إجهاض الرجال

نهى الواعر:

في العيادة:
قسم الباطنة يقابل قسم النساء والولادة؛ ولابأس بالمرضى أن يتشاركو  المقاعد بانتظار دورهم.

وعلى ذات المقعد جلست أنا  وامرأة؛ تبادلنا الحوار الطويل بانتظار  أدوارنا، فعدو الوقت مجالسة امرأة.

لاجديد عن  الحياة؛ فمعظم علاقات الصداقة صنعتها كراسي الانتظار  وعلاقات الحب أيضا.  

تحدثنا عن الأسماء والعائلة وأخبرتني أنها أتت ليحدد لها الطبيب موعد  عملية وضعها. قالتها برعشة في صوتها حتى ظننت ستكون ولادتها البكر، لكنها ستستقبل بإذن الله مولودها الرابع.

نحن نخاف الوجع رغم فرط أوجاعنا، فالوجع لا يُعتاد، الوجع لا يموت  بالتكرار؛ ألمنا الرابع أو العاشر، هو ذاته الإحساس بالألم البكر؛ إلا أنه معلوم  التفاصيل ليس كالبكر مجهولا.

نحن النساء لا ننسى تفاصيل أوجاعنا، لا شئ يمحوها كما لا تمحى  تفاصيل الفستان الأبيض الذي أنوي ارتدائه ليلة زفافي.

قالت: لما أنتِ هنا؟!. 
أجبتها: أشعر بدوار. 
فاجأتني بسؤالها: حامل؟!.

ظنّت أن الدوار عرض حملي وليس فقر الدم الحاد الذي يصيبني. ولم تعلم أني لست متزوجة.  

في الحقيقة اقشعر بدني للكلمة كثيرا؛ وأصبحت تدور في داخلي دوامة من التساؤلات التي لم تحظى بإجابة!.

هل دموعي ليلة الأمس أظهرت تجاعيد عيناي وجعلتني أكبر من عمري بكثير ليفترض الناس أن أكون متزوجة؛ أم لأني وضعت مكياجاً كثيرا لأخفي مظهري الحزين؟!.

شردت عنها ولم أنطق بكلمة حتى فوجئت بالسؤال التالي: 

- (أي شهر)؟ 

ظنّت بسكوتي أجيب بــ"نعم أنا حامل"؛ فكما يقولون "السكوت علامة الرضا". 

- "إجهاض يا عزيزتي" هكذا أجبتها؛ وضَعت يدها على يدي بنية المواساة   وقالت "الله كبير.. يعوض ربي"..

- في نفسي "العوض في سلامة عقولنا التي تلين أمام قلوبنا. العوض في أمالنا التي نضجت بسبب أوهامنا. العوض في الراحلين، الراحلون من دون عودة".

- سحبت يدى منها وقلت "أنتِ ستنجبين طفلا حملته في أحشائك تسعة أشهر لتضعيه في حضنك وتقبليه؛ أما أنا أجهضت رجلا من أعماق قلبى بعد حمله أربعة سنين، لأرسله لأحضان الماضي وأقبل الحاضر بدونه؛ فالرحم يحمل الأجنة تسعة أشهر والقلب يحمل الرجال سنين وسنين".  

نادت الممرضة على اسمي فقمت لأدخل الحجرة.

- وإذا بامرأة في ند أمي تجلس بالكرسي المجاور لنا وقفت وشوشتني "شوربة العدس يا بنتي مفيدة بعد الإجهاض". 

ابتسمت لها وفي نفسي وشوربة النسيان مفيدة أيضا.