السبت 20 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

الجوانب المابعدحداثية في روايات ميركو كوفاس

الناقد والمترجم/على أبو خطاب

الناقد والمترجم/على أبو خطاب

  • 01:00 AM

  • 2018-12-12

مايا سيكولوفيتش

ترجمة : علي أبوخطاب (أندروجين)

شهد النصف الثاني من الستينات ثورة نوعية في الفنون، وخاصة في الأدب اليوغوسلافي، تميزت بتطور ما بعد الحداثة، حيث  الشعرية ترتكز على قواعد محددة، ومعروفة إلى حد كبير في البحوث الأدبية الحديثة. الممثلون البارزون لما بعد الحداثة هم الكتاب الثلاثة الذين جلبوا روحا جديدة في الأدب اليوغوسلافي، ووضعوا أسلوبًا مميزًا : بوريسلاف بيكيتش، دانيلو كيش وميركو كوفاس. وقد اتفق النقاد بالإجماع على أن عام 1965 كان عامًا مميزًا وأن نشر “أزمنة المعجزات” و “حديقة، رماد”و” أختي إليدا”فتح فصلًا جديدًا في الأدب اليوغوسلافي (يركوف ، 1992).

 برز ميركو بشعريته المميزة التي تحتوي على عناصر ما بعد حداثية، متشابكة مع آثار شعرية أخرى. في هذه الورقة سوف نتناول بدقة  جوانب ما بعد الحداثة في نصوصه.

 في حياكة نسيج نصوصه، يستخدم المؤلف استراتيجيات السرد التي تهدد وتكسر السرد التقليدي المألوف مع عناصره البارزة مثل النمط السردي، والزمن، والمكان، وأسلوب التأليف، والشخصيات. تمت إعادة النظر في جميع الأشكال والقيم المقننة وتفكيكها بطريقة معينة. وفي كتاباته  يستفيد كوفاس من أشكال معينة من الاستشهادات والوثائق. وهو ـ تقريبًا ـ يحيك نصوصًا موجودة بالفعل، ومن بينها الكتاب المقدس  حيث أنه  الأبرز في نصه الخاص، مما يخلق نصًا جديدًا من عناصر نصوص الآخرين. خاصية التقطيع واحدة من خصوصيات أسلوبه؛ فإطار الفصول المنفردة يتم تعزيزها في بعض الأحيان (على حساب الكل)، مما أدى إلى تشظي السرد. وبهذه الطريقة، تشكل أجزاءٌ منفصلةٌ من النص شذراتٍ  خاصة.

سنولى اهتمامًا خاصًا في عملنا للبنيات الروائية لكوفاس، فعمله ككاتب يتسع لمجال إبداعي كامل. وسوف نحاول تسليط الضوء على جميع ظواهر النص السردي التي طورتها ما بعد الحداثة.

اتسمت  فترة منتصف الستينات والسبعينات بشعريات جديدة، أي تلك الفترة الأدبية التي اشتغلت فيها مفاهيم متنوعة . ويشير بيتر بيانوفيتش إلى أنه "بعد انهيار الحركات الاشتراكية الواقعية و الرومانسية الحديثة التي هيمنت على العقدين الماضيين، مصحوبة بأصوات ضعيفة لشعرية وفكر  سيئين معروفين  وغير معروفين، ظهر جيلٌ جديدٌ من الكتاب مع توجه شعري جديد" (بيانوفيتش، 2005: 8). وكان بيكيتش وكيس وكوفاك ممثلين بارزين لما هو حديث، ولكن حسب كلماته، فإنه ليس الحديث هو  الذي يمكن ربطه بالفترة المعروفة في الفن الشعري للقرن العشرين، ولكن  الحديث  هو "ما  يُفْهَمُ على أنه انحراف عن السرد التقليدي الموحد، بغض النظر عن الوقت الذي ظهر فيه العمل الأدبي "(بيانوفيتش، 2005: 9).

إن شعرية ما بعد الحداثة مثيرة للجدل للغاية لأنها تخلق وتكسر أنظمة مختلفة بشكل متزامن .حيث تجلب نوعية جديدة و أيضا  يخلق نصوصًا تتناص مع الأنماط القديمة. والأشكال القديمة، كما أشار إليها بيانوفيتش، يعاد تشكيلها، مما يجعلها جزءًا من حساسية جديدة. فتأسيسًا على النصوص والشعرية القديمة ، يتم حبك تناصٍ جديدٍ(بيانوفيتش، 2005).

  بعض المفاهيم الأساسية "للنص الجديد" كما يلي: "الراوي الشعري"، وفي هذا الصدد أيضًا ما يُسمَّى "القراءة الشعرية"، المرجعية الذاتية، الشعرية السردية، الاستشهاد، التوثيق، كسر التسلسل الزمني و المنطق في السرد والزمن وصورة العالم في النص، والتشظي، وإعادة التفكير في "الحقيقة التاريخية"، والأنواع الهجينة، والمعارضة.

 الرواية؛ لذلك، يمكن أن تُقرأ كسرد على سرد أو ككتاب عن كتاب "(بيانوفيتش، 2005: 6). وهناك طريقة محددة لتشكيل النص السردي تؤثر على المذكورة أعلاه. التعابير الشعرية، والمتناثرة على طول النص، تتحدث  عن شعرية الكتاب وكذلك عن  شعرية المؤلف.

 "النصوص القديمة، أو التقليد الأدبي، في مثل هذا المفهوم، هو مجرد قالب: المادة التي ستتم معالجتها في معاجلة شعرية جديدة "(بيانوفيتش، 2005: 11). إنه الواقع هو الذي يقيم علاقة معارضة مع القالب.

"المستوى المضاعف للوعي الذاتي للراوي، والنثر كشعرية ، والقراءة والكتابة كجدل مع أعمال الأسلاف، والنص كقصة والتعليق التلقائي الشعري ـ هم علاقات جديدة بما يسمى الواقع و طرق جديدة من التشكيل الأدبي لهذا الواقع، تشكل القاسم المشترك للكتاب الثلاثة "(بيانوفيتش، 2005: 13).

 في النص ما بعد الحداثي هناك شكل معين للراوي، ما يُسمى "الراوي الشعري". ويشير يركوف إلى أن "الراوي لم يعد قادرًا على أخذ كلمة بشكل افتراضي لأن شيئًا قد حدث له أو سمع شيئًا ويريد أن ينقله. يجب أن يكون مستعدًا شعريًا للعثور على قصة ضائعة في حشد من الوثائق  والحيوات والمصائر المحيطة . وهذا هو السبب في أنه راوٍ شعري "(يركوف، 1992: 30). يتكشف السرد وفقا للقواعد الشعرية الموجودة في النص، حيث فَرْضُ شكلٍ جديدٍ من قراءة النص يصبح "قراءة شعرية". هذه الطريقة من السرد تُبْقِي القارئ مستيقظًا، وتشغل اهتمامه، وبالتالي إقامة علاقة مكثفة بين القصة والمتلقي. والقارئُ ملزمٌ باتباع إشارات متناثرة على طول النص، من أجل إدارته لجميع قطع الفسيفساء السردية.

 

أما بالنسبة ليركوف، فإن الراوي هو "سيد القصة"، حيث يركز على موقع الراوي الأعلى في نص ما بعد الحداثة: "الراوي الذي يدرك المشروطية الشعرية هو سيد القصة. وهو لا يخضع للنموذج ولكنه يحكم النموذج بدلا من ذلك. التغيير مهم للغاية: لذلك، اللعب مع المعنى وحبكة القصة ليس فقط نتيجة الفائض من العملية الإبداعية ولكن أيضا ثمرة الوعي الذاتي للراوي، الذي هو نوعية جديدة. فائض الوعي السردي سمة من سمات الأدب ما بعد الحداثي. إنه أكثر بكثير من مجرد لعب مع معنى وإعادة تشكيل العالم "(يركوف، 1992: 97). وتمشيًا مع البنية ما بعد الحداثية للنص، يشكل كوفاس رواياته.

 معظم رواته من النوع الشعري. وهم يقيمون حوارًا مكثفًا مع القراء، وهو نوع من الجدة مقارنة بالنصوص السردية التقليدية. رواة نصوص كوفاس هم في الغالب فنانين، مما يؤثر بشكل أكبر على تشكيل واقع معين، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن الوضع السردي عنصر أساسي في أي بناء سردي يحكم كل العناصر الأخرى. في”المشنقة” الراوي هو المؤلف، الذي فيما سبق يذكر  في القسم التمهيدي دوبليره واجتماعه معه، مما أدى إلى ازدواجية المؤلف وخلق منظور خاص على النسخة الجديدة والمعدلة للنص. ويخاطب الراوي القارئ في النص بأكمله. "نصحني أصدقاء بشدة بعدم نشر هذه المقدمة فكما تبدو مربكة ولا تصدق، وبصرف النظر عن هذا، فإنه يعمل لصالح جميع أولئك الذين يشككون حتى  في الأعمال الأكثر الأصالة. لم أهتم أبدًا بهذا النوع من الناس، لذلك أنا لا أهتم بهذه الشكاوى، ومن الآن فصاعدًا سأقدم للقارئ هذا 'الكتاب ضمن كتاب` كشكل نهائي للعمل. مهارتنا وإتقانننا تكمن في تحسين أنفسنا. بعض هذه الطريقة سيتم العثور عليها لاحقا في كتبي. وبالتالي فإنها تمثل `جزءًا صغيرًا من العالم، كما الحكماء العلماء في”المهايانا يعلموننا أن السمة الأساسية للكون هو فراغها. أنا لا أعرف ما إذا كان يمكنني أخذ هذه الظاهرة كوهم أو ازدواج للمجهول؟ على أية حال، “المشنقة” الجديدة هي الآن أمامنا! لها خالقها، بغض النظر من ربما يكون "(كوفاس، 2003: 7)!

إذا أردنا أن نعمل مقطعًا عرضيًا لجميع نصوص كوفاس، سنلاحظ الخطوط العريضة الضمنية لراوٍ واحدٍ يبدو وكأنه ثابت في السرد، وهو نَشِطٌ جدًّا، ولديه حوار نشط مع القراء. الراوي يعلق دائمًا على النص الذي  أمام القارئ، ودائمًا من خلال مخطوطة معدلة أو منقحة من نوع ما.

عندما يتعلق الأمر بتنظيم البنية الزمنية، فمن المهم أن نلاحظ أن طبيعة النصوص ما بعد الحداثية عادة ما تعترض التسلسل الزمني والتدفق المستقيمي للزمن. نحن كثيرًا ما نواجه تغير ومزج الخطوط الزمنية، مما يؤدي إلى فقدان خيط السرد. في نصوص كوفاس،نجد  استرجاعات واستباقات تتشابك باستمرار، مع تأثير كبير على موضوع الحبكة نفسها. وبالتالي، فإن بعض النصوص يصعب اتباعها لأن القارئ يجب أن يكون مشاركًا عقليًا إلى حد كبير من أجل ربط النقاط في كل واحد ،لي/تجد نفسه/ا على الطريق الصحيح؛ من أجل تلقى الاستنتاجات السليمة ذات الصلة. أيضا، في نصوص هذا المؤلف،تشكل الذاكرة عنصرًا أساسيًا لتنظيم السرد وبالتالي البنية الزمنية لمعظم النصوص، ويستلزم مقارنة على المستويات: "ثم" و "الآن" والحاضر والماضي، و الأنشودة الرعوية  والفوضى.

 وكمثال على البنية الزمنية سنأخذ رواية “خديعة الروح”. وتتميز بانحناء الخطوط الزمنية، وبالتالي، تشكل تحديًا للتسلسل الزمني. في البداية نجد أنفسنا أمام فراش موت إليدا ومع ذلك، يتم إحياء شخصيتها مع تقدم النص. تُنَظَّمُ القصة عبر مقاطع من الحياة، بحيث أن كل مقطع يتبع قواعد الزمن الخاصة به. يجب أن نضيف أيضا أن أسلوب التقطيع أو التقسيم يعد نموذجيًّا في طريقة  تنظيم كوفاس لنصوصه. في هذه الحالة، يتم تنظيم كل مقطع من خلال شفرة وقواعد الزمن في السرد نفسه.

إن رفض المنطق والسببية والاكتمال يرتبط بتنظيم الزمن والسرد (الراوي)، مما يؤدي إلى كسر السرد التقليدي ومساءلة الشريعة والنظم المعرفية والقيمية  (بيكانوفيتش، 2008). في السرد التقليدي نجد الزمن يمر على مسار ثابت و لن يكون القارئ في حالة من الارتباك وعدم القدرة على تنظيم التيار الزمني في وعيه.

 تتميز طبيعة نصوص ما بعد الحداثة بالتجزئة المحددة التي تسمح بتعزيز أطر الفصول الفردية، وكذلك وحدات إنشائية أصغر. وتتعلق تجزئة السرد بهذا. ومن الممكن توسيع وظائف الأطر، أي حدود الافتتاحية والخاتمة، وكذلك حدود  الفقرات الفردية. ويتعلق أسلوب التشظي بتقسيم محدد. التشظي في نصوص ما بعد الحداثة ينعكس في كسر الوحدة والكلية. أجزاء القسم توجد  من تلقاء نفسها ولا يتم امتصاصها في كل أكبر، مما يسمح فقط للتغاير والتشتت. وينعكس تشظي بنية السرد في البناء الإنشائي للنص، الذي أصبح ممزقًا ومفككًا.

"في رواية كوفاس نجد أن وظائف الأطر، أي حدود الافتتاحية و الخاتمة  للفقرات  والأقسام والفصول الفردية،  معقدة وموسعة، حيث تم تكسير السرد و  تننظيمه بشكلٍ مجزإٍ في حين أن وظائف الأطر تم تضمينها في الجزء المركزي من السرد "(بيكانوفيتش، 2009: 156).

 يميز التقطيع الكثير من نصوص كوفاس. نصوصه تعمل على مبدإ تقديم لقطات من الحياة وصور منفصلة يتم تنظيمها في بنية الرواية، وهذا هو السبب في أن النصوص غالبًا ما تُنَظَّمُ على أساس فسيفسائي.

حين نأتي إلى “مقدمة لحياة أخرى” فإن النص يتشكل "بشكل فضفاض"، وفقا للمؤلف، ويمكن للمرء أن يقول إن هذا هو الحال حقًّا إذا أخذنا في الإعتبار تنظيم النص. بالإضافة إلى راوٍ شخصي واحد، موجود في كل فصل، لا شيء آخر موجود كخيط من شأنه أن يؤثر على ترسيخ نسيج مترابط للرواية. وينظم النص كله على السرد المتشابك والخطاب الشعري. وهي تنظم من خلال سلسلة من الفصول، وعلى رأس كل منها عنوان خاص يتعلق بالفعل. لا توجد وحدة بين الفصول. كل واحد منها يعمل ككيان في حد ذاته ولا يرتبط مباشرة بمحتوى المقبل. لا تتشكل الفصول  بنفس الطريقة ولكنها تختلف. بعضها مصمم على شكل شظايا من كتلة أكبر، في حين أن بعضها موجود ككل بمفرده.

قراءة أعمال كوفاس في ضوء المفتاح الشعري ما بعد الحداثي تتضمن تقاطعًا مباشرًا مع التوثيق. وبموجب مصطلح التوثيق نتفهم إجراءًا أدبيًا يتعلق بإدماج أشكال مختلفة من المصادر المكتوبة في النص، والتي تتمثل وظيفتها الأساسية في الشهادة على زمن أو حدث ما أو خلق وهم صحة وتاريخية النص نفسه. واحدة من السمات الرئيسة  لشعرية قص كوفاس تنعكس في وجود الوثيقة كعاملٍ أساسٍ في بناء النص. في مقالته“التوثيق أسلوب”  يقدم كوفاس ملاحظة مثيرة للاهتمام حول هذا الأسلوب: "أفعال جميلة للاحتواء، واختيار دقيق “لإحالات واسعة المعرفة”،وأسلوب النقل الجدي، وإدراج قصاصات الصحف، والإعلانات، واقتباسات من المراحيض العامة ، وكتب السفر، وفقرات من القوانين، والكتيبات، والأبراج، والمقاطع الميتة والبنيات اللغوية للآخرين؛ وكولاج وتواشج مواد أدبية وغير أدبية ، واختلاقات تضمينية، وكلمات الآخرين كما لو كانت كلمات المرء، وكلمات المرء كما لو كانت كلمات الآخرين، وذلك باستخدام كراساتٍ وموسوعاتٍ وعروضٍ رخيصةٍ ومصادرَ وهميةٍ ومصادرَ حقيقيةٍ وما إلى ذلك. هل يمكننا حقا تحديد هذه المجموعة الكاملة من الثروات المتنوعة للرواية كاسلوب توثيقي؟ وإذا استطعنا، هل هذا التعريف مُرْضٍ، أم أنه لا يوجد أي شيء آخر أفضل في الوقت الراهن؟ في أدبنا، ما يسمى الحركة التوثيقية جاء كنقد للأدب التعسفي.

 “سادتي،  لا يمكن إغفال الحقائق. رواية بلا بيانات غير كافية. الكتابة من  الدماغ مجرد خربشة متسرعة. يمثل الاسلوب الوثائقي درجة عالية من الخيال "(كوفاس، 2008: 51).

 “مالفينا”  رواية قصيرة ترتكز على أساس وثيقة في شكل رسائل، تسمى المخطوطات ألف وباء وجيم وما إلى ذلك. وما يميز هذا النص بشكل خاص هي الصور التي تظهر كشكل محدد من أشكال التوثيق ، بناء على وهم الأصالة والتاريخية. وبهذه الطريقة، يتم تعليق لحظة في حياة البطل ويتم القبض عليها باعتبارها لقطة فوتوغرافية. وتعليقًا على ظاهرة إدراج صور فوتوغرافية في نص "نجمة داود" ، تسلط  تاتيانا بيكانوفيتش الضوء على ما يلي: "إن الشحنة الدلالية للصورة كوسيلة موازاية لغويا للتعبير، عند إدراجها في سلسلة من الإشارات اللفظية، تزيد دلاليًا، ومعانيها المعقدة تشارك في التشكيل المحدد للزمن السردي، أي في غموضها وأسطرتها. تلتقطُ الصورُ لحظةً ما وتحافظ عليها للأبد أو لزمنية مماثلة: "تعيش الصور لفترة أطول من البشر". وبالإضافة إلى ذلك، فإن دور الصور ومجازها المحدد -كدلالات أيقونية مميزة في الرواية- مهمٌ جدًا. وتضاعف وظائفهم السردية حيث تظهر كأشياء لاحظتها بعض الشخصيات أو أنها تعطي زخما للقصص المضمنة الجديدة: `من هو هذا الحاج؟ أو يتم إدراج الصورة مباشرة في النص و بخصائصها التصويرية الخاصة تشارك بنشاط في تطور السرد الفردي، والأكثر شيوعًا الشخصيات والأمكنة، ولكن بشكل غير مباشر أيضًا في الزمن التاريخي كما يتم تسجيلُها بوضوح عليها "(بيكانوفيتش، 2006: 23).

في عدد من نصوص كوفاس، تظهر الوثائق في نسيج النص، مؤكدة أن هذا الاسلوب هو المهيمن.

 الاقتباس كأُسلوب خاص يجد تعبيره الكامل في كتابات ما بعد الحداثة. على الرغم من أن هذه العملية قديمة مثل الأدب،فإنها  في النصوص ما بعد الحداثية  "نتيجة التوجه الشعري". وتتميز معظم النصوص ما بعد الحداثية بالحوار والشخصية التناصية. ويشير ليسيتش إلى أن رغبة المؤلف في ما بعد الحداثة بالتواصل مع الكُتاب الآخرين أصبحت أقوى من أي وقت مضى. "وبسبب هذا، فإن نصَّ ما بعد الحداثة غالبًا ما يكون له خصائص" الميتا نص/النص الماورائي  "الذي يمثل - كليًّا أو جزئيًا - نسخة طبق الأصل من النصوص الأخرى،  كنسختها، أو مجرد اقتباس، أو إشارة،أو توافق انفعالي أو معارضة،  والتي أصبحت الآن شعبية بشكل خاص "(ليسيتش، 2008: 424).

معظم نصوص كوفاس تتميز بحوار تفاعلي مع الكتاب المقدس. يظهر الكتاب المقدس ك”برومو نص/نص أولي” حيث يتم انتزاع اشارات تُستخدم لتشكيل النصوص التي كتبها هذا المؤلف.

في “البوابة إلى الرحم” يتم تنظيم المواد على شكل وقائع تاريخية، تقلد السجلات التاريخية كتبَ العهد القديم، حيث يمكن التعرف على الوقائع كأنماط أولية في التاريخ ومصير الأبطال.

 "في المشنقة يستخدم كوفاس النص الشبيه للكتاب المقدس للإشارة إلى تكرار النماذج الاولية - الهرسك تشبه إسرائيل كما هو مبين في الكتب النبوية (في الواقع منذ أي وقت مضى منذ سفر التكوين): كافر،مليء بالخطايا، كتجسيد بسقوط الإنسان، مما تسبب في أن يصبحَ هدفًا لغضب الله. على الرغم من أن موقف والد الراوي في “المشنقة” يشير إلى إرميا نبي العهد القديم، و نبوءاته (إنه يتنبأ باستمرار بالموت) إلا أنه غير مؤمن و على الرغم من أننا نتعرف على شخصيات الكتاب المقدس الأخرى (أيوب، وحتى المسيح نفسه) فيه، فإن  المؤلف ينزع  البعد الميتافيزيقي للتنبؤ "(أحمتاكيتش، 2007: 98).

 الحاجة إلى النظام والتسلسل الهرمي الذي ميز الحداثة بعد الحرب قد تم التخلص منه  تماما في ما بعد الحداثة. وعلاوة على ذلك،أن ما بعد الحداثة تتحدى جميع النظم، وغالبًا ما تعيد النظر في ماضينا، حيث العودة ليست نوستالجيا ولكن نقدية بالأساس. في عالم ما بعد الحداثة يتم مسآلة كل شيء حيث لا إجابات مستقرة، لأن كلًا منهم مشروطٌ بالسياق. ما بعد التحديث يلغي أنظمة القيمة المستقرة والحقيقة المطلقة، ويراجع الحقيقة التاريخية باعتبارها الأكثر أهمية. ويعزز ممثلو هذه الحركة موقفًا متحللًا تجاه التاريخ، يعيدون التفكير فيه بعمق ونقد. وتذكر ليندا هوتشيون في” شاعرية ما بعد الحداثة”  الرأي القائل بأن ما بعد الحداثة تسحق التاريخ إلى "مزبلة من الأنظمة المعرفية البالية، وتجادل بانتصار أن التاريخ لا وجود له إلَّا كنصٍّ" (هتشيون، 1996: 37). وتشير المؤلفة كذلك إلى أن التاريخ لم يعفُ عليه الزمنُ، ولكنه فقط يُعاد النظرُ فيه مرةً أخرى بوصفه بناء إنسانيًّا. "في الجدال يأن التاريخ لا وجود له سوى كنص، فإنه ليس غباءً و" ابتهاجًا "نفي وجود الماضي ، ولكن فقط أن إمكانية الوصول إليه الآن مشروطة تماما بالنصوص" (هتشيون، 1996: 37). في كتاباته،  يعيد كوفاس أيضا  النظر في الحقائق التاريخية ويرسم التاريخ من وجهة نظره الخاصة،و في كثير من الأحيان يركز على الأيديولوجية الشيوعية والابتعاد عنها.

 تنعكس خصوصية النص ما بعد الحداثي في تقاطع أو تهجين الأنواع المختلفة. وكما يشير ليسيتش: "وبينما كانت الكلمة الرئيسة في شعرية الحداثة هي" التماسك "، أي بنية متسقة وغير منحرفة للنصوص، فإن شعرية ما بعد الحداثة تفضل التناقض الأسلوبي، وعدم التناسق بين الأجزاء، والانقطاع السردي، ومزج التقنيات السردية" ( ليسيتش، 2008: 422).

ينعكسُ مزجُ الأنواعِ في تقاطع مختلف التنوعات، حيث النص يمكن أن يكون رواية تاريخية،ورواية نفسية و"ميتاقص/قص ماورائي" في نفس الوقت.

 " حالما يتم تضمينها في رواية،  فأن مذكرات السيرة الذاتية تغير الوضع وتعادل نفسها مع العناصر الأخرى التي تشكل الرواية: ما كان  حدثًا في  الحياة الواقعية يصبح مجرد خيالٍ مثل كل شيء آخر في الرواية. ولكن هذه العملية من تشخيص القص، أي تضمين ما هو شخصي في جسد الرواية، في الوقت نفسه يمثل محاولة لكسر الموضوعية الظاهرة التي اقترحتها الرواية القديمة بإسلوبها الواقعي، وبالتالي خلق مساحة ل` الكتابة عن الذات `الذي هو سمة مميزة لما بعد الحداثة" (ليسيتش، 2008: 423).

  نجد  في نصوص كوفاس الكثير جدًا من الاوتوبيوغرافية. وغالبًا ما يكتب الراوي عنده سيرة ذاتية ويقدم عناصر ذاتية. ومع ذلك، تحت تأثير النص وصياغته، هذه العناصر لا يمكن أن تؤخذ على أنها ذات صلة لأننا في عالم الخيال. تقريبًا  ليس لأي من نصوص كوفاس شكل روائي نقي ، وهناك دائما بعض التهجين والتقاطع عبر الأشكال. وكثيرًا ما يستندُ السردُ إلى مبدإ الأشكال القصيرة، أي مبدأ القصاصاتِ التي يتم تنظيمها لتشكيلها ككل.

“مدينة في المرآة” نوع من الحدود بين نص الرواية والسيرة الذاتية. يشير الراوي نفسه إلى أنه يكتب نوعًا من السيرة الذاتية - ذكريات أزمنة مضت.

 في”مقدمة لحياة أخرى” هناك أنواع مختلفة وهكذا يُبْنَي النصُ على قصص قصيرة ضمن قصة كبيرة، ونوع شعري – قصائد.

في نصوص كوفاس، نجد حضورًا جليًا  لبعض الموتيفات  التي يمكن أن تكون مرتبطة أيضا بالواقع ما بعد الحداثي. وهكذا، بالمعنى الدلالي، فإن موتيفات الموت، والشيطان، فضلًا عن العائلة و العلاقات الأسرية، تسود. إن موتيف الموت، كما لاحظ بعض النقاد، يأخذ مكانة متميزة في بنية العديد من نصوص كوفاس. الموت مهيمن مقارنة بالحياة، مما يتفق مع قواعد ما بعد الحداثة من دمار وانهيار. وهناك مبدأ مماثل للتدمير موجود في تشكيل العلاقات الأسرية والعائلية، التي عادة ما تكون مختلة ومزعجة. الشيطان على العكس من الله، الشر بدلًا من الخير، الأُنشودة الرعوية مقابل الفوضى، هي المبادئ التي تحكم النصوص الفردية. كل شيء تحول للداخل.

في هذه الورقة، حاولنا تقديم العناصر الرئيسة للشعرية ما بعد الحداثية  وعلى سبيل المثال نصوص معينة كتبها كوفاس. لقد سلَّطْنا الضوء على النموذج السردي، تنظيم “الكرونوتوبيا/الزمكانية”، التشظى، الاقتباسات، تهجين النص، التوثيق والحقائق التاريخية، وثبت أن نصوصه تحكمها إلى حد كبير قواعد هذه الشعرية المميزة.

مراجع:

*أحمتاكيتش، ياسمينا،أمطار الفحم الحي،بلغراد 2007.

*بيكانوفيتش، ت، ميركو  كوفاس: سيد القصة،2008 .

*بيكانوفيتش، ت،السردية في الجولات الشعرية ،2009.

*بيكانوفيتش، ت، الفسيفساء السردية لنجمة ديفيد ،2006.

*هتشيون، ليندا، شعرية مابعد الحداثة ،1996.

*يركوف، آ،نص جديد ،1992.

*كوفاس، ميركو،المشنقة ،2003.

*كوفاس، ميركو،عفن الأوروبي ،2008.

*ليسيتش، ز،نظرية الأدب ،2008.

*بيانوفيتش، ب،نثر دانيلو كيش ،2005.

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات