الجمعة 29 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

على سبيل .. غريبة وعبثية الحسابات

صورة توضيحية من الارشيف

صورة توضيحية من الارشيف

  • 21:33 PM

  • 2017-02-23

فوزية اوزدمير*:

إنقضّت العقبان على الخديجِ المخبوُءِ في خرابها السّري ، فحطمتْ عويل الصمت بضرباتِ مناقيرها ، وحرّكتْ الزمن الراكد في داخلها برفيفِ أجنحتها ، شَمّتْ للمرّةِ الأوّلى جيّف العقبان في دوائرٍ بطيئةٍ ، رباعياً في حلقةِ الأبديّة .
 أخافُ من ناقوس الزمن أن يدق على حينِ غرةٍ ، والنهارُ يبدأ ينسلخ شيئاً فشيئاً داخلاً في العتمة ، كلّما لامستُها غرقتُ في بياضٍ بين العدم والكفن ، كأنها النيران الخمس الهائمة المتحركة في رقصٍ خفيّ ؟
 لا أعرف طبيعة الهواجس التي انتابتني حينها ، لمْ أكن راغبة في حملها معي إلى القبر ، أو الغوص بها إلى أعماق البحار ! 
 أياً كان نوعها ، الموت ، الحياة ، والحّب ، ليست فقط هي ما يحرق حاضري ، ولكنّها أيضاً ما يستمرُ فيّ من رماد ، حتّى بعد خمود حرائق الموت .
 صحيح أنّهم نسجوا خيوط العنكبوت ، لكنّه يتردّد فيّ ، نَفسَهُ في صدى نفسي ، لابدّ أن أستمر ، وأن أتخلّص من مشانق أحلامي .
 أطرّقَ كاظماً غيظه ، هدّأ أعصابه التي بدأت تتشنْج ، ظلّ ينصتُ إلى فيّض زبد عينيها وذهنهُ شارد !
لمْ يتمكّنا مِن الكلام خلال الأيّام الثّلاثة التي تبقت ، خشيةً منها أو خجلاً أو مجرّد غباء منهُ ؟
لأنّها مِن غيرِ ضجيّجٍ ، قطعاً لا يحدث للإنسان ما يستحقهُ ، بل ما يشبههُ ، فلِمَ الألم ؟
 ما دامت تلك النهايات تشبهنا ، حتّى لكأنّما الموت يجعلنا أجمل ، فلِمَ الرقص بدورانٍ كدرويشٍ يستلهم حضوره من رفع يديه بالابتهالات ، كيان روحي ، بجسد مادي ودماغ ، والمشاهد بوابة الروحانيّة على إيقاع دفٍ وناي ؟
من أنا ، ما هذا الصوت الذي في رأسي ، من أنت ؟
 نضبت الكلمات ، ولم يعد هناك شيء يمكن أن يتحدثا عنه ، إلّا من هيجان بعض الأفكّار المحمّومة ، ينبعثُ منهما وكأنّه ضجّة روحهما المضطربة .
 كانت تعرف أنّها مغامرة تخوضها ميؤوس من تواصلها ، اعتبرت ذلك من باب طبع الرّجل الذي يحتكر المال والجاه ، والمرأة والسّلطة ، وعطرها !
هل هي في عتمتها ؟ 
 أم أنّها ترى دلافين تتراقص وتصفق في أعماقها ، فبهرتْ ونسيتْ بعضها تتدافع ببعضها ، لتزودها بسلسةِ طقوسٍ لاتّباعها !
فالإنسان في عتمتهِ لا يراهُ أحد ، ولا يرى أحداً !
 انزلقتْ دون أن تعطي انطباعاً بأنّها لاهثة ، وحدها كانت الكلمات تلهث داخلها ، وبقايا عطر اختزنه جسدها .
أصبح خائفاً مرّت الأوّلى تّتدحرّج بسلامٍ ، من حيثُ يدري أو لا يدري ؟
تصارحا في الأمر ، لمْ يمرّ ظلّها عبرّ نافذة عقله ، مرّ القط الأسود ، وأطفأ الشمعة بلهيبِ عينيه ! 
 شعر أنّ بقايا منهُ يلتفُ حول برج ٍشاهقٍ ، كرمزٍٍ ذكوريٍ خفي ، أو كشجرةٍ في الأرضِ بامتدادها الخاوي ، وتنتصبُ أمامهُ شبكة ٌأفقيّة بامتدادها اللانهائي ، وكأنّ عليهِ أن يقفز فوقها نحو الطرف الآخر ، والذي يبدو أُفقهُ جبلياً وعراً ، وهو دون نصفه السفلي !
سمع صرفقة باب روحه ، انتابه سؤال مجنون ، ولكنّه سرعان ما دفنهُ ، لكي لا يأكلهُ شجنهُ .
ما زال يربكني في كلّ حالاته ، حتّى عندما يخلع صمته ، ويلبس صوتي وكلماتي المبلّلة .
 قفزة مهمّة عملاقة في بحر ذاته ، حرّكتْ رأسه ، فواصل السّكوت مبتسماً بتخابث ، فإنّ الطيور في السماء المغيّمة وسُحَبها المتلبدّة وزوابعها المنتظرة ، يعسر عليها أن تحلّق ؟
 ثمّة شيء مّا ، حاولَ أن يحدّده ، خاف من تحديده على نحوٍ جليّ دقيق ، خاف من نفسه لا منها ، هذا الاعتلال الذي لا علاج له !
 ربمّا من شّدة إهمال هذه الذكريات مدّة طويلة خارج الذاكرة ، انتهت إلى التلاشي وانطفاء شكلها وتحلّل قوقعتها الصغيرة بين انثناءاتها الخفيّة ، كي ينصتا معاً إلى صخب الصّمت بين عاشقين سابقين ، أو هكذا تخيل لهما حين ساعة ضعف مرّا بها 
أليس الحب إلّا جنوناً ينفذ إلى القلب وقت ما يشاء ، وينسحبُ وقت ما يشاء 
 ربمّا انجذبت إليه في لحظةٍ ، كانت فيها رائحة الملائكة تاركةً بعض الرضاب أحيانا ، وفي أحيانٍ أخرى والأكثر حضوراً .. عطر الشياطين ؟
تركتُ ظلّي في عتمة ذاتهِ يحترق ، ولم ألبسهُ الكفن ، علني أجدّ ذاتي !
 كانت تعالج المسألة التي بينهما بعقلانيّة أذهلتهُ ، إمرأة ذكية ، شرحت لهُ مشاعره المتضاربة ، وفسّرتْ في الوقت نفسه أنّها ربمّا تركت ذاتها في مخاتلة بعيدة عن عقلها ، لتتعمّق فكّرة التلازم بين الملكيّة والسّلطة وأجساد النساء !
لم تكن تجد أين ترتّب أولويات حياتها : 
 تحت سماءٍ مفتوحةٍ وفي هواءٍ محظورٍ عن الفراشاتِ ، مثقلةٍ بذهبِ النذور الذي علّق على جسدها خلال الرحلة اللامتناهية التي أوصلتها من تخومِ أطرافِ الغابة إلى مملكة سأمه الشاسعة المختلجة ، أم في بقايا حياةٍ لا أمل آخر للخلاص فيها سوى الصلوات السريّة ؟
هل أنا من أتباع ( زينون ) ؟
كنتُ أتساءل دائماً هل أنا هنا ، أنا هو أنا وحدي الضحية ؟ 
 وأنّ نفسي غرفة زجاجية تشف عن ألمٍ لا نهاية له مشبع بالشفافة تثير ضجة ناعمة في صراعٍ مستديمٍ مع الموت القريب ، وأنا أبحثُ في داخلي عن بقايا ابتسامة خجولة لم أذق فيها طعم السعادة يوماً !
 كنتُ في لحظة حضوري كمّا حضر وأنا في في لحظة غيابي ، حيث كان كأس التردّد في فمي أمرُّ مذاقاً من السمّ القاتل !
يا اااااااااااااااااالله
 لم أكنْ في حاجة لوضع القطن في أذنيّ لتفادي صمت صرخاته ، رأيتُ الكلمات تتسارع متلاحقة الإيقاع برتمٍٍ أشبه بناقوسِ الكنيسة ،وكريشة ( بيكاسو ) ترسمُ أقداراً مجنونة وغريبة !
استنتجتُ أنّه رجل غريب الأطوار ، لا يعرف كيف يتدبّر أمر حّبٍ !.
 كان يمكن أن يُخيلَ للمرءِ أنّه يشاهد اندفاع كوكبةٍ من ثيرانٍ وحشيةٍ ، كانت حوافرها تّتلف كلّ شيء لدى مرورها في جلجلةٍ صافية ، كأنّها زلزالٌ عاتٌ من أكثر الحيوات إجداباً 
لا أحّبُ موت الشفقة ؟
 تجمّدت الكلمات في حلقي وهي مُنغرسة بعنفٍ في عمق مصيبتي التي سكنتني مدّة بآلامها ، أعتقد أنّي أنا من أوقفها ، ونشفَ فجأةً كلّ شيء فيّ ، ولكن الظلّ الذي ما زلتُ أحسّ به ، كان ما يزال يبدو من وراء الزجاج حيناً ، وحيناً آخر من وراء شقوق الحيطان والمنافذ التي لا تٌرى إلّا ثقوبها المتعدّدة ، كان يدخل بدون نعشٍ وسط سيل جارف من هجرةٍ نورانية فيها هذيان الحمى ، وكنتُ فيها وفيّة للغائب ، أجمع الحواسّ المخبأة فيّ 
لا أدري .. ! 
لماذا ما زلتُ على يقينٍ من أنّهُ ما يزالُ حياً ؟ .
 زينون : فيلسوف يوناني مؤسّس الفلسفة الرواقيّة.

*كاتبة سورية:

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات