الجمعة 29 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

طلقة على الحدود أفضل من ألف كلمة تقال

  • 11:11 AM

  • 2018-03-17

بلال أبو السعيد:

الذكرى تنعش الذاكرة وتدعو للتعمق والنهل من تجارب الآخرين والإستفادة منها وخاصة ذوي المواقع المتقدمة والمؤسسين ، مستفيداً مما تضخه مواقع الشبكة العالمية كماً ونوعاً أبحث دوماً عن سيرة حياة المناضلين الأوائل وما كتب عن تجربتهم في مسيرة حركتنا الوطنية واستوقفني مع قلة ما كتب عن المناضل المجاهد الذي نعيش هذه الأيام الذكرى الخمسين لإستشهاده القائد الوطني أول شهيد للجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفسطيني فتح المناضل المجاهد الأخ عبد الفتاح عيسى حمود(أبو صلاح) من الرواد المؤسسين الأوائل والذي استشهد وما زال في ربيع العمر يافعاً في الثامن والعشرين من شباط عام 1968 نتيجة حادث سير في المفرق بالأردن، حيث كان في طريقه إلى الشام بمهمة تنظيمية، ولد الشهيد عبد الفتاح عيسى حمود في قرية (التينة) قضاء الرملة عام 1933م، هاجر مع أسرته (والدته وإخوته) عام 1948م إلى غزة ، وفي غزة أكمل الشهيد الدراسة حتى حصل على الثانوية العامة ثم سافر إلى القاهرة ليكمل دراسته في جامعة القاهرة- كلية الهندسة- تخصص بترول، وخلال سنوات دراسته تزوج بتاريخ 2/7/1954م، ثم عاد لإكمال الدراسة حيث تخرج من الجامعة عام 1957م ساهم عبد الفتاح حمود بشكل رئيسي في تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة حيث شغل منصب نائب الرئيس لخمس سنوات متتالية، تلك الرابطة التي كان يرأسها ياسر عرفات في تلك الفترة ، حيث كانت أول عمل حقيقي لإعادة وجود فلسطين كقضية وشعب على خارطة الأحداث ،بعد تخرجه من الجامعة توجه إلى مخيم عقبه جبر حيث عمل مدرساً لفترة محدودة في مدارس الوكالة 
تعاقد المهندس عبد الفتاح حمود للعمل في مؤسسة البترول والثروة المعدنية في الدمام وأصبح رئيساً لشعبة التكرير والأنابيب ، ثم انتقل للعمل مع شركة الزيت العربية الأمريكية ( أرامكو ) في الظهران، ويمكن القول إن كلاً من المهندس عبد الفتاح حمود والمهندس كمال عدوان والمهندس سعيد المسحال كانوا طليعة تنظيم حركة فتح في العربية السعودية وكانوا على اتصال دائم بأخيهم خليل الوزير في الكويت ، حيث بدأ المهندسون الدعوة لحركة فتح سراً بالاعتماد أولاً على مجلة فلسطيننا وعلى المنشورات والبيانات التي كانت تصدرها حركة فتح، تقدم في نهاية العام 1963م للعمل في شركة شل بقطر من خلال مسابقة أجريت للمهندسين للعمل في مجال البترول وكان ترتيبه الأول على ستون مهندساً تقدموا لهذه المسابقة، وأصبح عبد الفتاح عيسى حمود أول مهندس عربي يقف على باب بئر بترول وهو تخصص لم يكن مسموحاً به لأي مهندس عربي سوى المهندسين الأجانب من الأمريكان،أرسلته الشركة في دورة تدريبية عام 1966 إلى هولندا ، وكانت قطر المحطة المهمة في حياته التي قربت المسافة إلى ذلك المستقبل وتوضحت معالم جديدة أمام عينيه اعتقل في لبنان في بداية الستينات واطلق سراحه وابعد إلى الأردن في العام 1963،شارك مع اخوانه في قيادة الحركة في إطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 وكان في منطقة السلط في الأردن في ذاك الوقت ، وأثناء انعقاد المؤتمر الأول لحركة فتح في دمشق انتخب عضواً في اللجنة المركزية للحركة وأوكلت إليه مهمة (أمين سر إقليم الأردن استقال المهندس عبد الفتاح حمود من عمله في شركة شل بقطر في شهر أكتوبر عام 1967م حيث وضع أولاده وزوجته في سيارة الفولكس فاجن التي يملكها بعد أن باع أمتعته الشخصية وعاد إلى مدينة الزرقاء بالأردن يوم 9/10/1967م ونزل في بيت والده حيث استقر هو وزوجته وأولاده الخمسة في غرفة واحدة ، وفي الإطلاع على سيرته أضيء على بعض ملامح شخصيته المميزة والحاجة أكثر للإغناء عن سيرته ومواقفه ومسلكه التنظيمي للإستفادة وأخذ العبر والدروس 
اولاً: الأخلاق الثورية وحالة نكران الذات والخيار الصعب والذي بحاجة لتضحية والناتج عن قناعة وتصميم على فعل نضالي حقيقي، وكرس الشهيد حياته من اجل خدمة قضيتنا الوطنية، وحالة الإنسلاخ الطبقي التي عاشها الشهيد حيث يظن البعض أن هذه الحالة تصيب فقط اليساريون الذين يدافعون عن حقوق الطبقة العاملة وكان عبد الفتاح حمود شعلة متعددة في الفطنة والذكاء وكان مثالياً آخر في حركة فتح ومثالاً للطهارة والنبل والهدوء والتضحية ونكران الذات، لقد عاش عبد الفتاح حمود متقشفاً إلى حد الكفاف مكتفياً بهذه الثروة الطائلة من الحب الجارف الذي كان يحيط به من الجميع طوال حياته وحتى لحظة استشهاده ،حيث يقول الشهيد في إحدى رسائله لصديق له: (هل تعلم بأنني لا زلت أعيش بأولادي الخمسة وزوجتي في غرفة واحدة نتقاسم بلاطاتها لنفرش عليها الفرشات عندما يأتي الليل ولكنها في نفوسنا جميعاً أوسع من بيتنا في الدوحة، وأن أم صلاح أعتقد أنها ستتأقلم مع الحياة الجديدة، قد تتبرم بعض الشيء ولكن لا حيلة بيدي أو بيدها فأنا مصمم على هذا النهج من الحياة وهذا الأسلوب من العيش، عمري 35 عاماً ولكني أحس أنني ولدت من جديد، لكنني أنمو بسرعة كبيرة).
اختار نظام التقشف أسلوباً للتصرف بالمال ، وكان يرى ببعد نظره وفكره الثاقب أهمية تكوين جمعية لرعاية أسر الشهداء والمعتقلين والجرحى والمعاقين متذكراً معاناة عائلات شهداء الثورة الفلسطينية في عام 1936م وما سبقها وما تلاها من ثورات وفي رسالة أخرى لأحد الأخوة بتاريخ 17/12/1967م قال فيها:(إنها حياة جديدة إنني بدأت أجمع في فمي بصقة كبيرة لأقذف بها في وجه العام الماضي الأسود الذي أغرقني في الريالات الزائفة والآيس كريم والكوندشنات ) .
ثانياً – كان المهندس عبد الفتاح حمود من الأعمدة الأساسية التي نهضت على أكتافها حركة التأسيس والبناء الفتحاوي، مارس عمله السري في الدعوة لحركة فتح معتمداً على مجله فلسطينياً والمنشورات والبيانات التي كان يوزعها على صناديق بريد الفلسطينيين، حيث كان القائد أبو جهاد يقول إن الشهيدين عبد الفتاح حمود وكمال عدوان هما من أبرز الأسماء التي نهضت على أكتافهم حركة التأسيس والبناء والتنظيم في بدايات الثورة حيث بذلوا جهداً خارقاً لتدعيم ركائز التنظيم لحركة فتح في العربية السعودية وفي ظل ظروف العمل السري ، كان الشهيد على قناعة تامة بالثورة الشعبية وحرب الشعب وكان يؤمن بالجمع الخلاق بين كل أشكال النضال والمقاومة المسلحة الشكل الأنجع في تحقيق الحقوق ، لقد كان شعاره طلقة على الحدود خير من ألف كلمة تقال، قال : (في الخامس من حزيران برهان على أن الجيوش يمكن أن تُهزم والأنظمة تتهاوى، ولكن الثورة الشعبية وحرب الشعب مهما كانت الصعاب في طريقها لا يمكن أن تُهزم، الآن الأنظمة في حالة سقوط والشعب في حالة نهوض وعلى الطليعة أن تمسك بالفرصة السانحة) .
ثالثاً- الخلق الثوري والتفاني والجدية والوفاء والحس بالمسؤولية وقرن الأقوال بالفعل والحكمة والحفاظ على أموال الثورة والتمسك بالأمل شرط من شروط تحقيق الحقوق
كان الشهيد المهندس شاباً ذكياً لماحاً ، كريم النفس ، أبياً ، لا يقبل الضيم ، ولا يسكت على ظلم ، ولا يجامل ولا تأخذه في الحق لومة لائم ، كان أبو صلاح وطنياً عاشقاً لفلسطين متفرداً في صفاته الأخلاقية الحميدة العالية وفي حبه للتضحية والعطاء ، يُؤثر الآخرين على نفسه ولو كان به خصاصة ، وكان مثالاً للعمل الدؤوب يمضي وقته متنقلاً بين منزله في مدينة الزرقاء ومكان عمله في عمان وأحراش جرش ، وكان حريصاً على صرف المال والمواد والحاجات في موقعها الصحيح مهما كانت الظروف لأنه مؤمن بأن مال الثورة توأم مال اليتيم ، فلا يجوز التصرف به إلا في حدود الضروريات ، كان أبو صلاح قائداً حكيماً ومتزناً صادق الوعد من أقواله (أن الأمل سيظل لا معنى له دون أن يسعى الإنسان بنفسه لتحقيق آماله) .
رابعاً- الحكمة والرؤية المستقبلية الثاقبة العميقة ونهج فكر التأسيس والتجديد للإستمرارية وعدم عبادة الفرد 
كان الشهيد رجلاً وُجد ليبني وليؤسس ، فمن دوره في تأسيس وزارة النفط السعودية وأعمال شركة( أرامكو ) للبترول ،وشركة( شل ) للبترول كمهندس بترول ، الى دوره في تأسيس رابطة الطلبة الفلسطينيين، وأصبح نائباً لرئيس رابطة الطلاب الفلسطينيين لمدة خمس سنوات فمتتالية تلك الرابطة التي كان يرأسها الراحل الشهيد أبو عمار في تلك الفترة إلى دوره في تأسيس جمعية أسر الشهداء ، إلى دوره في تأسيس حركة فتح ، قال الشهيد : (أخشى ما أخشاه في المستقبل أن يتحول التفرغ للعمل النضالي إلى وظيفة أو وسيلة لكسب العيش وبدلاً من أن تكون تضحية تصبح مكسباً ومغنماً وهذا سيفرز طبقة نفعية همها المحافظة على مكتسباتها ومواقعها بدلاً من أن تتسابق لإحراز إحدى الحسنين)
خامساً- الخيار السياسي والإنتماءالإيديولوجي 
كان المهندس عبد الفتاح حمود رجل مبادئ ، ورجال المبادئ يدفعون بالجانب الذاتي إلى الخلف ليتصدر المشهد وجه القضية العامة وهي قضية فلسطين ،يمكن القول أنه بقدر ارتباط الحزب او التنظيم بالقضية الوطنية بقدر ما تتأثر جماهيريته سلباً او إيجاباً ، ويكون الخيار التنظيمي كأداة لتحقيق الحقوق والثوابت الوطنية ،وهذا ما يفسر الإمتداد الجماهيري للحزب الشيوعي الأردني بالخمسينات حيث ارتبط بالقضية الوطنية وإسقاط مؤامرة حلف بغداد والمظاهرات التي عمّت الأردن لطرد جلوب البريطاني وتعريب الجيش وتراجع دوره في الستينات بموقفه السلبي من المشاركة جنباً إلى جنب مع فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية، لعدم انخراطه بالكفاح المسلح وارتباطه بالموقف السوفييتي آنذاك مما اضطر العديد من كوادره لمغادرة الحزب والإنضمام لفصائل العمل الوطني بكل ألوانها الإيديولوجية وأذكر على سبيل الحصر حالتين متقدمتين الشهيد زياد القاسم من بلدة حواره والذي انضم للحزب الشيوعي اللبناني" بعد حل قوات الأنصار والتي شكلتها اربعة أحزاب شيوعية عربية في 1970"، وكان من أبرز قادته العسكريين والذي استشهد في الحرب الأهلية في السبعينات في عملية مهاجمة مكتب لحزب الكتائب اللبناني في البقاع الأوسط ، وكذلك الشهيد فهد العبيدي من الطفيلة والذي انضم لحركة فتح، وكان قائداً عسكرياً مميزاً في معارك الجبل وقد اهداه الراحل الشهيد أبو عمار مسدساً تقديراً لشجاعته، وهكذا كان حزب الإخوان المسلمين والذي أيضاً كان بعيداً عن القضية الوطنية بل كان مصرحاً له العمل بعلانية في فلسطين المحتلة والأردن لمواجهة التيارات الوطنية الصاعدة وم.ت . ف إلى حين تشكيل حركة حماس إبان الإنتفاضة الأولى والمشاركة بالعمل المسلح في 87 ،وانخراط الجماهير فيها ، ونالت على نسبة عالية في الإنتخابات ، ومن قرائتي لسيرة الشهيد المهندس أبو صلاح، والذي برز أثناء دراسته الجامعية كقيادي تجديدي داخل الاتجاه الإسلامي حيث انخرط في الإخوان المسلمين، وليكون أحد قيادات التيار الوطني الثوري الداعي إلى إبراز الشخصية الفلسطينية المستقلة ، ترك حركة الإخوان لمواقفهم من القضية الوطنية ليعمل على تأسيس حركة فتح كان عبد الفتاح حمود على قناعة تامة بالثورة الشعبية وحرب الشعب والمقاومة المسلحة.
وفي الختام لا بد من القول أن الشهيد عبد الفتاح حمود اول من مضى من اعضاء اللجنه المركزيه شهيدا وهم في البدايات الاولى لازال خالدا في مدينة غزه حين تم تسمية مدرسه باسمه في مدينة غزه بحي التفاح واطلق على جزء من مدرسة يافا الثانويه اسمه التي درس فيها معظم ابناء مدينة غزه تخليدا له ولذكراه الطيبه العطره ، وقلد وساما ً، جميل ان تستذكر شهدائنا الابطال، حتى تأخذ هذه الذكريات معانيها الحقيقية بالعيش في وحي هذه الشخصية العظيمة التي نتذكرها، ولكن الاجمل ان نعمل وفق نهجهم ونعمق في ذهن شعبنا توجهات من مضوا ونستفيد من خبراتهم وننقلها للاجيال القادمه ، وسيرة هذا الرجل العطره وسجاياه الكريمه التي كان يتمتع بها والمعلومات عنه قليله جدا لم توثق وتخلد في كتب وتاريخ حركة فتح. 
لقد نلت شرف زمالة ابنته الدكتورة فدوى حمود في كورس اللغة في مدينة "ماريانسكي لازني" في تشيكيا وتعرفت على اخلاقه من خلالها حيث كانت ذو أخلاق رفيعة متقدمة ، ومؤدبة وعصامية ومجتهدة وصاحبة نكتة، وخير سفيرة لفلسطين في المجتمع الجديد الذي عشنا فيه واستطاعت التأقلم والحفاظ على تقاليدنا وعاداتنا، مضى خمسون عاماً عام على رحيل الشهيد القائد عبد الفتاح حمود أبوصلاح الذي رافق ميلاد الحركة منذ الخطوات الأولى لتأسيسها وشارك فيها فكراً وتخطيطا وتنظيمياً عاشها بروحه وعقله وانخرط في كل تفاصيلها.
سيبقى الشهيد عبد الفتاح حمود حاضراً في أيام فلسطين المقاومة….سيبقى اسمه في قلوب كل محبيه الشرفاء القابضين على جمر المقاومة لتحرير فلسطين كل فلسطين…فلسطين التي لا تنازل عن شبر واحد من ترابها .

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات