الخميس 28 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

ميرفت جمعة: أكتب لأشرّح جسد الحياة بقلب قوي

  • 23:35 PM

  • 2016-04-15

رام الله - " ريال ميديا":

ميرفت جمعة تجربة شبابية روائية تتعمق، فمنذ طفولتها كانت تسرق الكتب والوقت والمكان وتقرأ، تحب الكتابة للحياة والفرح، وترى متعتها في التوحد مع كتاب أو الخلوة مع ورق تخط عليه فلسفتها ونظرتها للحياة.

تردد كلمة "العباسية" في كل مقام، فهي بلدتها الأصلية، التي تتكئ على كتف يافا، زارتها مرة واحدة فقط، لكن روحها بقيت عالقة بين أشجارها، هي متلقية وناقلة أمينة للجمال، توقف سيارتها في منتصف الشارع لتكتب فكرة خطرت على بالها للتو، وقد تحرق طبختها لتنضج فكرة طازجة، وحتى عند النوم، مثل من يحاول أن يصطاد غزال الدهشة تُعدل جلستها فجراً وتتناول ورقة وقلم وتكتب، معتبرة أن الروح هي النافذة التي نطل منها على الحياة فإذا أغلقت ستائر روحك لن ترى النور أبداً.

لكل كاتب رحلته مع الكتابة، كيف كانت رحلتك؟

منذ طفولتي المبكرة كنت مصابة بهوس القراءة، حتى أن والدي كان يخفي عني الكتب، كي لا أقصر في تحصيلي العلمي، لكنني سراً واصلت القراءة بنهم، وفي حياتي المدرسية كانت حصص التعبير هي المفضلة عندي، أذكر أنني كنت أكتب لأغلب زميلاتي مقدمة أو خاتمة لمواضيعهن الإنشائية، ولم أكن أعرف أنني بذلك أتدرب على كتابة فكرة واحدة بأكثر من طريقة، وأكثر من مداد، وحقيقةً كنت لا أعرف كيف يتبخّر الوقت في تلك الحصة بالتحديد، لكنني لاحقاً انقطعت عن الكتابة للأسف وسرقتني تفاصيل الحياة.

مساهمتي في الأدب الفلسطيني شحيحة، وتعدّ على أصابع اليد، أذكر منها مشاركتي في مسابقة القطّان الثقافية، ففي عام 2000 شاركت بمسابقة القصة القصيرة في مؤسسة عبد المحسن القطان، وصدرت القصص العشرة الفائزة، في كتاب بعنوان "مسافة لم تحترق"، وقصتي كانت ضمن هذه القصص الفائزة، من ثم فزت في مسابقة لمركز بديل بقصة أطفال حول اللجوء بعنوان "فرديسيا"، لكن هذه المشاركات وغيرها لم تكن تلبي طموحي، فحلمي القديم الملحّ هو أن أكتب رواية، عالم الرواية يغريني بشدة، هذا العالم الغامض حيث تطأ أرض الخيال بحثاً عن منابع الدهشة، لتلقي بدلوك، ولتنهل من روح العالم.

اللحظة التي تشعر فيها أنك ستكتب، هي لحظة الانفجار، وإن لم تخرج الكلمات من الصدر قد تؤذي صاحبها وتحرقه حروقاً عميقة، لذلك يجب أن تخرج الأفكار والمشاعر إلى النور فحينها فقط يتسنّى لك أن ترى روحك وقد تمددت على الورق. عشر سنوات والفكرة تختمر في صدري، إنما لحظة الانفجار جاءت بغتة، ولم أمنع هذا الشعور الملح بالكتابة من الخروج، فكنت أكتب في أي لحظة، وغبت تماماً عن العالم في فترة الكتابة،  لذلك مخاض ما وراء الجسد كان سريعاً لدرجة غير متوقعة للولادة البكر، فقد كتبتها خلال أربعين يوما.

"ما وراء الجسد" هي رواية اللجوء، فأنا لاجئة من العباسية، قرية صغيرة وداعة تنام تحت إبط يافا، وقد دخلتها مرة في حياتي، ولدي عطش دائم للبحر، كتبتها حين شعرت بشحّ الكتابة الفلسطينية في موضوع اللجوء، رغم أن هذا الموضوع ما زال ساخناً في الصدور منذ يوم شرودنا الأول إلى الآن.

كيف عشتِ أجواء إصدار روايتك الأولى "ما وراء الجسد"

ما وراء الجسد هي روايتي البكر، وأنا أشبّه العمل الروائي بالمولود الطري الجديد، وكأم أعرف جيداً أن العمل حين يصدر، يستقل عنك ويصبح كما الطفل أيضاً له حياته الخاصة به، وتصبح له رئة في صدر كل قارئ، أي أنه يحيا ويتكاثر بمقدار ما تحمله الأيدي، وبمقدار ما تتأثر به النفوس، وهنا لا بد أن أشكر كل من أحب هذه الرواية وأشاد بها وأن أسجل شكري وتقديري لكل من وجه لي ملاحظة تطويرية، وطبعاً أشير إلى أن ما وراء الجسد صدرت عن دار موزاييك للدراسات والترجمة والنشر في عمان.  تتحدث الرواية بشكل مختصر، عن قصة حب ولجوء طويلة ومعقّدة، حيث يبتدع العاشقان طريقة غير مألوفة للتواصل، حين وقفت الحواجز الأرضية والسماوية في طريق هذا الحب، وبفضل هذه الطريقة السرية، تعيش البطلة تجربة روحية فريدة تحدث إزاحة عميقة في نفسيتها بعد سنوات من العزلة التامة.

"ماميلا" هي روايتك الثانية، ما الذي تغير؟

طريقتي في النظر والتفاعل والتعاطي مع العالم من حولي، وطريقتي في التوغل في مجاهل نفسي أيضاً، "ماميلا" خرجت الى النور بعد سنتين من صدور ما وراء الجسد، وثانيةً أكتشف لذة هذا الغياب والحضور، غياب زمان العالم وحضور الزمن الروحي، هذا التلقي لطاقة الكون في قلبي، وهذا الجريان في نهر الحياة كما نقطة الماء الحرة، أعني أن الحياة أغدقت علي من سحرها مجدداً، أي متعة الكتابة ومتعة الاتحاد مع لحظات الخلق الأولي خلال لحظات البوح المكثفة.

"ماميلا" تجربة مختلفة، موضوعاً وبنيةً وطريقة سرد عن ما رواء الجسد، فقد تعمّدت التجديد في هذا العمل، حيث تتحدث الرواية عن معركة الوجود في هذا المكان والزمان، في مواجهة عدو يملك ممحاتك ويملك قلماً مبرياً والكثير من القرّاء، هذه المعركة البطيئة والصامتة كالأمراض الخبيثة، فهي معركة تحدث يومياً دون إراقة دماء لكنها الأخطر، فهي معركة من  شأنها أن تؤدي إلى شطبنا من  كتب التاريخ، والذي سيؤدي تلقائياً الى شطبنا من خرائط الجغرافيا، وكيف أن تقصيرنا لعمر فلسطين وتشذيب ماضيها، يؤدي للأسف إلى تقصير عمر مستقبلها، لأنه لا مستقبل شاهق بلا ماضٍ عميق الجذور، على الماضي أن يسهر ليحمي المستقبل.

من واجبنا أن نبقي عين الماضي مفتوحة ولا أجد أفضل من القلم كوسيلة تنبيه دائمة،  باختصار هذا موضوع الرواية الأبرز، وبصراحة ما كانت هذه الرواية لترى النور لولا تشجيع الصديق نقولا عقل، مؤسس منتدى الرعاة وتبنيه لهذا العمل، ولهذا أشكر من قلبي منتدى الرعاة على هذه الرعاية، فبمجرد انتهاء الكتابة تلقفت الدار الرواية بعنايتها الكريمة.

ما الفرق بين الروايتين؟

الرواية الأولى تشبه الحب الأول، بكل ما يحتويه من شغف ولهفة وحرقة وألم وجنون هي رواية رومانسية بالدرجة الأولى، أما "ماميلا" فرواية تاريخية ترصد واقع مكان في عدة فترات زمنية، حيث أستعرض تاريخ القدس من خلال مقبرة مأمن الله، وهذه أول تجربة لي لأكتب في حقل التاريخ، ولكنني تعمّدت أن أجرّب خطي في موضوع مختلف هذه المرة، وتحمل أيضاً دعوة هامسة لتأمل الحياة والجمال ولأن تعيش اللحظة النقية من شوائب التفاصيل الملوثة، ودعوة لتذوق عسل الحياة الحقيقية، الإنسان بطبيعته يتحرك بدافعين "الخوف والرغبة" وأردت لبطلي أن يتحرك _على غير عادته_ بدافع الرغبة،  فيخوض معارك عديدة وكلها باطنية بالدرجة الأولى تتعلق بصراع الخير والشر في داخل الإنسان، الخوف والجرأة، الحب والكره، ما كان يعدّ قلب الحدث في الماضي وما سيصبح الهامشي منه.

برأيي أننا لن نستعيد بوصلتنا ما لم نبحث عنها في جذورنا، تلك الجذور التي يحاول المحتل يومياً اقتلاعها دون رادع، فقد هدموا قبور الصالحين وبنوا مراحيض ومواقف سيارات ومتنزهات كلاب وأماكن لواط فوق رفات الأجداد، وكان هدفهم كل مرة إلغاء الساكن الأصلي وتثبيت الدخيل المزيف.

ماميلا تقول للقارئ، إن كل شخص فينا يجب أن يقرر ما هو دوره في الحياة، والبقية تحدث تلقائياً، هي رحلة تحرر للإنسان، تمسك يده وتأخذه في رحلة روحية كي يليق بفلسطين، ذلك أن الأرواح القوية هي بمثابة أعمدة تثبت المكان.

تكتبين: "مر وقت طويل منذ رحيل أبي، والى الآن كلما قال لي أحدهم، ولو بشكل عابر : يا بوي، تفوح رائحة النرجس في روحي". ماذا تعني الحياة بنقصان الأب؟

وفاة أبي كانت التجربة الأصعب في حياتي، دفنوه في التراب ونزلت أنا لبئر عميق من الحزن، ولم أكن أفكر في الخروج، لكنها الطبيعة تميل لشفائنا وإعادة التوازن في الحياة، حدث هذا منذ زمان طويل كما تفضلت، لكن الشعور بالفقد هو برأيي أصعب شعور ممكن أن يقاسيه الإنسان، شعور لا يمكن أن تخفّ أعراضه بمرور الوقت بل تصبح أكثر تغلغلاً في القلب، من ثم يشعّ في العين ويظهر في خنقة في الصوت، ويختبئ في بطانة الوسادة ليلاً، شعوري الملازم بالفقد جعلني في حالة استجداء للماضي وللذكريات، توطدت علاقتي مع الماضي بشكل قوي بعد فقد أبي، من ثم وصلت لنتيجة مفادها أن ما حدث في الماضي لن يفارقني أبداً، لأن الماضي جزء أصيل من حياتي، لكن علي أن أقفز إلى حيّز الحاضر من جديد، لأحتفل بالحياة، قبل نفاذ حصتي منها، لكنني أستمطر الذكريات أغلب الأحيان، وهكذا بنيت مع والدي علاقة روحانية قوية، وتعلمت بفقده كيف أستغل الوقت برفقة أحبائي، وكيف أبحث عن السعادة كمتسولة حقيقة رغم أن الوقت شحيح، أيضاً تعلمت كيف أبحث عن الرباط الروحي بيني وبين البشر وبيني وبين كل شيء من حولي.

تقولين في ما وراء الجسد: كل هذه المصادفات إذن.. لم تكن سوى استدعاء جائع للقاء. هل التقيت بنفسك في الرواية؟

نحن جميعاً في حالة بحث دائمة عن أنفسنا، لكني أعتقد أنه لا يمكن للإنسان أن يجد نفسه تماماً أي مرة، فالنفس عميقة جداً ومعقدة، لكن الكتابة والقراءة بالدرجة الأولى تجعل طريقة بحثنا عن أنفسنا أكثر إقناعاً، وأكثر متعة، أن تكون ملّاح نفسك، وأن ترحل عميقاً في رحلة داخلية بحثاً عنك، ثم أن تقرر أن تشارك الناس هذه التجربة، ولتقول للروح التي تتلقف ما تكتب، أنا مثلك، نحن نتألم ونفرح ونشتهي ونخاف ونحلم بنفس الطريقة، لذلك علينا أن نتعلم كيف نحب ونتقبل ونتفهّم، فلا بدّ أن لذلك أيضاً طريقة، لأن الجدران التي بيننا جدران وهمية.

لماذا تكتب ميرفت جمعة؟

أكتب لأشرّح جسد الحياة بقلب قوي، دون قلق مما قد يحدث من مفاجآت خلال عملية التشريح، ودون خوف مما قد ينزف من أسئلة، ثم لأشارك العالم بوضوح هذه الأسئلة، لأن وظيفة الكتابة الأساسية إطلاق الأسئلة، والدعوة للبحث عن إجابات شافية، هي تلك القفزة نحو الحقيقة، دون أي ضمان بأن نلمسها مرة، أحاول أن أخوض تجربة الحياة كأنثى عزلاء، والخروج منها حيةً بما يكفي لأكتب التجربة ولو في اللحظات الأخيرة، ولأتشارك مع العالم الألم والحب الخالص، الفيلسوف الفرنسي "غاستون باشلار" يقول وجد الإنسان على الأرض لكي يغني جدلية الأفراح والمتاعب، أي أن الفنون بأشكالها ليست مجرد ترفيه عن الوجود بل هي أصل التطور الخلّاق.

نحن في النهاية أبناء أسرة إنسانية حميمة واحدة، الكتابة تجعلني أختبر إنسانيتي، تجعلني على يقين أن ما يؤلمك أو ما يخيفك أو حتى ما يفرحك هو على الأغلب ذاته ما يؤلمني أو يخيفني أو يسبب لي الفرح، لكن إن لم نكتب عن ذلك ونتشاركه، فسيبقى مهددا بالتلاشي، كفكرة محبوكة بخيوط الغيم، الكتابة توثيق الفكرة، جعلها حية، ففي الأصل كانت الكلمة، هذا الكون كله خلق بكلمة كن.

ما الرسالة التي تريدين إيصالها للعالم؟

أريد أن أقول للعالم، إننا مترابطون أكثر مما نعتقد، أنا مثلك أبحث عن السعادة، ومثلك أحاول يومياً  أن أحزر من أين تؤكل كتف الحياة، لكني مقتنعة تماماً بأن الإنسان يتألم بسبب عدم إخلاصه لنداءات الروح، لأن الروح هي الشباك الذي نطل منه على الحياة، فإذا أغلقت ستائر روحك لن ترى النور أبداً، لذلك رسالتي للجميع أن علينا أن نعرف ما هو المهم، وما الذي يجب أن نتركه جانباً، وكيف ندرك وتيرة الحياة، وأيضاً كيف نعيش وفق إيقاعنا الذاتي، أقول ذلك دون أن أغفل أننا نعيش ظروف استثنائية، كوننا نعيش بلا ستر واقية تحت قهر واضطهاد وتهديد يومي بسلب الحياة، وأقول ذلك وقبضة المحتل تخنق الروح، أقول أن على الإنسان أن يتغير من الداخل لتتغير ظروفه المحيطة، وأقتبس من ماميلا "أن جميع مخارج الإنسان تبدأ من الداخل"، وحين ندرك مكامن الفرح نصبح مؤهلين لنجري هذا الحوار الطويل الممتع المتصل بين روحنا والأشياء من حولنا، أي أن ندرك هذا الترابط الميتافيزيقي بين الوجود واللاوجود.

كيف تبدو علاقتك بالكتب والكُتاب؟

القراءة هي عندي شغف ولا أرى طريقة أجمل للعيش، حين أكتب أو أقرأ فإني ألامس جمال الكون، ولا شك أن القراءة وقود الكاتب الذي لا ينضب، لذلك أزوّد نفسي دوماً بالكتب على تنوعها، والكتب التي أقتنيها الكترونيا وورقيا كثيرة جداً، وقد قرأت لكتاب عالميين كبار، خاصة في الأدب الروسي واللاتيني وكذلك روايات فرنسية وألمانية ويابانية، وبالطبع قرأت لكتاب عرب لهم إرث مشرف، لكنني لم أتوقف عند قراءة الروايات، فبحر المعرفة عميق، ويغريك لتغوص أكثر، وأنا شخصياً أكثر ما يمتعني هو قراءة كتب الفلسفة والشعر والتصوف.

وكتابي المفضلين، بل أحبّ أن أسميهم قناديلي، هم أيضاً كثر لكن أذكر منهم ماركيز وتولستوي وعبد الرحمن منيف، وجبران خليل جبران،  ومن فلسطين أحب أن أذكر دوماً الشهيد غسان كنفاني.

وفا-  يامن نوباني:

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات