الجمعة 19 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

قطاع غزة بين التحالفات الإقليمية والانهيار الذاتي

  • 16:31 PM

  • 2017-08-20

ناهض زقوت :

أثارني ما كتبه الدكتور أحمد يوسف في مقاله الأخير حول توسيع اللجنة الإدارية، بعد أن كتب في مقال سابق مطالبا بحل هذه اللجنة، وقد جاء كلامه في اليوم التالي للقاء مع مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث حيث طالب الحاضرون حركة حماس بحل اللجنة الإدارية.

إن توسيع اللجنة الإدارية وضم قوى جديدة إلى حركة حماس لإدارتها أو إدارة قطاع غزة حسب منطق د. أحمد يوسف، يعني بالمختصر الذهاب إلى انفصال قطاع غزة عن المشروع الوطني الفلسطيني وعن الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران. إذن دعوة التوسيع هي تمهيد لما هو قادم في مستقبل قطاع غزة بقيادة حركة حماس وتيار دحلان.

إن قطاع غزة الآن واقع بين قطبي المغناطيس، طرف يشدها نحو المشروع الوطني والدولة الفلسطينية يمثله الرئيس أبو مازن، وطرف آخر يشدها إلى الانفصال وإعلان دولة قابلة للتمدد جنوبا، ويتخذ كل طرف أدواته ليشكل قوة ضغط في عملية الجذب.

منذ عشر سنوات وحركة حماس تدخل في تحالفات إقليمية من أجل إدامة سيطرتها على قطاع غزة، ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقيات التي تم توقيعها من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية متذرعة بالعديد من الحجج التي لا تصمد طويلا أمام النيات الصادقة.

إذا عدنا قليلا إلى الوراء لقراءة تحالفات حماس الإقليمية ومدى ثباتها على أرض الواقع، وهل كانت في خدمة المشروع الوطني، أم كانت قوة مساهمة في تعزيز الانقسام الفلسطيني؟.

كانت بداية التحالف مع إيران التي أمدت حماس بالمال والسلاح ودعمتها بما يعزز الانقسام ويثبت وجوده على أرض الواقع. ولكن مع اندلاع ما يسمى الثورات العربية، وخاصة في سوريا، حيث وقفت إيران مع نظام بشار الأسد ضد القوى المناوئة المدعومة من قطر وتركيا. وحين استشعرت حماس تناقضها مع الثورة، وبدأت قطر محاولاتها لاستقطاب حماس إلى جانبها في دعم الثورة مقابل توفير مكان آمن لقياداتها، خرجت قيادة حماس من سوريا إلى قطر وأعلنت بشكل واضح دعمها للقوى المناوئة لنظام الأسد، مما تعارض مع حليفتها إيران، وبذلك قطعت حماس شعرة معاوية مع إيران ووصلتها مع قطر.

بدأت قطر تأخذ دورها الإقليمي في دعم حركة حماس ومساندتها في قطاع غزة، حيث قام الأمير القطري بزيارة غزة، وتم تشكيل لجنة قطرية قدمت الدعم المالي الكبير في مشاريع بنية تحتية وتنموية وإسكانية تدعم حركة حماس وترسخ جذور الانقسام في قطاع غزة. ولا ننكر دور قطر ومحاولاتها للمصالحة ولكنها لم تكن ذات نية صادقة بل كانت مادة إعلامية أو نوع من العلاقات العامة. وكان إلى جانب قطر الحليف الآخر تركيا التي ساهمت في سفن فك الحصار وفي دعم مشاريع اغاثية إنسانية.

بعد قمة البحر الميت واتفاقية الرياض، تغيرت المعادلة الإقليمية، وأصبحت قطر متهمة بدعم الإرهاب، وتحالفت أربع دول عربية ضدها، ورغم تأكيد حماس على الدور القطري في قطاع غزة، إلا أنها بدأت تستشعر أن قطر أصبحت خارج اللعبة الإقليمية، لذلك يجب البحث عن تحالف جديد يعزز سيطرتها على قطاع غزة.

شكلت حركة حماس في مارس 2017 لجنة إدارية لإدارة قطاع غزة وعرضتها على المجلس التشريعي، وكانت هذه اللجنة سببا في دفع الرئيس أبو مازن في فرض إجراءات قاسية بحق قطاع غزة، مطالبا بحل اللجنة وتمكين حكومة الوفاق من مهامها في القطاع والذهاب إلى الانتخابات، وقد رفضت حركة حماس متذرعة أن حكومة الوفاق لم تقم بمهامها وأصرت على عدم حل اللجنة الإدارية إلا إذا تراجع الرئيس عن إجراءاته. وأمام حالة الشد وتفاقم الأزمة، خاصة بعد تقليص الكهرباء الإسرائيلية الواصلة للقطاع، وخوف إسرائيل من انعكاس الأزمة عليها، سعت للبحث عن حلول تؤجل تفاقم الأزمة لا حلها، في المقابل أيضا تخوفت مصر من انعكاسات الأزمة على أمنها القومي، فكانت المبادرة ولقاء قيادة حماس في القاهرة للتباحث بشأن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، التي نتج عنها إيجاد منطقة عازلة في رفح لمنع تسلل المتطرفين إلى سيناء، والسماح لحماس بشراء الوقود لمحطة الكهرباء ومحطات الوقود في القطاع، كل هذا بمعرفة إسرائيل وموافقتها لمنع تدهور الأوضاع والدخول في حرب جديدة.

وكان اللقاء التاريخي بين دحلان والسنوار في القاهرة، الذي أثار جدلا كبيرا في أوساط حماس أكثر من الشارع في قطاع غزة، بحكم الموقف السابق لحركة حماس من دحلان، لكن السياسية لا تعرف الحب أو الكره إنما المصالح، فعلى قاعدة المصالح كان اللقاء، وتم صياغة تفاهمات عرفت باسم "تفاهمات دحلان حماس" تلخصت في: إعادة تشكيل لجنة التكافل، وتشكيل لجنة للمصالحة المجتمعية، وحرية العمل للتيار الدحلاني في القطاع، والعمل على فتح معبر رفح وإنشاء محطة كهرباء ومساعدات إنسانية، وعود بهدف الاستقطاب. وبدأت ماكينة الإعلام تصور التفاهمات على أنها أهم من فتح القدس.

ورغم أن دحلان فلسطيني إلا أنه لا يمثل فلسطين في اللعبة الإقليمية الجديدة مع حركة حماس، إنما يمثل دولة الإمارات، فالمال الإماراتي هي الذي سيأتي لغزة بالمشاريع التنموية. إذن حماس أمام لاعب إقليمي جديد أولى مهامه إخراج قطر من قطاع غزة ليحل محلها، من خلال لجنة التكافل التي ستكون مسؤولة مباشرة عن قطاع غزة بالمال الإماراتي، وكما رشح في الإعلام على لسان المشهراوي أن هناك 15 مليون دولار شهريا لغزة. إذن سنكون أمام لجنتين في غزة لهما الحكم والسيطرة، لجنة إدارية لا يعرف المواطن مهامها ولا يشعر بدورها، ولجنة تكافل مهامها صرف أموال لا مشاريع إنتاجية فتصبح هي سيدة القطاع.

إن هذا اللاعب الجديد مختلف تماما عن اللاعبين السابقين في لعبة تحالفات حماس، سواء هي من بادرت إليهم أو هم من بادروا إليها، يبقى المال المقدم سياسة وليس حالة إنسانية. وهناك ثمن لهذا المال يجب أن تدفعه حركة حماس عاجلا أم آجلا، وإن غدا لناظره قريب.

ويبقى السؤال ماذا تغير في واقع قطاع غزة من تحالفات حركة حماس المتعددة طوال عشر سنوات؟، هل انخفضت نسبة البطالة بين الخريجين؟، هل أصبحت الكهرباء على مدار الساعة؟، هل وجدت حلول لازمة المياه المتفاقمة؟، هل وجدت حلول لأزمة المجاري المستعصية التي جعلت شواطئ بحر غزة 80% منه ملوثا؟، هل قلت نسبة الفقر بين السكان؟، هل أصبح لكل مريض سريرا في المستشفى بزيادة عدد بناء المستشفيات؟، هل قلت نسبة الإصابة بمرض السرطان والفشل الكلوي؟، هل تراجع معدل انعدام الأمن الغذائي بين السكان؟، هل أصبح لكل مواطن القدرة في الحصول على شقة؟، هل تم إعادة بناء البيوت التي دمرتها حروب إسرائيل؟، هل نقص عدد الطلاب في الصفوف المدرسية عن خمسين طالبا بزيادة بناء المدارس؟، هل أصبح العلاج المجاني متوفرا في العيادات والمستوصفات الحكومية؟، هل أصبحت البنية التحية قادرة على استيعاب الزيادة السكانية؟، هل أصبحت الطرق معبدة تليق بحياة كريمة للمواطنين؟، هل تم افتتاح حدائق عامة وملاهي مجانية للمواطنين؟، هل .. وهل .. وهل؟.

إن دول التحالفات منذ عشر سنوات صرفت أموالا في قطاع غزة، كان يمكن أن يجعلها في مصاف المناطق الراقية بالقياس إلى عدد سكانها، لكن هذه الأموال لم تبن مصنعا، ولم تؤسس لشركة إنتاجية، ولم تفتتح مشاريع إنتاجية للشباب. فهذه الأموال لم تكن إنسانية بقدر ما كانت لشراء موقف سياسي وتعزيز الانقسام. لذلك سأترك لكم الإجابة على الأسئلة السابقة والبحث في دائرة الإحصاء لاكتشاف كم هي الأرقام مرعبة.

إن قطاع غزة ينهار ذاتيا على مستوى الإنسان وعلى مستوى الخدمات المقدمة للإنسان في كل المجالات الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا الانهيار وتوابعه يولد بيئة حاضنة للتطرف الفكري لها انعكاساتها المستقبلية على واقع قطاع غزة.

لذلك أدعو حركة حماس إلى إعادة قراءة الواقع في قطاع غزة جيدا، وقراءة تحالفاتها السابقة والحالية ومدي انعكاسها على واقع قطاع غزة، قد تكون التحالفات الإقليمية مفيدة ولكن بقدر خدمتها للمشروع الوطني الفلسطيني والإنسان الفلسطيني، ومقاومة الاحتلال، فنحن ما زلنا تحت الاحتلال وهو لاعب رئيسي في كل التحالفات. إن الوحدة الوطنية ليست عيبا، والتنازل من أجل بناء الإنسان ليس خضوعا، والتراجع من أجل وحدة الوطن هو قمة الانتصار.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات