الخميس 18 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

( الشّعرُ لعبةُ الجَمال)

لدّكتور سلمان كاصد: إنَّ نجاح إبراهيم كتبت الشّعرَ من أجل تجديده.

  • 09:40 AM

  • 2018-10-17

الدّكتور سلمان كاصد*:

كيفَ نفهمُ الشّعرَ ونتذوّقه ؟

تساءلتْ "اليزبث درو" من قبل ، وهو سؤالٌ ظلَّ لقرونٍ طويلةٍ يتردّدُ في كتابات النّقدِ الأدبي ، حتى إنّه اختلط بسؤالٍ آخر وهو: كيف نعّرف الشّعر ؟. 
ولهذا نقول : ربّما كان اختصار "جان كوكتو" كلتا الإجابتين بدا مُحيّراً أيضاً ، حينما عرّف الشّعر بأنّه : ضرورة، ولكن لا أعرف لماذا ؟ أعتقدُ أنّ القصيدة تحملُ غموضاً كونياً لا يمكن الوصول إلى تفسيرٍ له وضبط دوافع خلقه . كونها، أي القصيدة نتاج تصوّر لعالمٍ يمزجُ بين الافتراضي والواقعي، إذ لا نجدُ افتراضاً مَحضاً ولا واقعاً منظوراً، إنه امتزاجُ الحواس بكلّ اختلافاتها، حتى إنّنا نستقرئُ جدلاً أنَّ القصيدة التي يكتبُها شعراء محدثون هي فعلٌ سرديٌّ في أغلب تمظهراتها، على اعتبار أنَّ السرودَ لا حصر لها بحسب "رولان بارت" 
أجدُ هنا أنَّ شعراء قصيدة النثر هم أكثر من تمسّكوا بالسرود، كونهم لم يتخلوا عن البنى الموضوعاتية الأخرى ،كالخيال ، والتجلي العاطفي والبحث عن المغايرة ، وكلُّ ذلك انعكس على اللغة الشّعرية التي تُكتبُ بها القصيدة النثرية .
حسناً، حينما يتعالقُ الجانبُ الاستعاري والآخر الكنائي تتخلّقُ قصيدةُ النثر بمعنى يتعالقُ الشّعري بالنثري، أي الخيال بالسّرد . ولأننا نعلمُ تماماً أنَّ للشعرية صلة وثيقة بلغة التصوير ، كون بناء الشّعر بناء للصورة قبل كلّ شيء، وأنَّ تراكب الصور والمفارقة السردية بينها يرتبط ارتباطاً أساسياً بزاوية النظر ، كلّ ذلك يرتبط باليومي والآني الذي يعيشه الشّاعر. الشّاعر هنا خالقُ لغة تصويرية وسردية معاً، تعدُّ هذه اللغة خطاباً مقنعاً إلى حدّ كبيرٍ للمتلقي الذي ربّما يميلُ لجانب دون آخر، إذ كما أرى أنَّ الذّهنَ البشريَّ لا يبتعدُ عن هذين الجانبين في الأحوال جميعها.
لقد جئتُ باستهلالي هذا لكوني أحاولُ جاهداً أنْ أقرأ نصوصاً شعرية للمبدعة "نجاح إبراهيم" في ديوانها الجديد "عاصفةُ الجَمال" ، وهي شاعرةٌ استثنائيةٌ في مزجِ التصويرية الاستعارية بالسردية الكنانية ، وهي بذلك تعيدُ تشكيلَ الواقعِ والخيالِ في اللغة الشعرية المتفرّدة عبر مجموعة من الأنساق الجديدة وأهمها : 1- العنوانُ بوصفه دالاً 2- التكرار بوصفه نسقاً 3- التمركز حولَ ذات الآخر 4- التقابل الدلالي بين العناصر الشعرية.
قبل كلّ ذلك لابدَّ لنا أن نقرّ بأنَّ نجاح إبراهيم، تمتلكُ درايةً منضبطةً باللغة وتراكيبها، وأنَّ حساسيتها ورهافتها اللغوية تتجاوزُ الكثيرات والكثيرين الذين لا تمرُّ قصيدة لهم بدون أخطاءٍ قاتلة، وخروجٍ فاضحٍ عن الضوابط العربية . 
في "عَاصفةِ الجَمال " لنجاح إبراهيم، قصائد تكثّفُ رؤيتها حين تقول" : ما عرفتُ الجَمال قبل جمالِكَ

الطرفُ سكران ناعسٌ

أم مثقلٌ بمثالِكَ ؟"

هذا النّصُ الشّعريُّ القصيرُ يلخّصُ مفهوم العنوان، حتى إنه أصبحَ دالاً على العنوان " عَاصفة الجمال " بوصفه عتبه نصية، والذي تخاطبُ فيه السّاردة / الشاعرة جمالاً وأيّ جمال حتى إنّها تقول له في قصيدة "تعال معي :

"كي نمضي معاً

عليكَ أنْ تكونَ فارساً في السّاحات

صادقاً كالنبوءات

سنديانة لا تكسرها ريحٌ

حتى نمضي معاً

عليكَ أن تكون نقياً

كيمامةٍ بيضاء. . "

تلك هي اشتراطات الأنثى /الشاعرة كي تمضيَ بالجَمال/ الفارس ، وأهمّها صدق المشاعر التي تصفها بالنبوءات وكلّ ذلك تصورياً، ولم تكتفِ بذلك بل تعدّت إلى الواقعية حينما وصفت الجَمال والرّجولة بالسنديانة لجمالها وقوّتها التي من المستحيل جداً أن تكسرها الرّيح . ولنقل إنّ هذا الاستهلال يعتمدُ الحجاجية في التصوير ، حيث إنّ الشاعرة قادت الرّؤية الشّعرية المتخيّلة إلى المنطق وكل ذلك من أجل أن تخضّرَ القصيدة، لينبعثَ حلمٌ في نهار الرّوح . تلك هي نجاح إبراهيم تنتقلُ في قصيدةٍ واحدةٍ من رؤية إلى أخرى من أجلِ أن تنبجسَ القصيدةُ عن صورٍ تفوحُ بعطرِها الأنيق:

"ينتسبُ عطري لشجرِ يديك

هلا كنتَ لنمضي في الخطوات.."

تلك هي القصيدة الاستهلالية الأولى في الدّيوان والتي أجدُ أنّها قد وضعتْ للآخر خطاباً حمل كلَّ حجاجيتها في اختيار الآخر الجميل.

مَنْ الجميل في قصيدة نجاح إبراهيم ؟ هو الآخر ، العالم ، الألوان ، البلاد البعيدة والبلاد القريبة، الحبّ بوصفه مشتركاً فاعلاً في العلاقة بين تلك الأشياء . أعتقدُ أنَّ هذه المفردات جميعها عناصر قارة ومهيمنة في عالم نجاح إبراهيم الشّعري، ولهذا تجلّت لديها الانثيالات الوصفية الباذخة، كونها العاشق الأكبر للحُبّ الذي أصبحَ لديها وسيلة وليس مبتغى. إنّها تتعشقُ الشّعر وكونها تتعشقُ تاريخ البشرية كلها والذي أنتج الشّعرَ ذاته . أيُّ رهافةٍ هذه التي تحاولُ نجاح إبراهيم أن تكتشفَ من خلالها الغموضَ ، ذلك الذي وصفته بالكوني ، مثلما كان الكون / الشعر غامضاً كانت الذات / الحُبّ غامضة جداً، بعد سنة أو سنتين، أو أكثر من الوجع والغموض نكتشفُ قربنا الذّهني للآخر / للأنا ، ونبدأ لذّةَ وجودنا الشّعري.

أقولُ إنَّ نجاح إبراهيم تطلقُ عاصفةً من الجَمال في جسد القصيدة العربية الضّامر، تلك القصيدة التي لم تعدْ تملكُ جسداً فارعاً ، ولهذا الضّامر، تلك القصيدة التي لم تعدْ تملكُ جسداً فارعاً ، ولهذا نجدها تتكئُ على عنصرٍ أصبح مُهملاً وجودياً في عالمٍ قاسٍ وهو " الحُبُّ/الجمالُ " لتبدأ منه ترميمَ العالم.

كلُّ شيءٍ يمتزجُ عندَ نجاح إبراهيم بالقصيدة /الأزرق، الأخضر؛ الأزرق في البحر والأخضر في الشّجر وجميعها تكابدها القصيدة ،غموض الأزرق يعادلُ لحظة ائتلاق الأخضر :

" ما هذا الذي ائتلق

شجرُ قلبي

أم نخيل دمي

اشرأبَّ من رمادٍ

وماجَ من ورق..؟"

هي نتيجة فاعلة نجدها في الورق / القصيدة بفعلٍ سرديٍّ سابقٍ وضعته الشاعرة لاحقاً:

" لما رأيتُ وجهاً

فجراً خلتُهُ

يرتلُ بالنّور

رسائلَ الشفق.."

ولكن بعدَ كلّ هذه التساؤلات، لابدَّ للشّاعرة نجاح إبراهيم أن تفصحَ عن سرِّ هذه التساؤلات والإجابات الغامضة بكشفِ ما أرادت أن تقوله ولن تقوله ، سوى بغموضٍ آخر: " أأفضي بســــرٍّ ؟

هنا تنتهي الأفعالُ السّردية والوصفية بما يمكن أن نطلقَ عليه بالبُنى السّردية الواصفة، حيث يمتزجُ ما هو قار (الوصف) بما هو حادث (السرد) واللذان يتحايثان في أكثر قصائد نجاح إبراهيم، وهو جزء من تأثرها بالرّواية ومزاولتها كتابتها والنقد فيها . أجدُ أنَّ هذا النّسق الشّعري أصبحَ مهيمناً على شعرية نجاح إبراهيم، وكما نجده في قصيدة "الجبلُ يَسندني" حين تقول:

" أربعونَ حولاً

والضّوءُ يُوغلُ في الجنون

ألقاً يَعزفني

يعتّقُ القصيدة بالشّجر

والنبيذ

والأغاني

وخيام الحزن في القلب

طواها عني.."

تلك هي صحوة الحُبّ التي تحكيها شهرزاد " لاحظ الاستبدال في دراسة الشّاعرة المعنونة "شهريار" الصّادرة عن دار ملهمون في الإمارات/ الشارقة مؤخراً2017 حيث تلخصُ الشّاعرة نظرتها للحُبّ.

تقول في قصيدة صغيرة لها وهي تعدُّ من أجمل قصائد هذا الدّيوان بعنوان " اعتراف :

"مُتعبٌ قلبي من الغياب

ونهاري أقفرَ من بهائه

والحارسُ الموجوعُ

أغلقَ في وجهِ الصبحِ آخرَ الأبواب. ."

هنا نتحسسُ النّسق الثالث الذي أشرنا إليه وهو التمركز حولَ الذات / الآخر.. نشهدُ الغيابَ بعيداً عن الحضور في ثنائية ضدية، واضحة، إذ ترى تعبَ القلبِ من غياب الآخر، وحضور الذّات بسببِ الحارسِ الموجوع الذي أغلق آخر أبواب الصبح ، وترجع الشّاعرة في أقصر القصائد لتحكي :

" كمْ من درويشٍ

طافَ بالثوبِ في شرياني

فلا استفاقَ ضوءٌ

ولا غنّتْ شمسٌ على بابي.."

إنّها قصيدةُ اعتراف بغيابِ الحضور.

تلك هي نجاح إبراهيم، تكثفُ الشّعرية لديها وتمدّ الشّعرية أيضاً متى تشاء ، وتبدعُ في كليهما تكثيفاً واسهاباً ، وهذا اقتدارٌ قلتُ فيه ، لأنّها أمسكت زمامَ اللغة وبرَعت في اختيار مفرداتِها التي تبثّها في القول الشّعري .
في الدّيوان، نجدُ تكراراً شعرياً رَهيفاً عند نجاح إبراهيم بأساليبَ بنائية مُعقدة ، ربّما أقول ولستُ مغالياً إنّها الشّاعرة التي تصنعُ اللعبة النّسقية لوحدها دون أن تقلّد أحداً ، وهي : 1- تكرار نسقي لمحفّزٍ موزّع في أغلب القصائد. 2- تكرار لفظي نسقي قار في قصيدة واحدة. ولنأخذ التكرار النّسقي المحفّز الأوّل والذي نجدُه في تداول مجموعةٍ من الألفاظ في قصائدها ومنها " الشجر" " الضوء" "الضّياء" "القلب" "الجَمال" "العطر" "انظر إلى قصيدتي "من مقام العطر" و "إلى عطري أقرب"
تقول في قصيدة افتح كفك:

" افتحْ كفّك

سأنســــكبُ عطراً.."

ولأنَّ نجاح إبراهيم شاعرةُ الإيحاء بكلّ تجلياته، نجدُها تلخصُ وجعَها حين تقول في "قربان المسافات:"

" في جنوبِ العراق

سريرٌ تئنُّ مفاصلُه من البُعاد

يعرّي روحي من صبحِها

ونوارس يومي تحارُ في شدوِها

وكلّي يغدو مدناً في سهاد

يا مسافات !.

ولو أردنا أنْ نبحثَ عن التكثيف العميق في رحلة الحُبّ عند نجاح إبراهيم ، لوجدناها مُلخصة في قصيدتها "إلى عطري أقرب" ، وهي تستخدمُ كلَّ الإيحاءات التي أشرنا إليها "الكف " كما في قصيدتها "افتحْ كفّك " والعطر" كما في قصيدتها " من مقامِ العطر" حين تقول في "إلى عطري أقرب :

" تعالَ ثانيةً

فالكونُ في كفي صارَ أرحب

والطريقُ إلى الشّام ،مثل أصابعي

مزنّرٌ بالورد والأنهر

تعالَ كي تؤاخي عطري

وتكون إلى القصيدة أقرب."

أعتقدُ أنَّ القصيدة التي تصفها الشّاعرة نجاح إبراهيم هي الشّام / الذات ، وهي الرّحلة الثانية بعد أن عُرف الطريق إلى العطر، فلماذا لا يمتزجان؟
تلك هي لعبة نجاح إبراهيم وهي تغزلُ ثوبَ قصيدتها ببراعة واقتدار ونستطيعُ أن ندللَ على ذلك من خلال قراءة قصيدتها " أنا الشّام" ، وكأنَّ ماافترضناهُ أنَّ الشّام هي الذات في قصيدة " إلى عطري أقرب" نجدُه هنا في قصيدة " أنا الشّام " حيث تقول:

أنا الشام! سنابلي بعلو صهيلي

ونشيدي يلفُّ الكون

سأفكُّ قميصَ برقي

المرهون

بالأنجم

والعطرِ

فيسبح في بياضٍ الأنام.

ولكن علينا أن نستشهدَ بقصيدة "كان لابدّ من ذلك" التي تكوّنت من تسعةِ مقاطع، جميعها تبتدئ باللازمة التالية "لابدّ من" لتسع مرّات تكرارية أيضاً باستهلال كلِّ مقطع ، وبهذا نجدُ التقابلَ الدّلالي بين العناصر الشّعرية ، حين يلتقي الحضور بالغياب، والأنا المعطرة بالشّام الأليفة . لقد تحدّثتُ عن التكرار الموزّع في قصائد نجاح إبراهيم، وبالضرورة على هذه الدّراسة أن ترصدَ التكرار في قصيدة النثر بمجملها ، ومثلنا على ذلك في قصيدة "قلق": "لا تقلق بشـــأني--------- لا تقلق بشـــــأني.

وفي قصيدة "هبني رسولاً" نجدُ أيضاً : مَنْ لي برسولٍ ------------- مَنْ لي برسولٍ. وفي قصيدة "تعالَ معي" نجدُ : عليكَ أن تكون فارساً -------- عليكَ أن تكون نقياً. -------- عليك ألا يعرف اليأس طريقَه إليك. وفي قصيدة "أجراسُ الأزرق" نجدُ : لي في أزرقك ------- لي لغة تنهضُ من الموج ------- لي فيه طقسٌ زراد شتيٌّ ------- لي برارٍ تطلعُ من عشبِ يدك. كذلك نجدُ تكرار "أوغلْ فيّ يا عيد" بقصيدة "صباحٌ بطعمِ العيد" .. أمّا التكرار اللفظي الثنائي ، فنجدهُ أيضاً بوصفه نَسقاً لغوياً يعبّر عن تعلّق الشّاعرة نجاح إبراهيم بشكلٍ شعريٍّ تراه جميلاً ، فرضته ضرورة لحظة القول الذي تريدُ منه "التوكيد" كما نجده في قصيدة " زليخة أنا " حين تقول :

" اسم يوسف من دمها حرفاً حرفاً". وكذلك في قصيدة "في اقتفاء براريه": أتصفحُ الأبعاد شبراً شبراً. وفي قصيدة "أجراس الأزرق" نجدُ" : تعلو في أروقة جنوني موجة موجة" . وكذلك في قصيدة "صباحٌ بطعم العيد" : في عيون القُساة مطر مطر..

تلكَ هي الأنساق التكرارية التي وجدناها في شعر نجاح إبراهيم ، في إطارٍ من التنوّع والاختلاف، إذ لابدّ من القول : إنَّ الشّاعرة لم تقدّم نصّاً يشابه آخر , وهذا ما يجعل الشّعر لديها يمتلكُ طاقةَ المغايرة في الدلالة اللفظية والدلالة التصويرية والدلالة السّردية ، وكأنّنا نجدُ تنوّعاً أخاذاً يجعلُ الشّعر في ديمومة الكشف والتجديد النّسقي، بعكس ما هو متداول في قصيدةِ النّثر التي يكتبها الكثيرون ،حيث لا اختلاف بين وجوهٍ وبنى قصائدهم التي ظلّت نمطية.

إنَّ نجاح إبراهيم كتبت الشّعرَ من أجل تجديده.

 

* العراق:

 

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏طائر‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نجاح إبراهيم‏‏، و‏‏‏جلوس‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏جلوس‏ و‏نظارة‏‏‏‏
 
 

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات