الخميس 28 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

معركة الرئيس عباس المصيرية

  • 09:39 AM

  • 2018-09-27

اللواء د. محمد المصري:

يُلقي الرئيس محمود عباس كلمة فلسطين أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك يوم غدٍ الخميس، في ظل توقعات متضاربة أشد التضارب حول السقف الأعلى لهذا الخطاب، وهل سيكون فرصة أخيرة أو فتح باب آخر لتسوية مختلفة لا تتمتع فيها الولايات المتحدة بدور الرعاية أو الوساطة.

خطاب الرئيس محمود عباس هذه المرّة سيكون عليه أن يوفق بين فترتين أو مرحلتين من التاريخ، ما قبل إدارة ترامب وما بعد إدارة ترامب، إذ أن هذه الإدارة الأمريكية الجديدة تضع أُسساً أخرى للعلاقات الدولية، تقوم على التخويف والصدمة والابتزاز، هذه الإدارة تقوم فعلياً بتغيير كل الإرث والمسار التفاوضي – وربما العقلاني – الذي اتبعته إدارات أمريكية سابقة، وعلى ما يبدو فإن الرئيس الأمريكي ترامب لديه عقدة نفسية من الإدارات السابقة، فهو لا يتوقف عن الإشارة إلى أنه فعل ما لم تفعله الإدارات السابقة، ويبدو الرجل من خلال تصريحاته أنه يخاطب جمهور ناخبيه أكثر ما يخاطب العالم، وأن جمهور ناخبيه – من المتعصبين دينياً وقومياً – أهم من العالم وما يعانيه من مخاطر بيئية واقتصادية وأمنية.

لهذا، فإن الرئيس محمود عباس سيكون عليه أن يمشي على حد السكين وهو يواجه مثل هذا الإعصار المدمر الذي "يزيح موضوع القدس عن الطاولة" بحجة أن "الروايات التاريخية والقراءات الدينية لا تهمه"، ولنلاحظ هنا كيف هو التسطيح الأمريكي للأمور، فهو ينحاز لموقف الاحتلال من القدس، من منطلق "قراءات دينية" ليس إلا، وينحاز ليهودية الدولة من منطلق "أوهام تاريخية"، ولكن يبدو أن الأمريكي يفرق بين "وهم" و "وهم" آخر.

على كلٍ، فإن الرئيس محمود عباس الذي يتشرف بأن يكون هو الحامل للهم الفلسطيني وللعلم الفلسطيني والجرح الفلسطيني ليخاطب كل العالم، بما فيهم أشراره وظُلّامه، أن أحلام الفلسطينيين لن تموت مهما كان الظلم أو التسطيح أو الانحياز.

قد يضطر الرئيس إلى أن يعيد صياغات هنا أو هناك، وقد يضطر أن يفتح باباً هنا أو هناك، فمن المتوقع أن يكون الرئيس قد عقد اللقاء التشاوري الدولي الذي أعلن عنه وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي، وهو اجتماع يأتي قبل إلقاء الخطاب في محاولة لفهم مزاج المجتمع الدولي، ولمعرفة الاتجاهات الدولية والمواقف المتعددة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إن هذا الاجتماع سيفتح الطريق واسعاً وواضحاً أمام الرئيس محمود عباس ليصوغ خطابه الصياغة الأخيرة التي تضمن أثراً ووقعاً دولياً كبيراً وفاعلاً، إذ أن هذا الخطاب سيشكل بوابة جديدة أيضاً، ربما تفتح على مواجهات واشتباكات مع أطراف متعددة، أهمها وأولها الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحول فعلاً إلى أن يكون احتلالاً مرفهاً ومريحاً، بل أكثر من ذلك، احتلالاً يتم التكيف معه أو إعادة إنتاجه بما يكفل شرعنته، أي أن هذا الاحتلال ينتقل من إدارة الصراع مع الفلسطينيين إلى حل الصراع دون كلفة أو حتى أدنى تأثير.

لهذا، فإن هذا الخطاب المتوقعـ سيعبّر كما قلنا عن مرحلتين، مرحلة تموت دون أن يتم الإعلان عنها، ومرحلة جديدة يتأخر الإعلان عنها لسبب ما.

إن هذا يقتضي منا، فلسطينيين أولاً، أن نقف خلف الرئيس في معركته الدولية الحالية، وإذا كان الرئيس سيطالب العالم والأسرة الدولية بتحديد موقفها من حل الدولتين ومن المؤسسات الدولية الراعية للشعب الفلسطيني ومن عملية تسوية ذات مصداقية، فإن هذا كله يتطلب صوتاً واحداً ورئيساً واحداً ودبلوماسية واحدة.

هذا يعني بوضوح أن لا يتم التشويش على هذا المسعى الطيب، بعقد مؤتمرات هنا أو هناك، للتشكيك أو التخوين أو التهوين أو التشويش، وأقصد هنا حركة حماس بالذات، فليس من المنطقي لهذه الحركة أن لا تجد وقتاً سوى لخطة إلقاء الرئيس خطابه للتشويش عليه، إن هذا لا يصب إلا في مصلحة أخرى غير المصلحة الفلسطينية.

كما أن الفصائل الأخرى، المعارضة والحليفة، مدعوّة هي الأخرى إلى قول كلمتها في هذا الصدد، إننا نقف كلنا خلف الرئيس في هذا الموقف، وهو موقف صعب، قد يتم التشكيك في تمثيله أو شرعيته، وقد يلوح – كما ذكرت مصادر من البيت الأبيض – بالبحث عن شركاء أو عناوين أخرى، وهو ما حصل فعلاً، وهذا هو الذي يدفع البعض في التشكيك بشرعية الرئيس، أملاً في أن تكون البديل، هذا هو الموقف الخياني بامتياز.

الرئيس الآن في معركة حقيقية، يحارب فيها من أجل الدولة والوجود والبقاء والصمود، يحارب فيها من أجل المصالحة والتكامل والاكتمال، الرئيس الآن في معركة مصيرية أخرى، فإما النزول عن الشجرة بدون انجازات، أو البقاء على أعلى غصن فيها وليكن ما يكون، الرئيس الآن في معركة دبلوماسية خطيرة، عنوانها أن يبقى الفلسطينيون على الخارطة، لا أن يتم شطبهم، أو أن يتم تجزيء حلمهم إلى مجرد شريط على بحر متوسط، الرئيس الآن في قتال شرس يُمنع فيه أن يتم تبرئة الاحتلال من كل جرائمه.

إن هذه المعركة ستكون محسومة النتائج إذا توقف المشككون والمرجفون والكذابون أيضاً من نشر أكاذيبهم كما في كل مرّة، إذ ليس من الصدفة مثلاً أن يُنشر استطلاع للرأي – في كل مرّة يذهب فيها الرئيس إلى نيويورك – ويظهر فيه أن 60% من الشعب الفلسطيني لا يرغبون بالرئيس عباس أو انه لا يمثلهم.

هذا كثير جداً، تعالوا نختلف مع الرجل، ولكن من الممنوع أن نختلف عليه، التاريخ لن يرحمكم، والشعب الفلسطيني لن يغفر لكم هذا الموقف الخياني، كفوا عن طعنكم للصوت الوطني من الخلف، كفاكم رهاناً على المجهول، لن يكافئكم الاحتلال، ولن يعطيكم شيئاً، وهذه المعركة التي يخوضها الرئيس، يقف خلفه كل وطني شريف، لأننا نعلم جميعاً بأن الموقف الذي اتخذه الرئيس لم ولن يجرؤ أي رئيس دولة في العالم أن يتخذه.

هذه المعركة التي يخوضها الرئيس، هي مصيرية، إما أن نكون أو لا نكون، فلا تكونوا في خندق نتنياهو/ ترامب، ولا تكونوا صغاراً بحجم ميناء صغير في قبرص، فلسطين كبيرة، والرئيس أبو مازن يقف اليوم في الجمعية العامة وجهاً لوجه مع ترامب، كم أنت كبير سيدي الرئيس، كبير بشعبك الذي يقف خلفك.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات