجوهر تمركزها ، فلا علاقة لها بالذات التي تدعي القوة والتعالي ، بقدر مع بما هو رمزي له حضوره المفهومي والوجودي ، وحتى التطهيري 
رغم أنّ خطاب الاعتراف في الخطاب السياسي يرتبط بفكرة " الخيانة " أو ما يسمى " التسقيط السياسي " ففي العموم هو المفهوم ذاته ينطبق بكل أشكاله ومضامينه على الاعترافي الشخصي 
فهذا التقاطع بين الاعترافي والسيري والعمومي / يكمن في لعبة الانتهاك 
فالاعتراف ليس تطهيراً بالضرورة ، بل أنّ جوهره يقوم على انتهاك ما هو مقموع ، أو سري ، أو محدود التداول ، وباتجاه جعله حاضعاً للسياق السردي ، أو أن يكون جزءاً من سياق السيرة ، أو جزءاً من اهتمام العموم ، الذي سينظر إلى مثل هكذا اعترافات بوصفها جزءاً من " خطاب " الفضائح
لذلك يظل عنواناً عائماً لحرية المثقف القلقة والبوهيمية أيضاً 
ففي الغالب في أي من الثقافات الغربية ، فقد ارتبط كل من الذنب والاعتراف بأصل وجود الإنسان ، ومبدأ الاعتراف أن تتطهر الروح من الخطايا المرتكبة 
وقد حدد معجم المصطلحات الأدبية والنظرية الأدبية ثلاثة اتجاهات : 
أولها : الأدب الاعترافي الذي يتسم بالطابع الذاتي الشخصي ، لوصف وإظهار التجارب الشخصية ، ومجموعة الأفكار والمشاعر والحالة الذهنية والجسدية والروحية ، " لشخصية ما "
والثاني : هو الرواية الاعترافية ، التي عرفها المعجم بوصفها مصطلحاً غامضاً ومرناً ، يصف نوعاً من السيرة الذاتية ، خيالية كانت أم واقعية ، تكتب بأسلوبراوي الشخص الأول ، والتي قد تبدو أنها محاولة لكشف الكاتب ل " ذاته " في حين قد تفعل العكس 
والثالث : فيتمثل في الشعر الاعترافي ، إذ يتخذ طابع الاعتراف والتعبير عن حالة الكاتب الشعورية ، والذهنية ورؤيته للحياة ، إلا أنّ بعضه فقط يتميز بكونه أكثر كشفاً ل " ذات " الشاعر 
السمة المميزة للنصوص الاعترافية ، أنها تروى من شخصيات استهلكها الذنب ، مما يدفعها إلى الحديث عنه ، فتنعكس هذه الثنائية الفكرية في فلسفة بعض الكتاب أمثال " ألبير كامو " في " الغريب " و " فرانز كافكا في " المحاكمة " 
إنّ النبرة الاعترافية التي تبني جسراً للتواصل بين القارئ / والراوي : هي النبرة ذاتها المرافقة من بداية الرواية حتى نهايتها 
وهكذا يتم التواصل الأول بين القارئ / والشخصية الراوية ، حيث أنّ الشخصية الاعترافية تدلي باعترافها ، آملة إلى الوصول إلى فهم للحقيقة التي تشكل جوهر وجودها ، فيترافق مع الرغبة العميقة للشعور بالوجود 
فعملية البوح والسرد التي تقوم بها الشخصية الراوية للأحداث وردود فعله اتجاهها ، تشكل الدليل الأكبر على ملامحه الإنسانية الدفينة ، فهة وسيلة الفرد للكشف عن هويته الخاصة ، ومحاولة لتصور الذات وتقديمها بوصفها موضوعاً معلوماً ، عبر سرد يعيد هيكلة " الذات " كتاريخ واستنتاجات ، وبذات الحين تتيح للقارئ استكشاف هويته هو أيضاً 
فبإصغائه إلى بوح يقوم به شخص آخر ، وبمشاركته هذه الرحلة ، يتعرف هو إلى نفسه ويعترف بها 
وتشكل الذاكرة عنصراً مهماً من عناصر تشكيل الهوية هذه ، فإذا كانت الذاكرة هي ما يعطي لشعور الشخص ب " أناه " وبهويته مادتيهما الخام ، فإن امتداد هذه الهوية في الزمان ، مرهون باتساع أو تقلص مدى الذكريات التي يستطيع الفكر أن يطاولها 
وبهذا تؤدي الكتابة الاعترافية غرضها الذكي في الإفصاح عما يعتلج دواخل النفس ويثقلها من أسرار ، فتهمس روح لأخرى ، ويهسهس قلب لآخر 
ولكن هذا الأدب لم يحظى باهتمام الكتاب / والكاتبات العرب ، وذلك لسطوة العرف الاجتماعي والأخلاقي ، فالكاتب / ة ، تلزمه شجاعة استثنائية لكسر هذا التابو والدخول في هذه المنطقة المحرمة 
الكثير من الروائيين / ات ، العرب لجأوا إلى التخفي وراء شخصيات أعمالهم ، لكتابة جزء من سيرتهم الذاتية التي تنطوي على نوع من الاعترافات ، محاولة التماهي بين الكاتب / ة ، وشخصياته ، سمحت له بقول ما يعجز عن الاعتراف به ، بوصفه جزءاً من سيرته الذاتية 
في علم النفس التحليلي ، تلجأ الشخصية غالباً إلى حذف المواقف والأشياء التي تشكل مصدر شعور بالألم والتوتر ، وهذا ما يجعل الكاتب / ة ، العربي في ابتعاده عن أدب الاعتراف ، يخضع نفسه لهذه الآلية النفسية ، لأنه لا يريد الاعتراف بالجانب المخفي من سيرته الخاصة ، أمام نفسه والقارئ على حدٍّ سواء 
فالكتابة العارية التي نواجه فيها أنفسنا ، ونواجه القارئ هي : الكتابة التي ما زالت مفقودة ، لا عتبارها شهادة على نفس الكاتب / ة ، وعلى زمن عربي حافل بالأسرار والتحولات هي ما يفتقده هذا الأدب 
هذا المصير القاتم يكتنف إطلالته التي جاءت من بعض المبدعين على استحياء ، حيث تفتقد الشجاعة على البوح / أو الخوف من التصادم مع مجتمعات ، ترفض هذا البوح ، وتعتبره مجوناً 
فالأدب الاعترافي يحتاج إلى شيئين أساسين 
أولهما : يخص الكاتب / ة نفسه 
والآخر : يخص اللحظة الحضارية والثقافية

 

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات